طلال سلمان

هوامش

أملنا ينبع من يأس السلاطين

ليس أسهل من الاستسلام لليأس في ظل مناخ الهزيمة الذي يلفنا، من المحيط الى الخليج.
ومناخ الهزيمة ولادة للامراض جميعا: انعدام الثقة بالنفس، سيادة جو من الشك والتشكيك بالمقومات الأصلية للوجود، تستوي في ذلك الدولة ومؤسساتها، اهتزاز اليقين بالوطن والوطنية والتفتيش عن ملاجئ في أحضان الأوهام الطائفية او المذهبية مما يفتح الباب واسعا لرياح الحرب الأهلية.
وليس من سلاح فعال في يد العدو او الاعداء، أكثر من يأس الانسان من ذاته، من وطنه وأمته، واستسلامه للهزيمة وكأنها قدره المحتوم، لا يمكن تغييره فكيف برده.
مع اليأس تنقلب المفاهيم رأسا على عقب: تصير المقاومة انتحارا وتصير العروبة أثرا من الماضي يفضح تخلف صاحبه، وتصير الوطنية تعصبا ذميما لا مجال له في عصر العولمة ووحدانية السيد مقرر المصائر للأمم والشعوب وبالتالي لكل انسان.
أبرز مصادر الأمل عند المواطنين العرب، هو اليأس الشامل الذي يرزح تحته السلاطين العرب الذين اشتروا عروشهم بالتخاذل والهروب من المواجهة، بل وأحيانا بالانزلاق الى الصلح المنفرد مع العدو الاسرائيلي، فضلا عن انصياعهم الدائم للرغبات الأميركية.
لم يهبط علينا اليأس من الفراغ. انه نتيجة مباشرة لممارسات السلاطين البائسة على امتداد دهور حكمهم الطويلة. لكن الدروس المستفادة مهمة جدا في حاضرنا والأهم: في غدنا. بل لعلها ستكون هي مصدر الأمل.
ان أملنا ينبع من يأس السلاطين. واذا أخذنا الموضوع الفلسطيني مثالا فإننا نجد ان شعبنا في فلسطين قد استخلص ولو بثمن باهظ من دمه، دروسا خطيرة ستنفعه كثيرا وتنفعنا في غدنا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
انه نتيجة التجربة المكلفة، دما وزمانا ومالا. فقد سقطت نظرية المساومة والمناقصة عملا بمنطق القائلين ب»خذ قليلا وأعط كثيرا لتأخذ غدا أكثر«.
لقد سقطت نظرية: أفسد الجميع لتبقى كأنك الطاهر الوحيد، والوحيد القادر على محاسبة هؤلاء الذين كسرتهم واحدا واحدا بالمال الحرام والسلطة غير الشرعية واستعداء واحدهم على الآخر حتى تظل المرجع الوحيد القادر على التحكم بالجميع.
سقطت نظرية الكذب كأداة فعالة في خدمة الثورة. الثورة يصنعها المناضلون بحماية شرف النضال وكرامة الوطن واحترام الانسان.
كذلك سقطت مقولة ان مخادعة عدو جبار كإسرائيل تؤدي الى استعادة بعض فلسطين، وان هذا البعض سيؤدي الى استعادة الكل، وكأن من الممكن مخادعة كيان تخدمه العقول ومراكز المعلومات والدول الكبرى جميعا، كإسرائيل، وان اللعب على حبال الأنظمة يؤدي الى تسخيرها لخدمتك. في اللحظة الحاسمة تكتشف انها أفادت مما كان لك من سمعة ثم تركتك تواجه مصيرك وحيدا.
اذا فقد الثوري طهارته ودخل في لعبة الأنظمة فصار مثلها تحول الى تابع لها قطعا. هي أشطر منه وأمهر، ثم ان هذا الملعب ملعبها وهي من وضع قوانين اللعب وهي المتحكم والحكم.
إن للثوري مهابته وجلال موقفه ما دام محافظاً على طهارته ووهج ثورته.
انه يخيف السلاطين بزخم الارادة الشعبية التي يجسدها لا بالبنادق التي يحملها مهما تزايدت اعدادها. اما اذا شابهها او أخذ عنها فإنه ينتحر ويوفر عليها مهمة محاربته لاستئصاله.
أما اذا أخذنا النموذج العراقي كمثال فلا بد ان نتوقف بالتأمل والتدقيق أمام الوقائع الآتية:
نتيجة التجربة المكلفة سقطت مقولة او نظرية بناء الدولة القوية بمواطن مسحوق.
إن جورج. و. بوش يقاتل بالاميركيين (وحلفائهم) جميعا، على تعدد أصولهم وأعراقهم وألوانهم ومستوياتهم الاجتماعية… لأنه استنفر فيهم وطنيتهم كمواطنين احرار في مجتمع يبدو لهم ديمقراطيا، يعترف بالجميع، ونظام يعتبرونه ديمقراطيا لأن كل أمر يتم فيه بالنقاش المفتوح والتصويت الذي لا يهين ناخبيه بإلغائهم عبر اعتماد نسبة المئة في المئة نتيجة حتمية…
ثم إن قوة النظام تتبدى عبر التظاهرات المعترضة على سياسة الرئيس الذي ثبت شرعا انه يمثل أكثرية محترمة، لم يكن بين اسباب احترامها أنها ألغت معارضيها.
لا قوة للوطن الا بمواطن موفور الكرامة، ويا حبذا ايضا لو كان موفور الخبز.
ان المواطن المرعوب من حاكمه أكثر مما يرعبه عدوه القومي لا يمكن ان يقاتل بالكفاءة التي يختزنها فعلا، لأن وطنه ليس له. الهزيمة عليه والنصر لسلطانه. فلماذا يموت؟
كذلك فقد سقطت ادعاءات التعصب القومي التي تبرر الحروب على الأقليات القومية كالأكراد، او الأقليات الدينية، او الدول المجاورة كإيران التي جاءت بها الثورة الاسلامية إلينا فاستعدناها من اسرائيل لنشن عليها بعد تطهرها اطول حرب عسكرية في تاريخ هذه الأمة المهيضة الجناح بالانكسار امام اسرائيل ومن يدعمها، وأعظمها كلفة على الاطلاق.
(مقتطف من محاضرة ألقيت في جب جنين البقاع)

بعلمكم نودعكم
(في رثاء السيد حسن الأمين)
أصعب الكلام هو في من أو عمن يعرفه او يعرف عنه سامعوك مثلك او افضل مما تعرفه او تعرف عنه… ومن لا يعرف علامتنا الراحل السيد حسن الأمين؟!
من لم يعرفه بشخصه، مؤلفا موسوعيا، محاضرا، كاتبا، مبشرا، هاديا، محرضا على العلم والمزيد من العلم، على المعرفة والمزيد من المعرفة، عرفه بأثره النفيس الذي يشكل مكتبة كاملة.
فكيف ترثي موسوعة بكلمات، ودائرة معارف بنبذة سريعة، وكيف تشهد لمن كان المصدر والمرجع في الشهادات بالوطنية والعروبة والاسلام، فضلا عن الثقافة والأخطر: الشجاعة في اعلان الرأي متى استند الى الدقة العلمية، ولو صادما عواطف العامة وناقضا ما ثبت في أذهانهم وكأنه الصورة البهية لبعض رجالات تاريخهم؟!
ثم.. من أين تبدأ الحديث عن العلامة حسن الأمين، وهل يمكن ان تباشر الكلام عنه بغير ان تتوقف بتحية الاكبار والتقدير امام الدوحة العملاقة والمرجعية الوطنية القومية الدينية العظمى ممثلة بوالده وإمامنا جميعاً السيد محسن الأمين؟!
لقد أسعدني زماني بأن تتلمذت لفترة قصيرة ولكنها باقية بتأثيرها عليّ على واحد من ابناء دوحة العلماء الشعراء الأدباء الدارسين البحاثة المناضلين حتى من موقع السفراء هو السيد جعفر الأمين، الذي يدين بفضله جيل كامل من ابناء بلدتي شمسطار وجوارها ما بين زحلة ودير الاحمر وبعلبك، اذ لولاه لما تعلمنا فك الحرف ولما دخلنا رحاب المعرفة بل الحياة في هذا العصر البهي بمعارفه والصعب على الجاهلين ومعهم.
ولا يمكنني والحديث عن السيد حسن محسن الأمين أن اتجاوز ذكر هذا »المعلم« الذي علمني وأدبني وفتح عقلي وقلبي على الحياة والناس، اللغة والشعر، الفكرة والمبدأ: السيد جعفر محسن الأمين.
وما كنت اعرف أنني سأفيد من بعض ما علمني السيد جعفر، وكفى باسمه تعريفا، الذي تتلمذت عليه صغيرا، لغة وموقفا، لكي ارثي استاذنا الذي درسنا عليه جميعا وأخذنا عنه بعض وعينا بأنفسنا وبديننا وبهويتنا وبموقعنا الصحيح في التاريخ السيد حسن محسن الأمين.
واذا كان السيد محسن قد باشر، من موقع المرجع الديني، نشر رسالته في تحريرنا من وصمة الطائفية والكيانية والهجانة، ليعيدنا الى أفياء الانتماء الأصيل في احضان الأمة التي كانت خير من اخرج الى الناس، فإن السيد حسن قد اجتهد فأصاب في توكيد جدارتنا بهذا الانتماء بعد تطهيره من جهل العصبية ومن عنصرية الكيانية ومن ضياع المتعولمين من قبل ان تحتكر الولايات المتحدة الاميركية العولمة فتجعلها هيمنة مفردة على عالمنا الذي يتمثل غناه في تعدد مصادر الحضارة ومراكز التنوير فيه.
ولقد أكمل السيد حسن الأمين المسيرة لتثبيت موقع الدين بين مكونات الوطنية والقومية لا هو منفصل عنها ولا هو مخاصم لها او بديل منها.
ليس جديدا وليس كثيرا ان يقال ان السيد محسن الأمين بيت قائد ولد قادة فكر ورأي واجتهاد.
والسيد حسن الأمين الذي ولد في دمشق التي ترك فيها السيد محسن علامة فارقة، وعاش في بغداد وأحب القدس وحاور في القاهرة وأنتج في بيروت، كان اللبناني العربي العالم الديني السياسي الفكري الثقافي المتصالح مع نفسه: لا وطنيته تناقض قوميته، ولا دينه يناقض عروبته ولا إسلامه يناقض إنسانيته.
حيَّ على جبل عامل… أليس العلماء ورثة الانبياء؟!
تهويمات
قالت تعاتبه: الحب يحلم ولا يتوهم. لماذا تريدني ان أصدق دائما أننا وهمان قد تلاقيا بالمصادفة وسيفترقان بالقصد.
عندما دهمه الخريف ارتحل الى الشعر، وقال أهله انه قد جن، وأشفق عليه اصدقاؤه وهم يتمتمون شفاه الله… لكنهم حين فتحوا النوافذ لقلوبهم واطلقوا عيونهم تتعرف الى أسرار الجمال بألوانه المسحورة، عادوا اليه فاتخذوه إماما للعشق، ومدوا شعره جسرا الى أحبتهم الذين كانوا ينتظرونهم فوق الجفون.
امتدت شرفة العشق بلادا بعد بلاد حتى بلغت الصحراء فنصبت ارجوحتها للبدر الذي كان يتكاسل ويتباطأ في انجاز رحلته مع الحب عبر فيافي الليل المزدحم بالعشاق.
قال الذي فوق الشرفة: ما أقصر عمر الحلم!
قال الذي فوق الأرجوحة: ما أقصر المدى،
قال البدر: ما أقبح الثرثرة،
أما الليل فقد انهمك في اصطناع مزيد من شرفات الصمت لمراجيح عشاقه الثرثارين!
***
هتف له الليل: كلانا وحيد! فلنتسامر!
عجب لهذا الاكتشاف: كيف يكون الليل وحيدا بينما هو ارض اللقاء بين العشاق، ومستودع اسرارهم: إليه يتوجهون بنجواهم وشكواهم وعتابهم. فيه يعرفون انفسهم ويعترفون لأحبتهم بمواجعهم، يكشفون نقاط ضعفهم، ويغزلون أمامهم احلامهم ويفتحون في الفضاء كوى لقاماتهم التي تطول مع تعاظم ثقتهم بالنفس لأنهم وجدوا من يصدقهم ويؤمن بقدرتهم على خرق الصعب.
في الصباح اكتشف ان الشمس لا تعترف بالاحلام وانها تفضح عبر الظلال حجم القامات، بل وتتلاعب بها بحسب موقعها فتقزم من كان يتوهم ان رأسه مكلل بالغيم، وقد تمطّ ذلك الذي يفضل التحرك في الظل حتى يرى ولا يرى.
قالت له الشمس: هيا تحرك، ظلك لن يحميك مني!
ومشى الى لقاء الليل لكي يشكو ظلامته!

من أقوال نسمة
قال لي نسمة الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
الحب يستدر الكلام. قبل ان أعرف حبيبي كان اصدقائي يقولون انني عيي.. اليوم يعتبرونني ثرثارا، مع انني قد أبقى طوال اللقاءات التي تجمعنا صامتا. انهم يقرأون عيوني، او يقرأون أفكاري، او لعلهم يقرأون حضوري وكم يصير باهرا بوجود حبيبي.hj

Exit mobile version