طلال سلمان

هوامش

ندوة »الخليج«: للعربي الديموقراطية، ولاوطانه الاحتلال!

تخطينا حاجز العاطفة والذكريات العطرة ونحن ندخل »دار الخليج« في الشارقة، للمرة الاولى بعد رحيل الزميل والصديق الكبير تريم عمران، الذي اعطاها نور عينيه وأخصب سنوات عمره… وكنا في تلهف للتثبت من ان »رجل الظل«، مهنيا، الدكتور عبد الله عمران، قد تمكن من حماية الانجاز وتعزيزه، معوّضا غياب الشقيق، بكفاءته الادارية وبوعيه لخطورة الدور الذي تلعبه »الخليج« كجريدة عربية رائدة في تلك المنطقة التي تعيش، هذه الايام، في »عين العاصفة«.
لم يطل بنا الامر قبل الاطمئنان الى ان »الخليج«، كمؤسسة انتدبت نفسها لدور فيه من الرسالة بقدر ما فيها من الاتقان المهني، تواصل نجاحها وتعزز قدراتها الاقتصادية بفضل سهر الدكتور عبد الله عمران ووعيه بخطورة دوره في حماية الانجاز، والتفاف الاسرة من حوله لتكمل المسيرة في الصحيفة ذات الهوية الواضحة، كما في المطبوعات متعددة الاهتمامات التي تصدر عنها.
كانت المناسبة واحدة من الندوات الشهرية التي تنظمها »الخليج« حول مواضيع الساعة، وهي هذه المرة قد انعقدت تحت عنوان »العرب على مفترق الطرق«، متخذة من تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2002 الصادر عن برنامج الامم المتحدة الانمائي موضوعاً لها، وقد اشركت »الخليج« معها »المنتدى الاعلامي العربي العالمي« في لندن، الذي جاء بمجموعة من الخبراء والباحثين المهتمين بالشؤون العربية، فضلا عن ممثل الاتحاد الاوروبي.
ومعروف ان هذا التقرير قد اثار عاصفة من الاعتراضات، واشتد الجدل حول كثير من الاستنتاجات التي خلص اليها، وحول بعض الارقام التي اعتمدها كأساس للتحليل، والتي رأى كثيرون انها مجتزأة او غير دقيقة ولو كانت صادرة عن جهات رسمية… وهذا ما أشار اليه المضيف نفسه في كلمة الافتتاح، مؤكدا على اهمية الحوار في الوصول الى الحقيقة والأهم: في نشر الوعي بالمكونات الاصلية للواقع العربي ووجوه العجز التي تشل القدرة على التقدم.
وبرغم كفاءة »محامي الدفاع« ممثلا في الدكتورة ريما خلف، فإن النقاش الذي دار بالانكليزية لم يخل من مفارقات، ابرزها ان المشاركين العرب قد سمعوا من المشاركين الاجانب، انتقادات حادة، بل وجارحة احيانا لمشاعرهم القومية استنادا الى هذا التقرير وانطلاقا منه، ولم يكونوا مستعدين لتبنيه او للدفاع عنه بالجملة، حتى لو كانت ارقامه تعكس بعض جوانب واقعهم المتخلف.
حول النقاش، ومن وحي »المناخ المحيط« بنا ونحن في الشارقة، التي تجتهد لان تكون العاصمة الثقافية لدولة الامارات العربية المتحدة، ودار الأمان للمنهمكين في استيعاب الفورات الاقتصادية المتوالية »لجارتها« المتوهجة دبي، هذه الملاحظات التي تتصل بالقلق على اليوم والغد الذي تعيشه الامة العربية جميعا في ظل الشبح الاسود للحرب الاميركية الظالمة على العراق، والتي يتصرف كثيرون في ضوء »نتائجها« وكأنها قد وقعت فعلا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير:
انفتح بطن الوطن العربي وبدأت الايادي تعبث بأمعائه، كبده، رئتيه، قلبه، كما يفعل تلامذة الطب مع »جثة« يفيدون من تشريحها بغير إشفاق.
من حق أي كان، من غير العرب، ان يمد يده ليفحص بلا سماعة، وأن يقترح وصفات العلاج والجرعات ومواعيدها:
اسرائيل تحاضر علينا بحقوق الانسان، متجاهلة انها غاطسة في دماء ضحاياها الفلسطينيين حتى أذنيها.
بريطانيا تنصحنا بضرورة الوحدة، وهي بين مهندسي الانفصال بين العربي والعربي الى حد الاقتتال الاهلي.
الولايات المتحدة الاميركية، بشركاتها العظمى واحتكاراتها الهائلة وحروبها المفتوحة على معظم العرب، لا سيما منهم من كانت تصنفه »صديقا« و»حليفا« »تمنحنا« 29 مليون دولار لننجز بناء »الديموقراطية«…
ايطاليا برلسكوني تسفه الاسلام وتنصحنا بعدالة اجتماعية تداني حدود الاشتراكية… فالملياردير يتشهّى دور الناسك الواعظ بالزكاة!
كل المستعمرين القدامى تحولوا الى »كونسلتو« طبي في خدمة المستعمر الجديد: الاميركي، يروون له تاريخ العرب مع الارهاب ويؤكدون له ان »الإسلام« هو المصدر الفكري والمولد الدائم لهذه الجرثومة المدمرة.
بينما يعود الغرب، بالقيادة الاميركية المفردة، الى احتلال اقطارنا عسكرياً، وإقامة القواعد فوق ارضنا وفي بحارنا ومياهنا الاقليمية، ومصادرة القرار السياسي »لدولنا« وسلاطينها، فإنه ينتبه فجأة الى ان »حقوق الانسان« غير محترمة، وإلى ان »الديموقراطية« غائبة وان توزيع الثروة ينافي ابسط شروط العدالة الاجتماعية.
لا بأس من احتلال الاوطان، ولا ضير في استعباد الشعوب، لكن لا بد من انظمة (تحت الاحتلال) تحترم الانسان الفرد!، وتوفر له افضل الشروط ليمارس حقه الديموقراطي في الانتخاب وفي ضرب الفساد الاداري (كما في فلسطين).
بين المفارقات المفجعة التي يمكن استخدامها ضدنا: ان العديد من الاقطار العربية كانت تعرف »نوعا« من الديموقراطية والانتخابات والحريات العامة، (كإنشاء الاحزاب والنقابات والجمعيات والصحف) ايام الاحتلال القديم البريطاني الفرنسي.
اي ان احوال العرب السياسية، بوجه عام، كانت افضل قبل خمسين عاماً مما هي الآن!
التقدم فضّاح!
من سيسمع عبد الله عمران وهو يقول: ان المشروع الصهيوني عامل نزف للموارد وإعاقة للتنمية وإهدار لحقوق الانسان… وإن التقدم والتخلف لا يقاسان وفقا لدين او جنس ولا تبعاً لما يفعله الآخرون؟!

عن موسى الزين شراره: الظاهرة الضمير…
دع الحرج واكمل »رسالتك« فالموضوع اخطر بل وأقدس من ان يترك للغير من الذين لا يعرفون كل الحقيقة عن هذه »الظاهرة« الفريدة في بابها التي تكاد تختزل حقبة من النضال الوطني القومي التقدمي في رجل مفرد اسمه موسى الزين شرارة…
وهكذا اندفع إحسان شرارة، الرجل الذي كلما تقدم في السن ازداد شباباً ورغبة في مزيد من الإنتاج، والذي ما زال يطلب العلم ويهوى الشعر قارئاً ويعشق القلم ناثراً وشاعراً، يحضّر دراسته للدكتوراه عن قريبه الذي ارتقى الى مرتبة »المثل« موسى الزين شرارة (الشاعر الثائر في محيطه العاملي 1902 1986).
الاسم وحده علامة فارقة في تاريخ الادب السياسي لهذه المنطقة من لبنان، جبل عامل، التي كتب عليها أن تحمي »العروبة« بالدم، وأن تحمي الدم بالثقافة، وأن تحمي الثقافة بالنضال السياسي المفتوح… وهكذا فقد واجه العامليون العثمانيين والشهابيين وحملة ابراهيم باشا وأحمد باشا الجزار والفرنسيين والنظام الطائفي والإقطاع الديني والسياسي ثم المشروع الصهيوني في فلسطين قبل ان يتصدوا بصدورهم العارية للاحتلال الاسرائيلي.
موسى الزين شرارة: اسم يختصر الامكنة والازمنة، ويضيء الأفق والذاكرة الجماعية بنور الوعي المتقدم… ضمير الناس ولسان حالهم، شاعرهم ومؤنس جلساتهم، خطيبهم ورسام الكاريكاتور اللاذع الذي لا يسكت عن عيب، النافخ في البوق ليوقظ الغافلين والنائمين. ولانه »الضمير« فمن أدانه سقط، معنويا، ومن شهّر به كان عليه ان يهرب من الناس.
نستذكر، مع كتاب احسان، جلسات الانس التي كنا نحظى بها في مجلة »الاحد«، حين كان موسى الزين يأتي لزيارة صديقه الراحل رياض طه، فنلتف من حوله نسمع فننتشي ونتزود بشحنة جديدة من الامل ومن الذخيرة في مواجهة الطغيان والظلم من حيث أتى.
أما حين استضافنا في دارته ببنت جبيل، التي نسي ونسينا انه كان رئيساً لبلديتها فقد عدنا بديوان هجاء كامل شامل لكل الذين شرّفهم موسى الزين شرارة فخلدهم بنقده، وبغيره كانوا سيندثرون هباء.
إحسان شرارة اسم جديد يضاف الى السجل الذهبي لملايين المبدعين الذين يزدحمون في جبل عامل وكأنهم »الأمة« جميعا من محيطها الى الخليج.

الضابط الذي يعرف يرثي عهداً لم يكتمل

تقدم »الضابط« الى امتحان الكتابة فنجح، وأمكن »للسياسي« الكامن في وجدان »العسكري« طنوس معوض ان يعيد صياغة مراراته الشخصية لتنسجم مع رؤيته السياسية مبتدعاً بذلك اطاراً وجدانيا لائقا للمأساة العائلية السياسية التي تكاملت مع اغتيال رينيه معوض… وبالاغتيال انتهى »عهد« الرئيس الزغرتاوي الثاني الذي لم يمتد لاكثر من »18 يوما من عمر لبنان«، وذوى مع »رئيس ميثاق الطائف« الأمل بتجاوز »النظام القديم« بكل ما كان اللبنانيون قد تكبدوه من خسائر فادحة خلال دهر الحرب الاهلية التي ستشهد بعد الاغتيال الجولات الاكثر دموية والتي ستنتقل الى داخل كل طائفة بل وإلى داخل كل بيت في الحي الواحد.
يصعب اعتبار الصفحات المعدودة (160) تأريخا لهذا »العهد« الذي لم يكتب له ان يعمّر ليؤكد قدرته على الانجاز، وإن كان طنوس معوض قد كتب »المرثاة« الشخصية العائلية الوطنية بلغة شفافة تومئ وتوحي وتغمز وتلمز أكثر مما »تفضح« او »تشهّر« او تدين…
يبدأ طنوس معوض من البداية: من دار زعامة العائلة في زغرتا، »بلدة النساء الغاطسات جميعا في الاسود، او صقلية لبنان«، مازجاً بين حلمه الشخصي الذي تحقق بدخول المدرسة الحربية وحلمه الوطني الذي انطفأ في لحظة اكتماله بأن يصير رينيه معوض رئيساَ للجمهورية.
وبعد ان يقدم ما يشبه »سيرة ذاتية« لرينيه معوض، السياسي الهادئ الدمث واللطيف والودود والذكي والناجح جدا في نسج العلاقات مع الجميع، يروي طنوس، مثل صحافي نبيه، الوقائع بتحديد قاطع بدءا من فجر الاحد في الخامس من تشرين الثاني 1989 وحتى ظهر »اليوم الأخير« الاربعاء في 22 تشرين الثاني، ذكرى الاستقلال:
»في الثانية وعشر دقائق غادر الموكب السراي، وبعد دقيقة واحدة من انطلاقه دوى انفجار كبير في محاذاة ثانوية رمل الظريف لدى مرور الموكب بالقرب منها فقتل الرئيس وسبعة من مرافقيه… كان الرئيس اكمل الثلاثة والستين من العمر.
»… في هذا الوقت كنت أنا ما بين زغرتا وإهدن في طريق عودتي الى بيروت عن طريق البقاع، حين سمعت نبأ الاغتيال على الراديو فأحسست ان الكون توقف ولم اعد اعرف ماذا افعل…«.
لم يكتب هذا »العميد في الاحتياط في الجيش اللبناني« كل ما يعرف من معلومات، وهي خطيرة، عن هذا الاغتيال الذي يشكل نقطة تحول في تاريخ الدولة اللبنانية ما بعد الحرب الاهلية…
لا تنقص طنوس معوض الشجاعة، ولا المعلومات السرية، كما لا تنقصه القدرة على التحليل، خصوصاً انه عمل طويلاً في مجال الاتصالات والمعلومات والمخابرات، لكن »ما كل ما يعرف يقال«.
رحل »الرئيس الهادئ« الذي اراد ان يقود السفينة والعاصفة في ذروتها، ولم تفد الشبكة الواسعة لعلاقاته العربية والدولية في حمايته، ربما لان »القرار« كان بمثابة »قدر« لا راد له…
وليس من باب التعويض ان يقال اننا قد ربحنا كاتباً زغرتاوياً في السياسة، تحول توقيع كتابه الى »تظاهرة« تؤكد ان البلدة التي كانت تتشح بالسواد صارت مدينة »رئاسية« يغلب القراء وأصحاب الاقلام فيها على حملة البنادق قاتلة الاخوة.

من اقوال نسمة

قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
الغيرة تعبر عن ضعف الشخصية وعن افتقاد الثقة بالنفس، وهي آكلة الحب. اهتزاز الثقة بحبيبك لا يمكن ان يؤكد ثقتك بنفسك.
الحب يجعل الانسان جبّارا، والمحب اقوى من اهل الارض جميعا، فكيف يهزمه الوهم؟

Exit mobile version