طلال سلمان

هوامش

أنظمة السقوط واغتيال العروبة والإسلام!

صحا »المواطن« العربي، على دوي المدافع وهدير الطائرات الحربية، بعد طول غياب، سواء بتخدير الشعارات التي رُفعت لخداعه، أو بقمع المخابرات التي تمّ تعزيزها لتدجينه وتأديبه، فوجد نفسه في صحراء الضياع المطلق، لا يكاد يعرف له صديقاً، ولا يكاد يميز صورة العدو الذي اقتحم عليه »داخله« بسهولة مفجعة، وهو يموّه دبابات احتلاله بأعلام الديموقراطية وحقوق الإنسان!
سقطت الأقنعة جميعاً، دفعة واحدة، فإذا الوضع يفوق بمأساويته أي تقدير: ذلك أن »أنظمة الماضي« القائمة في معظم أرجاء الوطن العربي قد باشرت التضحية بمستقبل شعوبها المقهورة، من أجل استنقاذ »حاضرها« واستمرارها في السلطة.
الملفت أن سقوط الأنظمة التي طالما موّهت نفسها بالشعار القومي والتقدمي (ولو مزوَّراً) لم يشفع للأنظمة التي طالما غطت نفسها بالشعار الديني (المحافظ إلى حد التزمّت)، ولم يكن تزكية لها، بل أنه قد أسهم في كشفها أو فضحها وأسقط مبررات وجودها، هي الأخرى، فإذا بالنمطين اللذين تساندا بالخصومة المتبادلة يواجهان المصير نفسه.. وإن غير متساندين.
سقط »الحكم الوطني« معنوياً وعملياً، وسقط بوجهيه »القومي التقدمي« و»الأصولي الديني«.
هو لم يعجز فحسب عن حل المشكلات التي يواجهها مجتمعه، بل أنه فاقم من خطورتها بعصبويته وعسكريته وقصوره ورفضه الآخرين.
لا هو بنى ازدهاراً اقتصادياً وعمرانياً، ولا هو أقام مجتمعاً صحياً على قاعدة من الديموقراطية وحق الاختلاف… ثم أنه وضع الدين في مواجهة الحياة حين قرر أنه هو الله وهو الناس أيضاً.
سقط حكم صدام حسين، وزلزلت الأرض تحت أقدام الأسر الحاكمة باسم الدين ومن موقع الخلافة أو النسب الشريف أو شعار »لا إله إلا الله«.
فأما صدام حسين فقد اغتال »البعث« و»القومية العربية« و»الوحدة« و»الحرية« و»الاشتراكية«… ثم الإضافة الدينية التي أدخلها على علم العراق بعد اندحار غزوته الكويتية وهي »الله أكبر«.
أما الحكم بالشعار الديني فقد اغتال الإسلام نفسه.
وهكذا وجد العرب أنفسهم، فجأة، بلا عروبة وبلا إسلام: بقايا من شعوب منقرضة وحضارات ما قبل التاريخ… يجترون ماضياً لن يعود، ويغفلون عن حاضر أشوه لا يفعل غير تدمير مستقبلهم.
ذلك أن النمطين »المتناقضين« من هذه الأنظمة الدكتاتورية قد اشتركا في »مهمة مقدسة« واحدة هي: القضاء على مكوّنات وجدان الأمة: العروبة والإسلام..
كلاهما لم يفعل ذلك من أجل التقدم في اتجاه العصر..
كلاهما لم يقتل الحاضر من أجل المستقبل.
كلاهما أقام دولة الفرد العائلة التي يسقط بسقوطها الوطن الكيان الدولة، ويكون على الشعب أن يباشر البحث من جديد عن مقدمات لكيانه السياسي، بعد انفراط العقد الاجتماعي بين أبنائه الذين كانوا قد سلّموا ولو مكرهين وتحت ضغط الضرورة بالاندماج في هذه »الصيغة« التي أقامها »النظام« وفرضها بقوة السلاح..

أعمدة الملح في صحراء القمع..

كم من الجهد يتوجب بذله لإعادة الاعتبار إلى »العروبة« وإثبات براءتها من أنماط الأنظمة الدكتاتورية التي موّهت نفسها بالشعار القومي؟!
لقد اغتالت هذه الأنظمة العروبة مرات ومرات: أظهرتها حيناً شوفينية (معادية للأقليات الأكراد التركمان مثلاً في العراق)، وأحياناً حركة دينية لا تخص إلا المسلمين (وبالتالي فهي معادية للمسيحيين خصوصاً وللأقليات الإسلامية أيضاً)، ثم أنها أظهرتها معادية للديموقراطية، تُنكر المختلفين في الرأي وتلغيهم!
ثم أن هذه الأنظمة ونتيجة لخوفها بل لذعرها من شعوبها، قد ألغت أي بديل محتمل، فوأدت »المعارضات« المختلفة وهي أجنة بعد.
صارت أعمدة من الملح تقوم كشواهد القبور في صحراء القمع والصمت المدوي!
ولأنها ألغت بالخوف الحركة الشعبية بمختلف اتجاهاتها وتلاوينها، فهي قد مهّدت موضوعياً للتدخل الأجنبي، وسهّلت عليه عملية »الاستيلاء« على بلدانها..
علماً بأن هذا الأجنبي (الذي سيغدو محتلاً) قد رعى هذه الأنظمة ونماها وقواها وحماها واستعداها على شعبها كما على جيرانها..
كان النظام الحاكم بالشعار القومي هنا يقتل معارضيه بتهمة الخروج على العروبة.
.. وكان النظام الحاكم بالشعار الديني هناك يقتل معارضيه بتهمة الخروج على الإسلام،
وهكذا »أبيد« العروبيون الحق والمسلمون الحق هنا وهناك،
وكان البديل (المتاح) هنا وهناك خلطة هجينة من العشائرية والطائفية والمرتزقة (ممن يحفظ التاريخ اسمهم تحت عنوان »الموالي«).

التغيير المستحيل إلا… بالاحتلال!

يعامل العالم العرب وكأنهم »شعوب قاصرة«.
بل لعله يعاملهم كقبائل شاردة، لا هي بلغت من النضج مستوى يؤهلها لأن تكون شعوبا، ولا هي نجحت عندما أقيمت لها كيانات سياسية في أن تجعل هذه الكيانات »دولا« بالمعنى المألوف والمتعارف عليه..
فلا هم بشعوب تماما (فضلا عن أن يكونوا، حسب ادعاءاتهم، شعبا واحدا!!) ولا هم دول راسخة ومستقرة ذات سياسات محددة وذات اقتصادات تقع تحت أي تصنيف معتمد عالميا.
لا دينهم هو الدين، بل هو إلى التعصب والعداء للآخر وبالتالي إلى الإرهاب أقرب..
وأنظمتهم معادية للديموقراطية، وتكاد تكون دكتاتوريات مطلقة، سواء أموهت نفسها بالشعار القومي أم بالشعار الديني..
اقتصادهم متخلف مما يبقيهم خارج العالم الصناعي، وخارج وتيرة التقدم العلمي.. جامعاتهم تخرج أجيالا من أشباه الأميين، أما أصحاب الاختصاصات العلمية والمتفوقون والقادرون على اقتحام عصر ثورة الاتصالات والإسهام فيها بجهد، فمن الجامعة الوطنية إلى المهاجر، طلبا لحياة لائقة.. بالعلماء!
هذا كله يؤدي إلى نتائج منطقية بينها:
إن التغيير من الداخل صار مستحيلا مع هذه الأنظمة التي أتقنت تحصين نفسها في وجه شعوبها. وهذا التحصين أدى، بالضرورة، إلى إضعاف الوطن في مواجهة الأجنبي.
صارت المعادلة محددة: إسقاط النظام يعني إسقاط الوطن!
الوجه الآخر للمعادلة البائسة: الحفاظ على الوطن يفرض حماية النظام من السقوط!! ولكن النظام يلغي الوطن.
في العراق وصلت هذه المعادلة إلى حدود المأساة الوطنية القومية: لا مانع من اندثار الكيان من أجل التخلص من الطاغية. المهم سقوط النظام ثم بعد ذلك نناقش مصير الوطن!
… والبقية تأتي!

الفن شهيدا بصوت جميل وغمازة في الخد!

العنوان: ملحم زين وسائر النجوم المكتشفة حديثا في عالم الغناء… أما الموضوع فمأساة وطنية قومية، من حيث لم نكن نتوقع أو نحتسب!
فبعد دهر من تشويه القيم والمعايير في مجتمعاتنا، كيف يمكن أن تنتهي تجربة فنية منقولة حرفيا عن برنامج ترويجي أعد وأنتج لمجتمعات أخرى، مختلفة جدا، و»أصولية« جدا في تمسكها بالمعايير والقيم التي اعتمدتها بوعي كامل للفروق بين »الموهبة« و»السوق«، بين »الوجدان« و»الإعلان«، بين »السياسة« و»التجارة«، بين »الترويج« وبين »التزوير«؟
بعد دهر من تهشيم رابطة العروبة، بمختلف تجلياتها، وتعزيز الانفصالية الكيانية الى حد جعلها »عنصرية«، كيف لا تنشب الحروب بين الشعوب التي »وجدانها« واحد و»مصالحها« شتى، فيتهاوى المشترك عند أول ارتطام بالواقع السياسي الذي يظلل تفاصيل الحياة جميعا من حق الرأي الى الانتخاب بالأمر وصولا الى مخالفة الطبيعة بوهم نصرة »الأنا« في كيانها المستقل عن طبيعتها!
المفارقات شتى: الهدف المعلن اختيار نجم (أو نجوم) الغناء العربي، اليوم.
البداية »قومية« مفتوحة، شكلا، لكل العرب. لكن العمليات التنفيذية محكومة فعلا بالقدرات المادية (فالخلوي مكلف) وبدرجة التطور التقني في الأقطار مختلف المستويات العلمية (حيث لا خلوي لا أصوات للمرشحين).
الغناء في الترشيح »قومي«، لكن النتائج محكومة بالقدرات »القطرية«.
ثم إن التصويت يتصل »بجنسية« المطرب/ المطربة لا بقدرات صوته. البطون والأفخاذ، وبالاستطراد القبائل والعشائر هي »الحكم« الذي يقرر أي صوت هو الأعذب، وهو الأكثر إجادة لألحان الخلود!
التصويت وسيلة التزوير دعما للعنصرية وليس تزكية للأجمل صوتا والأكثر قدرة على بث النشوة في صدور سامعيه!
برنامج »قومي« في الشكل لم يفعل غير إثارة النعرات القطرية والكيانية بحيث كاد يتسبب في حرب أهلية بين »العنصريات« العربية.
أما الفن فقد سقط شهيدا بصورة فتى وسيم له غمّازة في خده الأيمن، ولد ليغني، وهو لا يتقن مهنة أخرى غير الغناء اسمه: ملحم زين…
وفي الموكب الجنائزي للطرب الأصيل تم وأد تجربة كان مقدرا لها أن تجمع العرب بوجدانهم متوهمين أن فساد السياسة لم يبلغه، فإذا به قد احتله وانتهى الأمر.
لكن وأد هذه التجربة قد أثبت ما أريد نقضه: ما زال في العرب القدرة على أن يميزوا الصوت الجميل من النشاز، وان يحفظوا تراثهم الفني من الاندثار، وان يحموا ذوقهم من حملات التسويق والإعلان الرخيص المشوه للذائقة الفنية!

لو أنك تقبلين حبنا يا ذات النونين..

يليق الفرح بعيون النرجس الموشاة بالسندس، وهي تعطي من حياتها حياة.
تليق زهوة الشباب بالتي لم تكن صغيرة أبداً، والتي غادرت الطفولة مبكرة بقرار الناذر نفسه للاستشهاد من اجل قضيته.
تليق الامومة بهذه التي ولدت كبيرة، والتي داخلها أبهى من طلعتها الجميلة، والتي انتصرت بقرارها الواعي على حروب الغرائز، كما انتصرت على »الرداءة«، ورفضت »المقبول« وحاولت جهدها حماية الفرادة والتميز وحق الاختلاف.
يليق بها الفرح هذه التي صار اسمها »مرتبة سامية« فاتسق المضمون مع التماع العينين الباهرتين بالنبوءة المختزنة فيهما.
أتعبك ثقل المهمات المطروحة على الهاربين من أدوراهم، يا ذات النونين، والتحريض على طلب المستقبل بغير التنكر للماضي.
أيتها التي جعلت من نفسك »الامة« بطموحاتها المكسورة، بهزائمها التي كانت تقدر على ردها، بأبطالها المغدورين بأيدي خدمهم، المخذولة بالادعياء الذين حملوا شعاراتها وأخذوها الى عدوها.
أيتها التي لم تعش طفولتها الا عندما جاء إليها الأطفال فصارت طفلتهم الأم أو أمهم الطفلة، ولم تعش مراهقتها لا في صباها الاول، ولا في تذوقها العفوي للموسيقى، ولا في وعيها بالسياسة أو بالثقافة أو بالفكر.
لو أنك تقبلين حبنا، أيتها التي تصر على أن تعطي وترفض أن تأخذ، والتي لم تبهرها الدنيا فظلت القاهرة أعز على قلبها من نيويورك، وظلت دمشق في عينيها أجمل من طوكيو، والقدس أغلى ما في الكون، وظلت أم كلثوم هي المرجع وعبد الحليم هو المطرب، ومحمد عثمان هو الملحن وزكريا أحمد هو المبدع وفيروز هي المغنية، وبهجت هو الصديق، وهيكل هو الاستاذ، و»المقاطعة« للعدو شرط العلاقة مع الاصحاب.
كثير عليك كل هذا يا وردة الشفقين… ولك بالذات، وعنك بالذات قال المتنبي قبل ألف عام:
وإذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الاجسام
.. والكمال متعب أيتها التي تتعجل، في صباها، الانجاز البكر.

من أقوال نسمة

قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
حبي كالبدر، يتكامل على مدار الايام، وحين يختفي عن العيون فانه يكون في طريقه الى الاكتمال كرة أخرى.. لكنه في قلبي مكتمل دائماً، وهو يبث ضياءه الناعس فيغلف صورة حبيبي فيجعله الأبهى بغير دوي الطبول.
لو نظرت البدر، في اكتماله، سترانا معاً، ولن تميز ملامحنا نحن اللذين صرنا بالعشق واحداً.

Exit mobile version