طلال سلمان

هوامش

ارتداد عن العروبة إلى سلفية مهزومة؟
قبل قرن من الزمان أو أكثر قليلاً، اهتدت طلائع المثقفين العرب من رعايا السلطنة العثمانية، إلى فكرة »العروبة« التي تم تطويرها بالاقتباس من التجربة القومية في الغرب، إلى حركة قومية تنادي بالاستقلال واستعادة هويتهم الأصلية.. أي العربية.
كانت دولة الخلافة المندثرة قد انتهت إلى السلطنة أو الإمبراطورية العثمانية.
وكان »الإسلام« الذي جبّ العروبة لقرون طويلة فشكّل الرابطة الجامعة بين شعوب الخلافة دار الإسلام قد فقد وهجه الديني حتى لم يعد قادراً على تمويه الطبيعة الاستعمارية للسلطنة، التي كانت قد غدت »الرجل المريض«، والتي حرص الغرب الاستعمار الجديد على حماية استمراريتها حتى جاءت الحرب العالمية الأولى فكانت بمثابة رصاصة الرحمة على الإمبراطورية المتهالكة، وخرجت »الولايات« تبحث عن مصيرها السياسي عبر توكيد هويتها القومية.. المستعادة.
وقبل قرن من الزمان أو أكثر قليلاً، كان فلاسفة الفكرة الصهيونية قد انتهوا من صياغة مشروعهم السياسي، فأعلنوه في »مؤتمر بال«، واندفعوا يعززون التحالفات من أجل إخراجه على صورة »وطن قومي يهودي« على أرض الميعاد، التوراتية، التي لم تكن غير فلسطين العربية.
كان ثمة تشابه في الشكل بين الدعوتين المستندتين إلى شيء من التاريخ وكثير من المعتقد الديني، كما كان هناك تداخل بين الأحلام وبين القدرات العملية والوعي السياسي بطبيعة الظروف الدولية السائدة.
بعد خمسين عاماً من مؤتمر بال كانت الحركة الصهيونية قد نجحت في إقامة دولتها اليهودية فوق »بعض« الأرض الفلسطينية..
وبعد قرن على تبلور فكرة العروبة في »حركة قومية« ها نحن نشهد انحساراً مخيفاً في شعبية الفكرة، وخروجاً متسارعاً من »القومية«، التي تحولت إلى تهمة شنيعة، بل تكاد تصبح »جريمة مشهودة« إذا ما ربطت بأسماء من ادعى تمثيلها من القادة المعلمين وأخطرهم وآخرهم (؟) صدام حسين!
كانت »العروبة« حلاً عبقرياً لهوية المنطقة التي كانت، على امتداد الألف عام الأخيرة، مسرحاً لحملات استعمارية عسكرية قوية جاءتها مرة من أقصى الغرب الأوروبي تحت شعار الصليب وبذريعة تحرير بيت المقدس، ومرة أخرى من أقصى الشرق كنزعة توسعية عند المغول أغراها ضعف الخلافة الإسلامية وتهاوي أسباب منعتها الداخلية.
ومع تنامي الحركة القومية ومحاولة تجذيرها فكرياً، بعيداً عن ادعاءات صفاء النسب أو محاولات تذويب الأقليات في الأكثرية، إن على المستوى العرقي أو على المستوى الديني، وجدت كثير من المشكلات حلولها الواقعية عبر الانخراط في عملية سياسية تستهدف إعادة صياغة المنطقة على قاعدة تسليم الكل بهوية سياسية ثقافية جامعة، هي العروبة، من دون ذوبان الجزء في الكل أو الأقليات في الأكثرية، وكذلك من دون اعتماد الدين شرطاً للهوية القومية ومن ثم للكيان السياسي والحق في المشاركة في السلطة.. المدنية.
وفي حين لم تتورع الحركة الصهيونية عن الاشتباك، سياسياً وحتى بالسلاح، مع حلفائها الغربيين الذين تبنوا مشروعها السياسي (كما حصل مع قوات الانتداب البريطاني في فلسطين) فإن الرعاية الغربية لم تتأثر ولم تضعف، بل هي تعاظمت مع قيام »الدولة« شاملة الصعد كافة (جاءت فرق كاملة تم تدريبها في صفوف الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، تشمل طيارين وأطقم دبابات الخ)…
بعد ثماني سنوات من اقامة إسرائيل كانت دولتان عظيمتان تتواطآن معها لشن الحرب ضد الحركة القومية ممثلة بمصر جمال عبد الناصر في »العدوان الثلاثي«.
لكن ذلك زمان مختلف!.
لقد دار الزمان دورة كاملة، فتصاغر حجم الحكام، وإن ظلوا يحكمون بمنطق كياني ولكن تحت الشعار القومي. لقد حاولوا، باستمرار، إضعاف فكرة العروبة وحاولوا تشويهها لتصير لها صورتهم.
الطريف اننا نشهد الآن ارتداداً من العروبة في اتجاه »الإسلام«، بل وفي اتجاه سلفية جاهلية تقدم صورة تسيء إلى الإسلام وتدمر العروبة باعتبارها بدعة بل ومؤامرة غربية على العرب والمسلمين!
في حين ان الحركة القومية وبرغم كل الانتكاسات والهزائم التي منيت بها أنظمة حملت شعاراتها، قد أكدت الترابط المصيري بين العرب، ووفرت لهم في مرحلة معينة ان يحققوا بتكاتفهم وتضامنهم انتصارات مؤثرة، بل هي وفرت دعماً حقيقياً للمسلمين في سعيهم للحصول على استقلال أقطارهم وبلورة خطة نهوضهم الوطني والاجتماعي.
دار الزمان دورة كاملة، ومؤكد أن هذا النمط المتخلف في سلفيته من الإسلام السياسي لا يفيد في مقاومة احتلال أجنبي ولا في تأكيد هوية بلاد ضرب الاحتلال فيها وحدتها الوطنية وهيمن على مقدراتها الاقتصادية.
لا يعقل ان نعود بعد قرن من الزمان لتجربة سلاح قتل حامله في كل مواجهة جدية مع قوى الاستعمار الأجنبي كما مع قوى الاستغلال الداخلي الذي طالما تغطى بعباءة الدين الحنيف.
لا طريق إلى حرية العرب إلا هويتهم القومية، وهي تتضمن مع وطنيتهم ايمانهم… بشرط تطهير العروبة من الذين تاجروا بها واستغلوها فقتلوها قبل ان يقتلوا المؤمنين بها.

نحن تحت الاحتلال.. طمنونا عنكم!
ها نحن نستعيد ذكريات الصبا الأول!
في أوائل الخمسينات كان »اللاجئون« الفلسطينيون يتكومون أمام أبواب منازل جيرانهم من متوسطي الحال الذين تيسر لهم أن يقتنوا تلك العلبة السحرية المسماة »المذياع« أو »الراديو« ليستمعوا إلى »رسائل المشردين إلى ذويهم« في الأقطار العربية المحيطة بفلسطين. وكانت محطة أجنبية بلسان عربي هي السباقة إلى ابتداع هذا البرنامج الإذاعي الذي أنجبته »النكبة«!
في أواخر الستينات، وتحديدا بعد »نكسة« 5 حزيران 1967، اعتمدت غير إذاعة عربية برامج مشابهة، تقوم على بث رسائل تطمين ممن شردتهم النكبة من ديارهم (الفلسطينية أساسا) إلى أهاليهم الذين بقوا في الأرض المقدسة. بل إن إذاعة العدو الإسرائيلي نفسها أخذت تبث برنامجا مشابها… فصارت الصلة بين أبناء الشعب الواحد المشرد في أربع رياح الأرض… هوائية!
… ومن »حسن طالع« العراقيين أن »نكبتهم« قد حلت بهم (وبأمتهم) وقد شهد العالم طفرة هائلة في مجال الاتصال والمواصلات، وهكذا فقد أمكن للمقيمين منهم، بعد، داخل بلادهم المحتلة أن يطمئنوا ذويهم المشردين من قبل الاحتلال في أربع رياح الأرض، ليس بالصوت وحده، وإنما بالصورة أيضا!
يقف الرجل المهزوم، المجرحة كرامته، أمام مذياع الفضائية التي حققت هذا »السبق«، ويبدأ بإرسال كلامه وكأنه آلة تسجيل: أنا المواطن فلان الفلاني من محلة كذا أهدي سلامي إلى أخي في ألمانيا وأبناء أختي في السويد وإلى ابن عمي في سوريا وإلى أولاد خالي في كندا وإلى شقيقتي في بريطانيا. نحن بخير ولله الحمد. »كلنا زينين«!
تقف المرأة التي تخاف من الكاميرا وقد حجبت معظم وجهها بمنديلها أو ببعض عباءتها لتطلق عبارات التطمين إلى أسرتها المشردة في أرجاء المعمورة.
الكل بخير. فقط ذهب العراق.
الفارق الأساسي أن مشردي الأمس من أبناء النكبة في فلسطين إنما أخرجهم الاحتلال الإسرائيلي من ديارهم ورماهم خارج أرضهم، بقوة سلاحه، في حين أن العراقيين قد شردهم حكم الطغيان الذي مهد للاحتلال.
صار العالم وطنا للذين أُخذ منهم وطنهم!
هي العولمة بقوة الاحتلال!

أقرأ فحسب … لست مسؤولاً عن الأخبار!
تفرض »أصول المهنة« أن تترك عواطفك خارج الاستديو، وأن »تقرأ« نشرة الأخبار »بحياد« مطلق: أنت مجرد مذيع، مجرد قارئ، مجرد ناقل، مجرد أداة وصل بين صانع الخبر وبين من يستمع إليه. اهدأ، إذاً، ولا تنفعل، كائناً ما كان الخبر. الانفعال يذهب بالموضوعية. العواطف تؤذي الصدقية. لا علاقة لك بطبيعة الخبر. قد تنعى وطناً أو تنعى أمة. قد يفزعك »التزوير« في نص الخبر، كأن يصير »الاحتلال« تحريراً، أو يصير »المقاوم« إرهابياً…
لا عليك! لست أنت المسؤول عن انقلاب »العدو« إلى »حليف« أو إلى »شريك«، أو عن تحول »الاستسلام« إلى »سلام«.
اقرأ فحسب. جمّد عينيك على اللوحة الضوئية أمامك، تابع شريط الكلمات التي تجري عليها بالسرعة المناسبة. اضبط نفسك، لا تنفعل إذا مرّت بك صورة طفل مزّقه الرصاص الإسرائيلي، أو مجموعة من النساء العراقيات يلطمن الوجوه ويتمسكن بعباءاتهن السوداء بينما الجنود الأميركيون يحاولون رفعها للتثبت من أن »الماجدات« لا ينقلن السلاح. اهدأ وأنت ترى الدبابة الإسرائيلية تجرف بيتاً عمره من عمر فلسطين. تماسك وأنت تصف موكب تشييع »سرب« من الشهداء. الموت حق. ثم ماذا فيها إذا ما استضاف ملك عربي أرييل شارون؟! وماذا يضيرك إذا صار العراق مِزقاً يتناهبها الكرد والتركمان وعرب السنة وعرب الشيعة واليزيديون والصابئة والأشوريون والكلدان؟! هل أنت مسؤول عن هوية العراق الدولة والعراقيين؟ .. وحتى لو افترضنا أن هذا التقسيم يؤسس لحرب أهلية، هل ينفي الخطر حقيقة أن الأهالي في بلاد الرافدين ينتمون إلى أكثر من عرق وأكثر من دين وأكثر من طائفة؟ وأين الخطأ في أن يطالب كل طرف بقراره المستقل ولو تحت الراية الأميركية؟
لا تتفلسف فتعتبر نفسك مسؤولاً عن تصحيح التعابير حتى لا تشوّه المفاهيم. ثمة كلمات قد طوت التطورات معانيها العتيقة: الاستقلال، السيادة، الكرامة الوطنية، القرار المستقل إلخ. كذلك عليك أن تنسى تعابير من نوع: الوطن، الأمة، الشعوب، الوطن العربي، المشرق العربي، المغرب العربي، وحدة المصير العربي، وحدة الهدف العربي، وكذلك النضال القومي، الكفاح المسلح… أما »الجهاد« فكلمة قاتلة. احذفها حتى من القرآن!
كن موضوعياً ودقق في تعابيرك ولا تغرق في الوهم أو تتسبّب في تضليل مستمعيك والتغرير بالسذج منهم. قل الحقيقة ولا تخف: أنجزت القوات الأميركية الباسلة تحرير العراقيين من هويتهم المضللة الجامعة وأعادتهم إلى أصولهم الأولى.
وأقرأ: أنجزت القوات الإسرائيلية تحرير الفلسطينيين من ثورتهم ورئيسهم وميلهم إلى العنف وهواية الانغراس في التراب الذي لسذاجتهم يعتبرونه مقدساً!
احتلال يعولم »المواطنين« فيجعلهم رعايا يحملون جوازات سفر صادرة عن مختلف دول الأرض، بينما هويتهم الأصلية منكورة عليهم..
واحتلال آخر يعولم »الوطن« فينزع عنه هويته الأصلية ويجعله مشاعا لعسكر المحتلين المستقدمين من دول فقيرة ومكسورة كان أقصى طموحهم أن تتيسر لهم فرص عمل في أرض السواد، وكذلك للشركات المقبلة من الدولة الأغنى في العالم لتسرق نفط العراق وخيره، تاركة للعراقيين الوعد برفاه الديموقراطية.
نحن بخير. طمنونا عنكم!

من أقوال نسمة

قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
يأخذك الحب إلى الشعر والموسيقى والفن الرفيع.. أما الفن الهابط فهو بضاعة استهلاكية تأخذ المراهقين بعيدا عن الحب. أستغرب كيف يعرف الحب من لا يتذوق الشعر، ومن لا يسمع الموسيقى، ومن لا يعرف من الغناء إلا قرع الطبول ووقع الأقدام على حلبة مثقلة بالسكارى؟!

Exit mobile version