طلال سلمان

هوامش

العراق بعد فلسطين: انحطام العروبة والإسلام؟!

نعيش هذه الأيام مواجهة مع الذات، على المستوى القومي، لا نملك ترف التهرّب منها أو إرجاءها إلى ظرف أفضل، فلن يكون في غدنا القريب ظرف أفضل… وعلينا أن نباشر مراجعة شاملة للكثير ممّا كنا نعتبره مسلمات بديهية، فلا نعتذر بأننا الآن تحت ضغط الأحداث مرجئين المحاسبة إلى ظرف طبيعي لا مجال لتوقعه في المدى المنظور.
ومن واقع ما جرى للعراق وفيه، وقبله من واقع ما يجري لفلسطين وفيها، فقد أصاب كثير من التشوّه وحتى العطب المكوّنين الأساسيين لمجتمعاتنا: العروبة والإسلام.
لا يكفي أن ندين الاحتلال الأميركي ونظام صدام حسين في العراق، ثم نرتاح إلى بعض الإرهاصات التي تؤشر الى أن المقاومة لا بد ستباشر جهادها حتى تحرر أرض الرافدين وتعيد بناء الدولة الحديثة والمجتمع الديموقراطي فوقها، وكأن الاحتلال جاء بالفرصة التاريخية المرتجاة لإطلاق الثورة الكامنة ضده وضد ترسبات عهد القمع معاً، فإذا ما تفجرت حمل عصاه على كاهله ورحل مهزوماً.
إن الهزيمة في العراق أخطر من أن تترك نتائجها لشعبه المحطم القدرات من قبل الاحتلال، المنهك بالحصار والتجويع والقمع المريع المشتتة جموعه طوائف ومذاهب وأعراقاً، المقسّمة أرضه مناطق محظورة ومناطق مقهورة لا توحد بينها إلا تماثيل المخلوع وقصوره والمنشورة استفزازاً لملايين العراقيين الذين أخذوا الى كثير من الحروب الغلط في الزمان والمكان والهدف، فلما جاءتهم الحرب في أرضهم تلاشى نظامهم الدكتاتوري وادعاءاته الكاذبة ولم يجدوا ما يتصدون به للعدوان، فحقق الغازي الأميركي نصراً شبه مجاني سندفع ثمنه غالياً على مدى أجيال.
والأخطر أن العراقيين المجموعين المحطمين بالرعب من طاغيتهم لا يملكون ما يكفي للتصدي لنتائج العدوان: أي للاحتلال، والشعارات البراقة التي يلوح بها ليبهرهم فيشغلهم بأنفسهم عن واقع هيمنته على وطنهم الغني ومقدراته الهائلة… فهو يمنيهم الآن بكل ما لم يعرفوه من الديموقراطية الى الانتخاب وحقوق الإنسان والمؤسسات المجسدة لإرادتهم ولدولة تكون دولتهم لا دولة المتحكّم فيهم عبر أجهزتها القمعية العديدة.
كذلك فإنهم يفتقدون الإطار السياسي الجامع: لا جبهة وطنية حقيقية، ولا تنظيمات شعبية جدية مؤهلة وقادرة على النهوض بمهمة جليلة كإعادة توحيد العراق وبناء دولته.
إن العراقيين يرجعون الى عراق كانت طبيعة حكمه تنكرهم، وهم الآن يكادون ينكرون واقعه.
كل يعود الى الآخر بعد غربة طويلة عنه،
والكل يعود الى عراق غير الذي عرفه،
والوقائع على الأرض أقسى من أن تذيبها الأحلام أو التمنيات.
لقد تعامل النظام الساقط طوال دهر حكمه مع العراقيين بطوائفهم ومذاهبهم و»قومياتهم« الأقلوية، وأفاد الاحتلال من هذا الواقع المفروض وها هو يستثمره لصالحه، فلا يتعامل مع الشعب العراقي بل مع سنته ومع شيعته ومع مسيحييه، مع عربه الذين باتوا عشائر، ومع التركمان الذين صاروا أتراكاً، ومع كرده الذين باتوا »مجسماً« أميركياً مصغراً لمشروع الدولة العتيدة أو إعلاناً ترويجياً لديموقراطية الاحتلال واحترامه للخصوصيات وحرصه على حقوق الإنسان، في مقابل »السفاح الذي أراد استئصال الأكراد« بالأسلحة الكيماوية.
أما مسيحيو العراق فبالإمكان استغلال أوضاعهم غداً كعنوان للاضطهاد الديني لتبرير استمرار الاحتلال لحماية الأقليات وحقوقها في ممارسة شعائرها الدينية.
لقد ألغى النظام السابق بشخصه دولة العراق،
وها هو الاحتلال يتعامل مع العراق وكأنه في مرحلة ما قبل الدولة حيث المكانة لزعماء العشائر والوجهاء والأعيان ورجال الدين المتعددي ألوان العمامات وقبضايات الأحياء والمنفيين من المعارضين السابقين ممن كانوا الى ما قبل سنوات بين رجالات النظام، ورجال الأعمال والسماسرة العائدين من مغترباتهم مع ارتباطهم بالخارج.
الكل آتٍ من بعد شاسع إما عن الوطن أو عن دولته أو عن مجتمعه، يفتقدون اللغة الجامعة والشعار العملي الجامع، تباعد بينهم مصالحهم الشخصية وتطلعاتهم الى سلطة ما، ولو بالوكالة عن المحتل ولحسابه.
أما أهل الداخل المكسورون من قبل الهزيمة العسكرية، فإنهم لا يجدون في الغالب الأعمّ غير بيوت الله ملاذاً، وغير رجال الدين أو زعاماتهم العشائرية مرجعاً، خصوصاً الكثرة الغالبة التي تمنعها وطنيتها من اعتماد الاحتلال مرجعية شرعية للعراقيين.
* * *
إذا ما انتقلنا بنظرة خاطفة الى ما يُراد تمريره في فلسطين وعبرها لوجدنا أنه لا يقل خطورة عما يتم في العراق، بل لعله يتكامل معه خصوصا في ظل هذا التحالف الاستثنائي وغير المسبوق بين الإدارة الأميركية التي يقودها فكر متصهين وبين العنصرية الإسرائيلية بقيادة السفاح شارون:
إن ما يجري في فلسطين، وفيها يكاد أن يكون النموذج لما يُراد أن تكون عليه الدول العربية مستقبلاً، وليس عراق ما بعد الاحتلال فقط..
إن »خريطة الطريق« من أهدافها أن تدفع الفلسطينيين الى التيه ووأد مشروعهم الوطني بأيديهم.
* * *
إننا نشهد موجة خروج جماعي من العروبة كرابطة كانت ذات يوم مقدسة، بوصفها تجسيد الحلم المشترك للملايين من العرب المتحدرين من صلب ماض مجيد كانوا يفترضون أنه بالإمكان استعادته والاتكاء عليه لبناء مستقبل أفضل يحفظ لهم حقهم فوق أرضهم.
مع كل نكسة كان يخرج بعض العرب من عروبتهم، تارة بدعوى طلب السلام، وهو في واقع الأمر السلامة، الى تأمرك يأخذهم الى إسرائيل، وطوراً باسم الطموح الى الديموقراطية، ودائماً تحت راية المصلحة الذاتية المباشرة وعلى حساب المجموع العربي الذي لا يشكل حصانة ولا يحقق مصلحة.
سقطت العروبة بذريعة أنها لم تفد أي قطر عربي في حماية ذاته بشركاء المصير المفترضين، ثم أن الأنظمة التي حكمت باسمها قد شوهتها فجعلتها مبرراً للانفراد بالسلطة ولممارسة القمع الى حد الإبادة على من يعارضها، أو من يحاول مناقشة الحاكم الفرد الذي حصر في نفسه الحق كله والخير كله.
لقد دمر الحكم بالشعار القومي التنظيمات الشعبية مرتين: الأولى حين حكم باسم بعضها ولم يكن لها من الحكم إلا الشكل، والثانية حين استأصل معارضاته مستبقياً منها بعض اللافتات على طريقة النكتة الشهيرة: الحزب الشيوعي العراقي لصاحبه حزب البعث العربي الاشتراكي.
ومع تراجع العروبة كان الإسلام السياسي يتقدم مستفيداً من سقوط الوهج عن الأنظمة والتنظيمات القومية وتهاوي شعبية الأحزاب ذات الشعار العروبي.
وفي لحظات تبدى وكأن الإسلام السياسي يقدم ثأره من هذه الأنظمة والتنظيمات التي سبق لها أن قاتلته وقاتلها وقاتلتها، على خصومته لقوى الاحتلال والهيمنة الأجنبية، إسرائيلياً كان أم أميركياً.
في لحظات أخرى استفاد الإسلام السياسي من ضعف هذه الأنظمة واحتياجها إليه، لمواجهة الأخوة الأعداء وإخراجهم من السلطة، كما فعل السادات في مصر ما بعد عبد الناصر، فهادنها وأخذ يحصد تراجعاتها غير المحدودة.
* * *
لقد أسقطت دكتاتورية الأنظمة ذات الشعار القومي، العروبة، خصوصاً وأنها قد فشلت فشلاً ذريعاً سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً.
لا هي عوّضت بالإنجاز الاقتصادي عن تغييب الديموقراطية، ولا هي انتصرت في المواجهات العسكرية بحيث تغفر لها تراجعاتها السياسية.
بالمقابل فقد أساءت مغامرة بعض التنظيمات التي ترفع الشعار الإسلامي الى الإسلام كدين إساءات بالغة، وحملته كدين مسؤولية الهزائم الجديدة، خصوصاً وأنها قدمته عبر فكر سلفي قاصر عن مواجهة منطق العصر ومنجزاته العلمية الباهرة، وغلّبت الشكل على المضمون بدءاً من اللباس حتى الشعائر وصولاً إلى لغة الفسطاطين.
وهكذا غدت هذه المنطقة ذات التاريخ الذي كان حصيلة التزاوج بين العروبة والإسلام، مطعونة في عروبتها، ومشوّهاً إسلامها، وأصاب الطلاق السياسي بينهما العقيدة بضرر فادح.
وصحيح أن صدام حسين ليس هو الرمز الأفضل للعروبة، ولا طبعاً لحزب البعث، صاحب الدور التاريخي في النهوض العربي، لا سيما عندما كان في دوره النضالي وقبل أن تغتاله السلطة.
وصحيح أيضاً أن أسامة بن لادن ليس هو الرمز الأنصع للإسلام السياسي، ولا شك في أن كثيرين من المجاهدين تحت الشعار الإسلامي يضحون بدمائهم رخيصة في ساحة المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، والأميركي في العراق.
ولكن المحصلة النهائية أن الإسلام السياسي تبدّى يناصب العروبة العداء، وأن العروبة ترد عليه التحية بمثلها، في حين يتقدم الاحتلال (إسرائيلياً وأميركياً) ليمسك بمصير منطقتنا هذه مفيداً من هذا الانشطار المدمر بين مكونات الأمة.

حكاية »العيد« في العلبة!

حين دخل »العيد« إلى علبة الليل المزدحمة بالهاربين من نهارات التعب، رفع المغني، الذي يفضل النظر الى الجدار هرباً من عيون السكارى بقرار، عقيرته بالغناء عالياً عالياً حتى لم يعد يسمعه أحد.
كان كلٌ يحاول تأكيد حضوره هنا بأعلى صوته، وبكل جسده الراقص، وبصحبته القادرة على تحمّل مزاجيته، وبنهمه للشرب، وبرغبته في أن يشتعل حتى الانطفاء.
تخاطفت الأيدي »العيد«: راقصه البعض ورقص له آخرون، ومدّ الولد الظريف إليه يده بكأسه الذي بلا قعر، ونظمت شاعرة الليل قصيدة بلا أوزان، وكرّمه المغني بدقائق من الصمت.
وكانت المرأة التي نسيت اسمها واتخذت من العتمة سكناً، تترنح تحت وطأة الذكريات المهجورة، طلبت كأساً جديدة على شرف »العيد« الذي سقطت عنه غربته وصار أليفاً مثل قط العائلة.
أطفأ »العيد« شموعه، وصدح المغني مودعاً الليل، ورقص الجمهور الرقصة الأخيرة التي امتدت الى الشارع الفارغ إلا من فضة يرميها بدر الصحراء الذاهب للاستحمام في بحر الغربة.
وحين قام صاحب العلبة مترنحاً ليقفل الباب على عبق النشوة التي شكلت ليلاً ثانياً معطراً، وجد »العيد« نائماً.. فتركه يواصل »احتفاله« الحميم وحيداً.

جميلة الليلة التالية!

تطلين يتقدمك الشبق وتسألين: ألست شهية؟!
تدور عيناك بزرقتهما الباهتة تستدران نظرات الوله، أما الشفتان الغليظتان فترقصان مع الحروف رقصة الغواية قبل إطلاقها، ثم تتخذان من بعضها حقل تمرين على التقبيل… عبر هواء الفراغ!
تسألين كل عابر سبيل إن كان قد استقبلك في منامه، لعله يغازلك في صحوه، وتكسبين الرهان: أنا نجمة الخطيئة وقرص الشهرة الذي يتزاحم من حوله سكارى الشاشات الملونة.
… أما حين تنطفئ الأضواء، ويأتي من يمسح عن الوجه »الصورة« التي رسمها الماكياج، فتسود الفوضى، في انتظار استعادة التوازن مع أضواء الليلة التالية!.

من أقوال نسمة

قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
الحب أعظم الأطباء، لا يستعصي عليه وجع. عندما ألتقي حبيبي يتهاوى تعبي، ويتهافت الصداع، ويسقط عني ما كان يؤلمني في جسدي.
الحب الفرح. أعط نفسك للحب يجئْك الفرح عفياً فإذا أنت في خير حال. أذكر حبك يذهب أي اعتلال في جسدك.

Exit mobile version