طلال سلمان

هوامش

ورثة »المركز«.. ودور بيروت المهدد بإعلام الطوائف
ضرب الزلزال »المركز« قبل ربع قرن او يزيد قليلا، فتصدع، ثم توالت »الهزات« حتى سقط »المركز« تماما، وكان سقوطه عظيما: تهاوت عمارة القاهرة العالية التي كانت تشكل مصدر القرار في السياسة والمنارة في الثقافة بإبداعاتها المختلفة كما في الفنون موسيقى وغناءً ورسما ونحتا ورقصا ومسرحا وسينما ودمى للأطفال.
مع سقوط »المركز« دار »القرار« على مختلف العواصم فتهرّب من أعبائه الجميع: تلك مسؤولية مكلفة لا يطيق ان يتحملها وينهض بها الا عظيم الايمان بأمته وبوطنه والمستعد للتضحية بما يؤهله لشرف المهمة.
على ان »الضواحي« سرعان ما تسابقت الى »وراثة« الاعلام والرايات والمظاهر الخارجية التي كانت تميز »المركز«، وهكذا توزعت تركة »المرحوم« على مجموعة من »الورثة« بعضهم »الشرعي« من موقع البنوة وبعضهم الدعيّ من موقع المريض بعقدة العظمة، وبعض ثالث بقوة الذهب كأنما يعوّض الذهب الحضارة.
وهكذا تناطحت عواصم وتباطحت مدن على ادعاء مواقع او ألقاب شرف لم تكن لها ولا كان يمكن ان تؤول إليها لو استمرت القاهرة في موقعها من القلب العربي، وكان اللافت ان بعض المدن التي استولدها رخاء النفط في الخليج قد سبقت العواصم ذات العبق التاريخي والتراث العريق الى تصدر مسيرة »التقدم« العربية، باعتبار ان الماضي قد مضى، وأن المجد التليد في سابق العصر والاوان ليس مؤهلا جديا للعبور الى المستقبل.
سعت ابو ظبي الى موقع »العاصمة الثقافية العربية«، فأقيمت فيها مراكز الدراسات ومعاهد الابحاث اضافة الى المجمع الثقافي والمؤسسات الاعلامية.
وتربعت مدينة دبي على عرش المعلوماتية وتفرعاتها، فضلا عن التجارة، وجهزها حاكمها لتكون عاصمة الاعلان وراعية الصحافة العربية التي أفقدتها السيطرة الحكومية على معظم مؤسساتها وهجها ودورها الريادي.
وقفزت الدوحة الى الصدارة عبر فضائيتها التي استطاعت ان تحتل مساحة واسعة من الفراغ الاعلامي المزدحم بصور السلاطين.
بالمقابل تمكنت السعودية من ان تحتكر الى حد كبير ما يمكن تسميته »الاعلام الخارجي«، صحفا وفضائيات لها حضور »عالمي«.
ليس ذلك كله خطأ.. فمما يسعد اي عربي، ان تتعدد في دنياه التائهة عن ذاتها مراكز التوجيه والرعاية والانتاج الادبي والفني، في ظل إفلاس المشاريع السياسية وتهاوي الاحلام القومية. ثم إن من حق اي »دولة«، وأي عاصمة او مدينة عربية أن تبحث لنفسها عن دور وعن »وظيفة« تؤكد »حضورها« وتأثيرها، وتشعل ليلها بالافراح والسهرات الملاح وتوفر لنهاراتها الطويلة مادة للتسلية بأخبار الذين كانوا كبارا فصغروا، او كانوا لا يُطالون فحط بهم الدهر وهانوا على بلادهم فنزلوا من مرتبة »الخالدين« الى مستوى الموظفين تطاردهم لعنة الارتزاق.
أما بيروت التي كانت مميزة ومتميزة باستمرار، فقد وقع على كاهلها أخطر ما في أدوار »المركز« من تبعات، اذ هي كانت وما تزال »المركز الظل« بحيوية أهلها وروحها المشاغبة والطبيعة المغامرة لناسها، بمن فيهم اولئك الذين جاؤوها لاجئين فأمنتهم، او جاؤوها بنتاجهم فنشرته وعممته، من دون ان تسائلهم او تدقق في أغراضهم، فليس من شيم »المضيف« ان يقوم بدور »الرقيب«… ثم إنها مدينة مفتوحة ومعولمة من قبل ان تعمم تقاليد العولمة بالامر الاميركي الصريح.
* * *
في هذا السياق تتوجب مناقشة دور الاعلام، لا سيما المرئي والمسموع، أخذا بالاعتبار ان بيروت تبقى حتى إشعار آخر العاصمة البديل للثقافة والفن والاعلام في الوطن العربي، خصوصا ان حبل السرة موصول مع القاهرة لم ينقطع.
وبغض النظر عن الفضائح التي رافقت »اغتيال« تلفزيون لبنان، بتفريغه من كادراته وخبراته وأرشيفه بداية، ثم بتسخيره لخدمة اغراض شخصية لبعض حكامه، وبعد ذلك بإقفاله كليا وتشريد العاملين فيه ثم اعادة فتحه لتمكين بيعه لمن يرغب بشرائه،
وبغض النظر عن الصفقات المريبة التي سبقت ثم رافقت إقرار القانون الخاص بتنظيم الاعلام المرئي والمسموع في لبنان،
.. فإن النتيجة العملية أن محطات التلفزيون قد تم توزيعها كأنصبة على الطوائف او النافذين في الطوائف والمذاهب، وفيهم كثير ممن استولدتهم الحرب الاهلية و»السلطة« التي جاءت ثمرة لنتائج هذه الحرب بجولاتها العديدة وشعاراتها المتحولة بحسب تقلبات الريح.
مرة اخرى تحولت الطائفية الى استثمار ناجح، في الاقتصاد كما في السياسة، واستطرادا في الاعلام.
ومرة اخرى جاء المال الوافد الى المجال الاستثماري الجديد، خصوصا ان الكفاءات اللبنانية أكدت نجاحها: من القانون المطواع، الى الحماية اللازمة، الى الكادرات المهنية الكفوءة، وصولا الى ارتفاع نسبة الجمال والاناقة عند الصبايا اللبنانيات ومعه ارتفاع في معدلات الروح الرياضية وانخفاض في مساحة الاثواب المشوّهة لنعم الله وإبداعاته في مخلوقاته.
يمكن ان تتسع دائرة النقاش طويلا حول دور الاعلام اللبناني عربيا، والفرص التي خسرها (او ربحها مادياً على حساب الدور والمستوى)… لكن اللوثة الطائفية التي تدمغ بعض المحطات في اخبارها وبرامجها السياسية أساسا، لا تسيء الى صورة لبنان فحسب، بل هي تقفل الباب أمام دور ريادي متاح، أثبت اللبنانيون انهم الاكثر اهلية من بين اخوانهم العرب للقيام به.
ذلك ان عرب الاقاليم الذين »تحرروا« من »هيمنة« المركز، باتوا يعطون الافضلية في التوظيف للآتين من خارج دائرة المركز… وللبنانيين (واللبنانيات) موقع الصدارة، وبعدهم يجيء ابناء المغرب العربي والسودان وسوريا، خصوصا بعدما حلت اللعنة على الفلسطينيين.
والمفارقات أكثر من ان تحصى، هنا: فالكادر اللبناني (او اللبنانية) يحظى برعاية عربية ويقدم على اخوانه، بغض النظر عن انتمائه الديني او الطائفي، بينما المحطة اللبنانية تقدم صورة بشعة عن طوائفية اللبنانيين وعن أحقادهم المتبادلة التي تجعلهم دائما على شفا الحرب الاهلية… بل وكادت تشطح مزايدة او مناقصة فتنضح بعدائية واضحة للعرب والعروبة.
ثم إن اللبناني (او اللبنانية) يقدم نموذجا طيبا للكادر الفني المتمكن، المثقف نسبيا، »العربي« في مواقفه، في حين ان بعض المحطات التلفزيونية اللبنانية تقدم في بعض برامجها السياسية والترفيهية نماذج رديئة، سياسيا وفي مستواها، كما تفسح في المجال لمناخات معادية للعرب والعروبة تكاد توصلها الى حدود »التعاطف« مع العدو الاسرائيلي، ولو عبر الانصياع للهيمنة الاميركية.
ان اللوثة الطائفية مدمرة في الداخل، كما على المستوى العربي.
ولا تهدد هذه اللوثة لبنان في دوره العربي فحسب، بل انها ضمن المناخ السائد الآن في ظل العاصفة الاميركية الاسرائيلية باتت مصدر خطر جدي على وحدة العديد من الاقطار العربية وسلامها الاهلي.
وفي انتظار عودة »المركز« الى وعيه، تبقى بيروت هي الاكثر أهلية لأن تعوض بعض غيابه، اذا انتبهت »قياداتها« الكثيرة الى خطر الانحراف بالاعلام عن رسالته المفترضة.

مطر اسباني للزهو العربي
لم تكن المقدمات مشجعة، فانطوى الفتى المحاصر بمجموعة من »آبائه«، على هاتفه الخلوي يبث نجواه للمعشوق خلف البحار، بينما انصرف »الآباء« الى التلصص على النساء المزدحمات على الطاولات الاخرى.
الى يسارهم، مقابل المدخل تماما، انحشر عازف الاورغ مع آلته، والى جانبه فوق الكرسي العالي جلست المغنية التي تحاول ان تغطي بابتسامة الرضى والشال المزركش سمنتها، والتي ستثبت حين تدق ساعة الرقص انها لا تقل رشاقة عن النحيفات الآتيات من البعيد، واللواتي تشكل النحافة بطاقة انتساب الى مهنتهن الممتعة الصعوبة.
في البدء كانت اغاني الشجن المثقلة بالرومانسية الفرنسية مع انعطافة ايطالية شجية تمهد لانبثاق الفرح الاسباني.
عندما اطمأنت المغنية الى ان زبائن الليل قد دخلوا مع الشراب الى بعض النشوة، أطلقت صوتها بما يشبه الحداء، ربما لتنبيه الغافلين او لتوحيد المناخ بين هؤلاء المتوافدين من عوالم مختلفة طلبا لمتعة النسيان.
شد الحداء »الضيوف الاسبان« الى الحلبة الضيقة التي جعلتها النشوة فسيحة بحيث اتسعت لأنهار من الرغبة، وعبّرت الاجساد عن توقها للانفلات بالحركة الرشيقة للأقدام القادرة على ابتداع لغة اضافية للرغبات المجسمة في ذلك الهتاف المحرف عن العربية في ما يقال : »أولي«!
زاغت الابصار وهي تدور بين الظهور العارية والصدور الناهدة والاعناق المشدودة دائما الى فوق، في حين انفلتت الايدي ترسم في الهواء ما لا يقال.
اندست المغنية بين الراقصين مستدرجة المزيد من زبائن الليل الى تلك الحلبة المزدحمة بالعواطف والغرائز والرغبات والاقدام المنهمكة في اصطناع فرح الليل…
لم ينفع تحريض »الآباء« العاجزين في دفع الفتى الى الحلبة. هو يعرف هذه اللعبة ولا يحبها. انهم يريدون ان »يتصيدوا« على شبابه.. ولكنه »صياد« أمهر وأقدر، ولذا فهو يفضل ان يختار »طريدته«. انه ابن زمن آخر، فليعيشوا زمنهم تاركين له زمنه وأهل زمنه.
انهمر المطر الاسباني غزيرا فسبح الجميع في بحر النغم الذي يستدرج بصيحات الزهو الرجالية اعتزاز النساء بأنوثتهن الطاغية الى حد التحدي.
وحين انصرف »الآباء« مثقلين بما طعموا، لم يجدوا ما يتباهون به الا الأثر العربي الواضح في هذا الاعتداد الاسباني بالنفس.. والطاقة الجنسية!

تهويمات
* لم تقولي لي إن الصحراء تقع خلف عينيك مباشرة، ولكنني قلت لك إن الجبل يقع تحت جبهتي مباشرة.
بقي ان نعرف من أين يطل قمر البحر.
* ليس بين الناس من لا يعشق ذاته.
ميزة النساء انهن يعترفن بهذا التفوق!
* قال الرجل: اتعبني الحب!
قالت المرأة: سأجعل الحب يعترف انني اتعبته!
قال الحب: الى متى سيكون عليّ أن اتحمل هذين المجنونين!
وقال الجنون: أكلما اقدم البشر على تصرف أخرق نسبوا أنفسهم أو نسبهم ضحاياهم الي!
* لا اذكر لون عينيك! كلما حدقت فيهما لم أر غير أشجار التفاح!
* لم أعد أعرف وجهي الا اذا نظرته في عينيك.
لم أعد أعرف يدي إلا من رائحتك فيها!
* الحب المبالغة! هل قلت إنك نساء الأرض جميعاً؟! هذا غير صحيح.
أنت… ثم النساء جميعاً!
* جاء في الظل يسألني عن صاحبه، فلما وجدني بلا ظل اصطفاني لأؤنسه!

من أقوال نسمة
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
حين يغضب حبيبي ويهم بمعاقبتي ينتبه الى انه إنما يعاقب نفسه، فينعطف علي ويعطيني أكثر فأعطيه أكثر.
ما بين المحبين حساب، وليس للحب ميزان. الحب هو الحياة، من أفسده او أضاعه او أساء إليه خسر عمره.

Exit mobile version