طلال سلمان

هوامش

»الإمام« يخرج من كمّ »السلطان« إلى عبقرية الخطأ!
هل وقع الطلاق، أخيراً، بين السيف والكتاب؟!
هل خرج »الإمام« من كنف دولة »السلطان«، فاستقل بنفسه مدركاً أنه السبب في القوة التي لا تُرى، والتي ترفع »السلطان« فوق البشر، وترفع عرشه على أسنة الرماح فلا يطاله طامع ولا يرقى إليه طامح إلا هلك؟
هل انتبه »الإمام« إلى خطورة موقعه من »السلطان«: إنه الشريك الأقوى، فإن هو خرج أو أُخرج من الشراكة تهاوت السلطنة، فمن غيره لا يكون للملك قداسة. فأما الملوك بالتعيين أو بالوراثة أو بتضارب المصالح أو بسيوف الخارج، فكثيرون، لكنهم عابرون. تجيء بهم المصادفات ويذهب بهم القصد، أو أنهم أبناء الفراغ يغورون فيه متى امتلأ الناس بأنفسهم.
إنه »أرض السماء« التي يقوم عليها المُلك، فإن أصابها صدع تهاوى السلطان، فابتلعه الفراغ أو تناوشته السيوف، وسيوف الأقربين هي الأولى.
يغطي بلحيته عورات السلطان، ويعطره ببخوره، ويوصله إلى الناس فوق طوف من الكلام المقدس إذ يدلق عليه من محفوظاته التي تتزاحم فيها أسماء الأنبياء، ما يجعله مفرداً بين العامة، هو الحق وحده وهو الدين وهو العدل، وغيره الظلم والزور والردة وباطل الأباطيل.
فأما السلطنة بغير الإمام فإنها تغدو أشبه ما تكون بثكنة عسكرية يحكمها من ملك مفاتيحها، بالأمر، حتى إذا جاء المتآمر الفطن أخذها.
إذا ما تحرك »الإمام« مبتعداً سقطت الأقنعة، فإذا المُلك بلا حصانة.
»الإمام« هو يفتح الطريق أمام السلطان، بالنص المقدس. يبرر له أفعاله، يحلل له ويحرم على غيره. يرفعه فوق الناس، يحصِّنه، يقيم من حوله أسواراً من المحرمات بحيث يصير المعارض كافراً، ويصير المجادل مرتداً توجّب أن يقام عليه الحد.
بلا »الإمام« تسقط السلطنة من السماء إلى الأرض، ويغدو »السلطان« مجرد بشري، له مثالبه وعوراته وأطماعه ومباذله… فإن انكشفت العمامة تبدّى فاسقاً ووجب رجمه!
فكر »الإمام«: لقد جعله »السلطان« في موقع الشيطان الرجيم. أقامه شرطياً على العقول والأفكار وجلاداً للرغبات الطبيعية. باسمه يقتل، وبختمه ينهب، وبنصوصه يغصب الفتيات القاصرات. منه السيئات وللسلطان الطيبات والحسنات والدعوات الصالحات والأدعية بطول العمر!
فكر »الإمام«: ليس هو الوجه المعتم للقمر. لقد طالما تحمل أن يكون الوجه البشع للسلطة الشرهة، عليه أوزارها في الدنيا والآخرة، وليس له من نعمها شيء.
فكر »الإمام«: إذا كان هو وكيل السماء على الأرض، فلماذا يعطي الأرض لغيره؟!
الإمام هو العقيدة، والسلطة للسيف.
إذا انفصل السيف عن العقيدة سقطت عنه قداسته. السيوف كثيرة، لكن سيفاً واحداً ربط نفسه بالدعوة وبشعارها. إذا ما استعاد »الإمام« الراية فإن »السلطان« سيغدو أسرة حاكمة أو متحكمة تقرر السيوف مآلها. وسيوف الداخل كثيرة، وسيوف الخارج أكثر، فليفتح الميدان على مداه… الداخل مشاع والخارج مشاع!
فكر »الإمام«: لماذا لا يدعو الداعية إلى نفسه؟!
لماذا لا يكون »الإمام« هو »السلطان«؟!
إلى متى سيظل »الإمام« متعففاً عن السلطة، زاهداً فيها، وكل خطايا »السلطان« وآثام السلطة تلقى عليه، فيضطر إلى أن يبررها فيحلل الحرام ويحرم الحلال، فيخسر الآخرة من غير أن يربح الدنيا؟!
إذا كان هو المقدس، وحافظ المقدس، بل ومزور المقدس، فلماذا يستمر يدعو إلى غيره؟ وإذا كان سيحمل كل هذه الخطايا والآثام فلماذا لا يأخذ من دنياه ما حرَّمه على الناس واحتكره السلطان لنفسه فلم يشركه فيه؟!
فكر »الإمام«: لقد صمت طويلاً، وآن الأوان لأن يتكلم.
لقد خرج السلطان على ما يدعو إليه الإمام. هو أعرف الناس بهذا الخروج. وهو صاحب الحق الشرعي في إعلان هذا الخروج وإخراج من طغى وتجبّر.
يمكن الاستطراد إلى ما لا نهاية في حيثيات أو موجبات خلع السلطان، فهل لدى »الإمام« شجاعة اتخاذ القرار؟ لقد كان شجاعاً على الناس دائماً، يأمرهم ويزجرهم ويحقّرهم ويهينهم فيصدعون بأمره ولا يعترضون.
فكر »الإمام«: ثم إن »الإمام« قد يؤخذ بصمته! قد تحاسبه السماء على شهادات الزور التي استمر يعطيها طوال أجيال.
إن الدنيا بملذاتها مغرية، وإن السماء بإنذاراتها المتكررة لن تغفر التهاون، فالساكت عن الكفر كافر، ومَن لا ينصر الحق يسقط ادعاؤه الإيمانَ. مَن لا يردع السارع فشريك للسارق، ومَن لا يوقف المرتكب فمتواطئ، ومَن لا يمنع الزاني والغاصب والمتواطئ مع الأجنبي، لا ينفعه إيمانه في تبرير غفلته.
إن كل خطايا »السلطان« معلقة في رقبة »الإمام«… فهل يدفع الثمن مرة في الأرض، ومرة أخرى في السماء؟!
فكر »الإمام«: إنه هالك هالك، لا محالة. أليس الصمت مقبرة الجبناء؟!
فكر »الإمام«: لماذا لا يتقدم باسمه صريحاً كالسيف؟!
إنه لا يخاف »السلطان«. هو يعرف كل نقائصه ونقاط ضعفه. أما »السلطان« فلا يعرف فيه إلا ورعه و… طمعه. ماذا لو رفض حصته من الذهب وطلب »كل شيء«؟!
ثم إنه يعرف أن الغرب ينافقه ويقدّر له دوره في حفظ السلطنة بعيداً عن الملاحدة الحمر وعن المتطرفين الذين كانوا يريدون طرد الأجانب وإعادة نفط العرب إلى العرب.
فأما الدهاء فليس أغنى منه في النصوص، وفي تفسيرات النصوص… أليس هو مَن يسخّر النص لخدمة السيف؟! أيعرف فقط أن يعمل لغيره وينسى نفسه؟! وإلى متى ينسى هذه النفس الأمَّارة بالسوء؟!
* * *
أين موقع أسامة بن لادن من هذا الصراع المفتوح بين »الإمام« و»السلطان«؟!
إنه الآن، وقد جمع في نفسه أسوأ ما في الاثنين، يجرّب حظه في أن يحكم العالم، ولو بتدميره؟!
إنه خلاصة عبقرية للخطأ والخطيئة.
لقد أمسك الإمام بالسيف في الزمان الخطأ والمكان الخطأ، واختار الهدف الخطأ، فانفتحت أبواب جهنم، بدل أن تنفتح أبواب السماء!
مسكينة »السلطنة« البديل. مسكينة أفغانستان. مساكين هم العرب، مساكين هم المسلمون!

محمود سلامة المتعجل حتى رحيله؟
آمن محمود سلامة، طوال عمره، بأن ليس للأحلام عمر، وأنها لا تهرم أو تشيخ مع صاحبها، فهو يعيش بها ولها، ولكنها لا تعيش به وله بالضرورة إلا إذا حققها فتكونه.
ولقد أمضى محمود سلامة عمره مع الأحلام، منذ أن فتح عينيه على الدنيا ورأى فوعى وأدرك في أية أحوال يُفرض على جيله أن يعيش. كان كل من وما حوله يحرضه على الثورة وعلى رفض الواقع والعمل لتغييره. وهكذا انتسب وهو عامل يكدح من أجل لقمته، إلى حركة القوميين العرب، ونشط في الوسط النقابي. ثم اجتهد لتعويض النقص في تحصيله العلمي بالقراءة والمتابعة والاطلاع والتقرب ممن يعرفون، ومجالستهم والأخذ عنهم، في المنتديات، في البيوتات المفتوحة على الحرف، إلى المقاهي التي يحتشد فيها المتقاعدون قبل الأوان والذين رغبوا في أن يعرفوا أكثر فطُلب إليهم أن يرتاحوا ويريحوا.
بعد دهر طويل من المشافهة، والقراءة والمزيد من القراءة، واعتماد المقهى منبراً لإعلان الرأي ومساحة لإطلاق التعليقات، استطاع محمود سلامة أن يبلور موقفاً عقلانياً يمكن الدفاع عنه بالمعلومات والأرقام وليس بالرغبة وحدها ومعها شيء من التخمين أو الاستنتاج المبسط… وهكذا صار محمود سلامة »صحافياً« كبيراً في الشفهي، وإن ظل ينقصه المنبر ليكتب ما يفكر فيه، وما توصل إليه من استنتاجات.
وحين جاءته الفرصة، قبل حوالى العام، وتسلم محمود سلامة موقع رئاسة التحرير في جريدة »الثورة« السورية، اندفع كالصاروخ يحاول تحقيق كل ما كان في ذهنه من مشاريع طموحة ومن أفكار مختزنة ومن طموح إلى أن تكون بين يدي القارئ العربي صحيفة جدية، تزوّده بالوقائع والمعلومات والمعارف والتحليلات، وتترك له وقد سمع الأخبار من مصادرها أن يكوِّن رأيه بحرية وبغير وصاية أو تعال.
تعجّل أن يغيّر في كل شيء: في طريقة تناول الموضوعات، في أسلوب طرحها، في كشف المخبوء من وجوه الفساد والبيروقراطية القاتلة للمبادرة والعقل والإدارة والإنتاج.
تعجّل أن يصنع الصحيفة التي كان دائماً يحلم بأن يقرأها.
تعجّل أن يقول كل ما كان يختزنه وما يفكر فيه.
تعجّل أن ينجز هو الآتي إلى الصحافة متأخراً ، ما عجز عنه الأوائل الذين انتسبوا إلى المهنة قبله بربع قرن أو يزيد.
… وها هو قد تعجّل الرحيل، وقبل أن يقول إلا القليل القليل مما كان يريد أن يقوله. لكنها الحياة، فمَن تُراه يستطيع أن ينجز فيها كتابه الكامل؟!
مَن يحاول إكمال الجملة الناقصة التي باشر محمود سلامة الكتابة منها؟!

تهويمات
استقرت العين على الشامة البنية التي تعتلي الوجنة اليمنى للوجه الذي يشيع جماله الهادئ قدراً من الراحة والاستبشار.
للحظة، توهم أن الشامة البنية تتحرك ساحبة في إثرها العين، فتغلغل في معارج الجسد الطري المحصور داخل قضبان الرصانة.
التقت العينُ العينَ فأطرق خجلاً كمن ضُبط وهو يخطف وردة عرّشت على سور بستان جاره. قال بعدما غالب ارتباكه فتخفف منه: العطر مشاع، ومساحة النظر مشاع، أما الشامة فخطّافة عيون، من الغواية جاءت وإلى الغواية تأخذ، وإني لمن الغاوين.
انزلقت الشامة نحو شفتها العليا، ولما همّت بأن ترد استقرت الشامة قبلة معلقة بين الشفتين.
} } }
همست الفتاة المعلقة على حافة الليل بصوت مكسور: إن رقمي سهل الحفظ… إطلبني في أي وقت تأخذْني!
قال العجوز الذي يشتري غده بيومه بصوته الذهبي الرنان: يأتيني من أريد فينظرني، فإن وجدني يقظاً أعطى فأخذ، وإن كنت في غفلة مشى مع الشمس وتركني متدثراً بليلي البلا نجوم!
} } }
تختمين بالقول: مع أطيب المنى! … ثم تغادرين!
وأي طيبات من المنى ستبقى بعدك، وكيف يمكن افتتاح اللقاء الجديد؟!

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
علَّمني حبيبي الكِبر. قال لي: لا تطلب أبداً مقابل ما تعطي. فمن لا يحتَج إليك فسيأخذ منك عزتك ولن يعطيك. ومن يحتَج إليك فسيتمنّع، فتخسر احترامك نفسَك. أما مَن يحبك فسيعطيك قبل أن تسأل لأنه يعرف أنك له، وليس بينكما حساب. الحساب في الحب حاصل جمع دائماً.

Exit mobile version