طلال سلمان

هوامش

كلام سياسي في الرياضة: صراع بأقدام الغير على أرضنا…

لن تعوّض أقدامنا ما ضيعته الرؤوس!
وبالتالي فلن يكون لنا موقع في مهرجان كأس العالم لكرة القدم طالما أنه ليس لنا موقع في العالم، لا في السياسة ولا في الاقتصاد، لا في الثقافة ولا في مجال الابتكار العلمي.
»المونديال« فرصة اخرى لاكتشاف حقيقة مرّة: العرب »طارئون« على أي مباريات جدية، بدءا من ثورة الاتصالات والمواصلات مرورا باستخدام الطاقة النووية لأغراض التنمية، وصولا الى مسابقات ملكات الجمال وانتهاء بحسن التواصل والتنسيق بين خلايا الدماغ وعضلات الساقين! يبدو كأن سوس التخلف ضربنا من قمة الرأس حتى اخمص القدم!
لقد أخرجنا أنفسنا من اي سباق، ونبذنا العالم كالبعير الأجرب، والاخطر: اننا بتنا نفتقد في انفسنا الاهلية للفوز او حتى للمشاركة في اي مباراة من اي نوع.
المأساة اننا لا نستطيع التسليم بهذا التصنيف لأننا ما زلنا على ثقة من اننا من حيث المبدأ قادرون، لكن »ظروفنا« تلغي او تضعف قدراتنا، و»ظروفنا« اقوى من قدرتنا على تغييرها، فيصبح العجز وكأنه قدر، وتتحول الثقة بالنفس الى شعور متأصل بالظلم وإلى حسرة كسيحة تشل حركتنا وتحبسنا داخلها.
لكأنما »الامة« قد شاخت وهي كما شاعرها ابو فراس الحمداني لم تمتع بالشباب!
لكأن »الامة« قد انتقلت فجأة وتحت ضغط قوة قاهرة من صدر شبابها الى كهف شيخوخة مبكرة، تقعدها بعيدا عن آمالها، وتعجزها عن قدرتها على الفعل، ويثقلها الشعور المكثف بالمهانة وهي تكتشف في كل لحظة ان مصيرها ليس في يدها.
على هامش جلسات الاستمتاع بمباريات الاقوياء في »المونديال«، كان سلاطين انظمة العجز العربية يعيشون لحظات من القلق المضني في انتظار ان يسمعوا من جورج بوش قراره حول مستقبلهم على ارضهم، وحول مصائر شعوبهم والحكام، يستوي في ذلك ما يتصل بفلسطين او العراق او السودان او الصومال… او ما يدبر لسوريا ولبنان ومن ثم لسوريا فيه وعبره.
كانوا، ولعلهم ما زالوا، يقعون على أقفيتهم ويتنقلون بين محطة فضائية وأخرى: يطمئنون على فوز الفريق الاجنبي الذي يناصرون، ثم يحاولون الاطمئنان الى ان اسماءهم ليست على قائمة الاعدام الاميركية، وأن العفو الرئاسي قد شملهم فاستبقاهم في دائرة الرضا، بعدما تعهدوا بتسليم »العصاة« من رعاياهم، والكرم مع اسرائيل بالارض التي تحتاج ضمانا لرخائها ومن ثم أمنها، خصوصا ان امنها قد بات مصدر امنهم جميعا!
***
لن تعوّض اقدامنا ما ضيعته رؤوسنا.. فكيف بالأقدام المستأجرة، وكيف بالحكام الممكنة رشوتهم في مباريات مغلقة ومع فرق ضعيفة وليس في »المونديال« حيث كل الاقوياء في السياسة وفي الاقتصاد حاضرون ومتنبهون خصوصا للمشتبه بهم من »الطارئين« على السباق بين المميزين؟!
ربما لهذا جاءتنا الفضيحة مدوية: فأغلى فريق في العالم كلفة، وهو عربي »ملكي« مؤصل، تحول وجوده في مباريات كأس العالم الى سبب للتندّر على هؤلاء البدو الطامحين الى اقتحام الدائرة المغلقة لاصحاب الاقدام البيضاء المتحضرة!
في الرياضة، كما في اي مجال مفتوح للمنافسة، ثمة رابحون وخاسرون، لكن الحال مع العرب مختلفة، فخسارتهم المتوقعة في الكرة كانت ثقيلة الوطأة بأكثر مما نطيق، والأخطر انها »جسمت« فضائحنا السياسية واضافت اليها رصيدا رياضيا محترما، حتى تحولنا الى مضرب مثل في نقص الكفاءة وسوء التقدير وانعدام الخطة، فاذا ما صدمتنا قوة الفريق الآخر جاء انهيارنا ساحقا ماحقا في الرياضة كما في السياسة، كما في الحرب!
هل السر في شهر حزيران المثقل بالهزائم العربية؟
***
لا مجال للادعاء ان انهماكاتنا الاخرى قد شغلتنا عن الرياضة، او اننا بطبعنا فرديون ليست لنا تقاليد العمل الجماعي (روح الفريق)، فلم نعد نسمع مثلا عن سبّاح عربي ممتاز، عن عدّاء عربي ممتاز، عن ملاكم ممتاز، اما الفرق فحدث عن فضائحها ولا حرج.
ومع ان سلاطيننا شجعوا الرياضة ودفعوا لانشطتها المختلفة بسخاء (الملاعب، الفرق، المدربين، المباريات ذات الطابع الدولي الخ) الا ان هدفهم المعلن كان ان ينصرف الشباب عن السياسة فيتركوها لهم بكل متاعبها، وان ينشغلوا حتى يدوخوا بين »الاحمر« و»الابيض«، و»الاخضر« و»الاصفر«، فتنشأ احزاب متحاقدة بديلة من الانحيازات السياسية او مموهة للتعصب الطائفي والمذهبي بالشعار الرياضي. وفي لبنان يكاد يلخص اسم النادي او علمه طائفة جمهوره ومذهب راعيه، وكثيرا ما هددت المباريات الفاصلة بتجديد الحرب الاهلية.. وفي مصر تضطر الدولة الى اعلان حالة الطوارئ كلما جاء موعد المباراة السنوية الحاسمة بين »الأهلي« و»الزمالك«.
وتبقى بعض الملاحظات السريعة:
في بلادنا تصبح الملاعب المجال الوحيد المفتوح للتعبير عن الرأي، ولو بالصراخ تهليلا او احتجاجا.
هناك ترابط واضح بين درجة التقدم في المجتمع وبين الاتقان. فالمحاسبة على الصغير والخطير من الامور تحتاج الى مؤسسات تتابع وتراقب وتكشف الخطأ وتضع الحقائق امام الناس ليحكموا ويحاسبوا.
ما زلنا نعاني نقصا خطيرا في الروح الجماعية. ما زلنا فرديين، بل لعلنا في غياب المؤسسات الجامعة (الاحزاب، النقابات، التنظيمات الشعبية، الجمعيات) فضلا عن الدولة، قد غدونا الآن اكثر فردية مما كنا قبل خمسين عاما وأكثر..
النجاح قرار. وفي »المونديال« دول لم يكن لها شأن بكرة القدم، ولكنها قررت وعملت ودربت ورعت الفريق الوطني فإذا به »يخترق« ويحقق نجاحات ممتازة، ويشطب فرقا دولية كانت تعتبر وكأنها صاحبة الحق الشرعي الثابت بالفوز الدائم.
المونديال مناسبة اخرى لنكتشف ان العيب في الرؤوس يعكس نفسه على الاقدام ايضا!

جورج جبور: »حلف الفضول« وحقوق الإنسان
جورج جبور لا يتعب، لا يكل ولا يمل وهو يبحث ويتابع ويتحرك ويحاول تحريك من يعنيهم الامر للتنبه الى ما لا يجوز اهماله من حقوق الإنسان العربي او انجازاته الحضارية عبر التاريخ.
جديد جورج جبور كتاب يتضمن »ثلاث مبادرات من اجل حقوق حضارة العرب والمسلمين«. المبادرة الاولى اتخذت شكل »رسالة الى قداسة البابا« حول ضرورة الاعتذار عن الحروب الصليبية، والثانية عبارة عن مطلب توجه به الى الأمين العام للأمم المتحدة مطالبا بتعطيل دوائرها في مناسبتي عيد الفطر وعيد الاضحى، احتراما للعرب والمسلمين وهم كثرة في الجمعية العامة، اما المبادرة الثالثة فهي كشف مهم عن »حلف الفضول« باعتباره اول اعلان مكتمل لحقوق الانسان.
وجورج جبور الذي عرفناه باحثا مميزا وناشطا في مكتب الدراسات الخاص برئاسة الجمهورية في سوريا، وكاتبا ومشاركا متميزا في كل حوار فكري ثقافي يتناول الحضارة ودور العرب والمسلمين فيها، ناضل طويلا وما زال يناضل من اجل الاضاءة على هذا الدور، حتى في اواخر ايام الجاهلية وصدر الاسلام، ومن هنا كان تركيزه على »حلف الفضول« بمراسلات شملت كل المراجع المعنية بحقوق الانسان.
يسأل جورج جبور، في تقديمه عن »حلف الفضول«: هل يستطيع العرب إقناع المنظمات الدولية بالاحتفال بالذكرى الاربعمئة بعد الالف ل »حلف الفضول« لدى الاحتفال بالذكرى الخمسين لاعلان حقوق الانسان (سنة 1999)؟!
ما »حلف الفضول«؟
يروي جورج جبور، مستعينا بكتب التراث حكاية هذا الحلف الذي لم ينل حقه من الاهتمام ابدا:
ذات يوم، أواخر القرن السادس الميلادي، عام 590 او 595 او بعدهما بقليل او قبلهما بقليل او بينهما، أتى مكة رجل من زبيد في اليمن، فأعطى بضاعته لرجل من بني سهم في مكة، إلا أن المكي لم يدفع الثمن لليمني، بل أخذ يماطله. ضاق اليمني ذرعا بالمماطلة فصعد جبل أبي قبيس واستغاث بفضلاء مكة. اجتمع اليه نفر من فضلاء مكة، فسمعوا قصته، وتأثروا بها. فذهبوا الى التاجر المكي، وأجبروه على اداء ثمن البضاعة التي اعطاها له اليمني. ثم رأى هؤلاء الفضلاء ان يجتمعوا ثانية في دار عبد الله بن جدعان، أحد شرفاء مكة ومعمريها، فتعاهدوا ألا يدعوا ببطن مكة مظلوما من أهلها او من سائر الناس إلا كانوا معه على ظالمه حتى ترد مظلمته. ودعي ذلك الحلف حلف الفضول. ووصفه في وقت لاحق محمد بن عمر بن الخطاب بأنه كان اشرف حلف قط. وفي قولة محمد بن عمر هذه إشارة الى حلفين قبليين كانا قبله هما حلف الأحلاف وحلف المطيبين. كأن حلف الفضول أتى تتويجا يتجاوز القبلية الى الانسانية. ألم ينص الحلف على ان عاقديه مع المظلوم سواء كان من أهل مكة ام من غيرهم من الناس؟ حلف جاهلي، إذاً، حلف الفضول، إلا أنه حظي بمباركة اسلامية لاحقة، شهده محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) فقال بعد ان أرسله الله تعالى بالدعوة: »شهدت مع أعمامي في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو أنني دعيت بمثله في الإسلام لأجبت«.
مؤلم ان نطالب بتطبيق »حلف الفضول« بين العرب وعليهم اولا، ثم نسعى لاعتماده من طرف الغير!
تهويمات
تحلق البدو حول بؤرة النار. سرت الألفة واخترقت الخواطر الظلال المتراقصة، فأعاد كلٌ رواية حكايته مع الاحتراق. اضاف واحدهم فصولا من التواصل لم ينجح في اتمامها، وحذف آخر ما رأى في تعميمه حرجا. ورمى الجميع الاسماء في النار فانطفأت.
تمدد الليل ليمنح السامرين المأوى، وطرقت النشوة الجدار بعدما تاهت عن الباب، فقام اليها العطاش ليستزيدوا غيابهم خارج الوقت.
خاف ان يمر القطار فلا يجد من ينتظره، فركب اول خيط شمس الى حزنه بصمت، بينما انطلق المنشد يتوغل داخل الفرح النازف تاركا لخيوط الليل ان تكمل الحكاية التي كلما كادت تتكامل فصولا أكلتها النار لتعطي النائمين احلامهم السعيدة.
***
ترقرق النغم شفافا في سماء القاعة المفتوحة للعبث.
تدافعت الرغبات حتى تلاطمت وتكسرت على جدار الخدر.
اشتهت ان تطير فتسلقت الحلم حتى لامست حد الوجع، وأطلقت سراح الشجن لكي يبدأ الاحتفال بالعيد.
***
اطلت كعادتها متعجلة: تريد ان تفرغ شحنة الكلمات بسرعة في الهواء يعيد نشرها خارج المعنى، لتخرج من اطار الصورة فتستعيد نفسها.
كانت تعرف انه يقرأ عينيها، وانه كامن في مساحة الظل التي لجأ اليها من نفسه. وحين انطفأت الصورة شم من داخله رائحة الحريق.
من أقوال نسمة
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
لا ترهق حبك بأنانيتك. ليس الحب احتكارا او حصارا او اخلالا بدافع الحماية من الغير. لا يمكن حبس الحب في بركة مقفلة. الحب بحاجة الى هواء نقي والى تشوق الفضولي ولهفة الصديق وحماية الرفيق الذي لا يتواطأ الا مع المحبين الذين يحققون له حلما ويعلمونه كيف يتكامل بشرا سويا.

Exit mobile version