طلال سلمان

هوامش

عن جورج بوش وأسامة بن لادن كشريكين!
… وفي يوم 11 أيلول 2002 أشرقت الشمس كالمعتاد، وفي موعدها بالضبط، وكأنها لم تعرف ان التاريخ قد انتهى وأنها لم تعد تستطيع ان تطل على هذا العالم من خارج نظامه الجديد، وبغير اذن اميركي مباشر.
ما زالت الشمس أبعد من مدى الصاروخ الاميركي.
ما زالت الارض تواصل دورانها حول الشمس. وما زال النهار الاميركي ليلا للآخرين الذين ينتظرون الليل الاميركي ليبدأ نهارهم الجديد.
***
لقد تبدل العالم حقا: أُسقط منه العرب، او انهم أسقطوا انفسهم منه. اختفى المئتان وخمسون مليونا من العرب العاربة والعرب المستعربة خلف صور معدودة لبعض سلاطينهم وبعض »المتمردين« على هؤلاء السلاطين.
أما العالم فقد حاصره جورج بوش بصور العربي (الاسلامي) البشع: اسامة بن لادن، صدام حسين، سلاطين السفه والضعة المتكبرين على رعاياهم والأذلاء امامه، هو »السيد«، فضلا عن الثوار المزيّفين ممن أدامهم في القيادة استنادهم الى الرهان على الايمان الاميركي بقيم الحرية!
***
في 11 ايلول 2002، قرر جورج بوش ان اعداء الانسان في هذا العالم الجديد محدودون ومحددون: شعب العراق، شعب فلسطين، كل مقاوم للمشروع الامبراطوري الاسرائيلي، سواء أكان بالسلاح ام بالصمود على ايمانه بحقه في ارضه، والذين لا يسلّمون بهيمنة الولايات المتحدة قدراً لا يرد.
***
في 11 ايلول 2002: اسرائيل هي البرج الاميركي الثالث الذي تتوجب حمايته من »الارهاب« العربي.
.. وأرييل شارون الاذكى من جورج بوش استبق الضربة المحتملة (؟) فنسف فلسطين كلها، بيوتها ومدارسها ودكاكينها، كنائسها ومساجدها والورش… ولأن كل فلسطيني مرشح لأن يكون »إرهابيا« يتولى نسف »البرج« فلا بأس من ان تشمل اعمال القتل اليومي كل الفتية بين سن 10 و60 سنة، وكل امرأة محجبة بغض النظر عن عمرها. ولأن الاشجار قد تحجب الرؤية فلتقطع. ولأن الارض تشد إليها أهلها، فلا بد من مصادرتها لتتسع للوعد الإلهي الذي اعطي للروس والاوكرانيين والبولونيين والأحباش والرومانيين ولم يأت على ذكر الفلسطينيين.
***
في 11 ايلول 2002: ليس اسهل من الخروج. ليس اسهل من التبعية. كل من اعلن التوبة اتسع له النظام العالمي الجديد. كل من دخل دار الايمان الاميركية فهو آمن.
***
ما الفرق بين جورج. و. بوش وأسامة بن لادن؟!
إنهما وجهان لصورة واحدة: كلاهما يكره الآخرين، يحتقر الحياة الانسانية، يتباهى بأن له بعض صفات الخالق، فهو يحيي ويميت. من قرر عليه العقاب أباده، ومن رضي عنه أنعم عليه بطول العمر والرزق الوفير.
جورج بوش هو »الابن المسخ« لنظام الرأسمالية المتوحشة، الذي يزيّن نفسه بحمايات ممتازة ذات واجهات براقة: الديموقراطية، التفوق الاقتصادي، التقدم العلمي الباهر، الهيمنة العسكرية التي لا تقبل منافسة الخ…
وأسامة بن لادن هو النموذج الرديء للإسلام السياسي، المغلق على ذاته، الذي يرفض الآخر ولا يقبل محاورته.
جورج بوش هو المسؤول الأوحد عن فسطاط الغرب وحضارته (ودينه)، يحدد عدوه ويقاتله حتى الابادة. أسامة هو وحده المسؤول عن الإيمان والمؤمنين. هو وحده من يحدد فسطاط الكفر ويقرر بشأنه الأحكام.. حتى الإبادة.
لعل عمليات تنظيم القاعدة الذي يقوده اسامة بن لادن قد أودت بحياة ألوف الأبرياء داخل الولايات المتحدة او خارجها، من البشر العاديين الذين يُقرر لهم ولا يقررون، ويعملون لغيرهم لكي يوفروا لأنفسهم فرصة حياة لائقة.
لكن العمليات العسكرية التي نفذتها ادارة جورج بوش قد قتلت من الابرياء في افغانستان (وخارجها) اكثر مما قتلت عمليات »القاعدة«.
***
أما أرييل شارون فقد قتل شعبا بكامله، وقتل قضية مقدسة، يقر بعدالتها الاميركيون انفسهم.
قدر العالم اميركي. قدر العرب إسرائيلي.
الصورة المقربة للنظام العالمي الجديد كما يقدمها للعرب: ارييل شارون.
يا لمحاسن الصدف: في الذكرى العشرين لمجازر صبرا وشاتيلا التي نظمها وأشرف عليها وظل يتابعها بالمنظار المكبر من على مبعدة امتار قليلة حتى اطمأن الى قتل اكثر من ألفي لاجئ فلسطيني، يقدم إلينا جورج بوش ارييل شارون بوصفه مصدر العدالة. انه القاضي الذي يقرر للآخرين حقوقهم وبينها حقهم في الحياة.
***
جورج و. بوش وأسامة بن لادن متشابهان.
فالنظام العالمي الجديد، كما قدمه جورج و. بوش هو أكثر الانظمة وحشية وتعسفا عبر التاريخ. انه ينكر الآخرين ويسقطهم من كل حساب.
كذلك فإن أسامة بن لادن هو النموذج الفذ »للثائر الضد«، المتخلف فكريا، التائه عن هدفه الصحيح، الدموي حتى حين لا يكون للدم ضرورة. وهو يستعدي المسلمين قبل المختلفين في الدين عنهم.
ان الاثنين يتكاملان في تقديم النموذج الكامل للغلط السياسي الناجم عن قصور فكري وتخلف ثقافي.
* * *
اي تاريخ جديد يعدنا به جورج بوش؟!
انه لا يكاد يختلف عن التاريخ الجديد الذي كان يعمل له أسامة بن لادن.
لا تاريخ خارج احترام الانسان وحقوقه.
* * *
ثوار بن لادن ليسوا متخلفين.
اي متخلف هو هذا الذي خطط كل هذا التخطيط الدقيق، ونفذ من دون خطأ تقريباً خطة لم تستطع كشفها او منع تنفيذها أعتى أجهزة المخابرات، المزودة بأعظم نتاج العقل البشري في التجسس وضبط التخابر وقراءة النوايا في العالم؟!
هذا الملتحي، المسلح بإيمانه الغيبي، وبوعد الجنة بعد القضاء على الكفر، قرأ الخرائط المعقدة، وتعلم الطيران في مدة قياسية، وحفظ المجلدات ذات التعابير التقنية المعقدة ورموز التخاطب التي لا حدود لها، وأصاب أهدافه بدقة لا تتوافر الا لمن أمضى عمره في التدريب.
لقد حقق غرضه بالتنظيم، بأحدث مبتكرات العصر التي سخرها لتحقيق هدفه: الكومبيوتر، الانترنت، ثم الانضباط الحديدي بقوة الايمان وحدها.
جورج بوش وأسامة بن لادن: كلاهما شارك في تغيير العالم.
كلاهما شريكان في صنع عالم جديد لا مكان للإنسان فيه.
* * *
هو الحزن يتبقى بعد السقوط في اختيار الهدف الصحيح:
لقد هرب هؤلاء الشباب وأمثالهم من النضال الحق من أجل تغيير جدي في بلادهم الى عملية وهمية افترضوا انهم بها سيغيرون العالم.. ولقد غيروه بصورة عكسية تماما اذ مكنوا للأقوى الذي أرادوا، بسذاجة مطلقة، تدميره ان يلغي الشعوب المقهورة، وأن يشطب الوعد بالعدالة والديمقراطية وحقوق الانسان في كل الارض، بل وأن ينقص جرعة الديمقراطية داخل بلاده.
* * *
في 11 أيلول 2002: ما زال الظلم هو الظلم، ما زال الغلط هو الغلط! ألا يشبه تشيني ورامسفيلد ورايس أبو حمزة المصري وأبو قتادة وأيمن الظواهري وغيث الكويتي؟!

حب تحت المطر..
على غير توقع اكفهر وجه السماء الصيفية وتجمعت غيوم خفيفة متناثرة فتكاثفت قبل ان تعتصرها ريح باردة فتنهمر مطرا غزيرا، في تلك الامسية التي كان قد تم اختيارها بعناية فائقة، وبعد مراجعة الارصاد الجوية، موعدا للعرس الذي كانت تفاصيله موضع نقاش طويل حتى يكون الابقى ذكرا بين الاعراس بوصفه »الأبهى« و»الاجمل« فضلا عن انه »الاغنى«.
اختير المكان بعيدا عن زحمة المدينة، وعن الفنادق المفتوحة لأي عابر سبيل: منتجع أنيق، رشيق، جديد حتى إن أحدا لم يستخدم كراسيه بعد، وحديقته تتسع للألفي مدعو، ثم إن في جنباته خمائل لمن يحب ان يكون »وحده« في قلب الزحام!
مع القطرات الاولى، ظن الجمع المزدحم من حول المقصف انها غيمة عابرة، وبضع قطرات لن تؤذي الصدور العارية ولن تفسد الفساتين المشقوقة بامتداد الساقين حتى الاوراك، ولن تبعثر الشعر المرفوع او المسبوك في تسريحات مكلفة، وجلسات التجميل التي استهلكت ساعات العصر حتى الغياب.
لكن المطر استمر ينهمر غزيرا لمدة جاوزت التوقع.. ولم تنفع محاولات الاحتماء في ظل الازواج، او الى جانب الجدران البعيدة، او تحت المظلات التي أتى بها الخدم سريعا وظلت أقل من حاجة الحشد الى التلطي لاتقاء البلل.
.. وحتى العشق أصابه الزكام!
عندما توقف انهمار المطر، اخيرا، كان العريس قد ثمل تماما، وكانت ردة الفعل العصبية عند العروس انها انفجرت في وصلة ضحك متواصل… وهكذا أطلا على الحشد المبلل وكأنهما قادمان من قلب شريط سينمائي كوميدي يحمل عنوان »الحب تحت المطر«.. وانتقلت عدوى الضحك والانشراح الى المدعوين فازدادوا عنادا بأن يكملوا الاحتفال بثيابهم المبللة للتدليل على أنهم أقوى من العاصفة… والاثواب الملتصقة بالجسد مثيرة لشهوة من ذهبت الايام بقدرته على الالتهام.
اخترق العريسان الحشد راقصين على إيقاع طبول الزفة… واستمرا يرقصان حتى تباعدت الغيوم الصيفية وعادت تتناثر وكأنها ضباب عصفت به شمس صيف، في حين استقرت النجوم في مواقعها واستأنفت بث التماعاتها الوسنى لإنعاش السامرين. واستعاد العشاق رغبتهم في العناق..
شيئا فشيئا، نزع الوجهاء والأنيقات عن الرؤوس أغطية الكراسي التي كانوا تلفعوا بها فبدوا كأنهم في حفلة تنكرية، واستعادوا أسماءهم والوقار.
تفجر الأفق بالضياء الملون، فهلع أصحاب القلوب الضعيفة والذكريات السوداء ثم لما اطمأنوا الى انها مجرد ألعاب نارية هدأ روعهم وارتفعت أعناقهم تتابع مهرجان الضوء واللون، بينما انهمك البخلاء منهم في تقدير الكلفة اللازمة لإشعال السماء.
أما العشاق فاستمروا في غيابهم اللذيذ..
شرب القوم كثيرا، وأكلوا كثيرا، ورقصوا كثيرا، وثرثروا طويلا.. حتى تعب منهم الليل وتعبت منهم الغيبة، وتعب منهم العروسان فاختفيا في قلب النشوة يكملان شريطهما المتميز الذي أعطاه المطر الصيفي نكهة لن تتوافر لغيرهما أبدا.

حكايات مبتورة
لا ينفع الاعتذار في لأم جراح القدح المكسور. وبينما اهتم صاحبه بلملمة شظاياه جاءه همس التظلم: لماذا؟! لا أنت ثمل، ولا أنا فرح بالماء الذي شوّه سمعتي.
صار الهواء ثقيل الوطأة فوق شرفة العشق التي امتلأت بشظايا الموعد المهدد بالضياع. وتدخلت صحراء الوجد بنغمها الحزين لتعيد الى الشرفة شيئا من الصفاء، فغنت: »تكسر جناحي ليه، يا بابا، يا الما ردتني؟!«.
وكان السؤال جوابا.
* * *
عندما طال بهما الانتظار قالت الصبية الممتلئة خوفا من السقوط سهوا تحت عجلة الزمن: لن انتظرهما أكثر مما انتظرت… لعلهما في الداخل ونحن لا نرى. ثم ماذا لو رأينا ظلال الصورة ولم ندخل دائرة الفعل. ستتعاظم حسرتنا.. سأدخل أحلامي لأنام في قلبها.
قالت اختها التي سكنت اليأس: سأبقى هنا. التخيل أجمل من الاحلام. سأستبدل نفسي بها، هذه التي فوق. سأنزلها الى تحت وسأصعد حتى الارتطام بالنجوم. هنيئا لمن ظللته نجمة صبح.
* * *
قال الرجل الذي لا يعرف كيف يعطي: خذيني.. أنا لك!
قالت المرأة التي لا تعرف كيف تأخذ: علمتني جدتي الحساب.. قالت ان رجلا وامرأة هما كل الدنيا، لكن الواحد منهما ليس نصفها. كلانا يبحث عن الاكتمال بنصف تائه.. والارض كروية، فلننتظر دورة اخرى… لننتظر شمسا جديدة، لعل كلاً منا يجد نصفه الثاني.

من أقوال نسمة
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
.. ويسألونك عن الحب! الحب جواب. انه يرد على كل من يبحث عن أسباب للوجود وعن قيمة الحياة. انه يمنحك المعنى. قبله تكون مجرد مخلوق من مليارات، وبه تصير بعض فرح الدنيا، ويصير الليل ضفيرتين لقمر.

Exit mobile version