طلال سلمان

هوامش

عن حروب المسلمين على الإسلام.. بقيادة جورج قلب الأسد!
من قلب الدمار والموت والخوف خرج الرئيس الاميركي جورج بوش على العالم شاهرا سيف القائد المفرد للحملة الصليبية الجديدة على الشرق، شرق العرب والمسلمين، فكانت نكتة سوداء سرعان ما اضطر »ولي أمره« الى سحبها من التداول والاعتذار عنها..
لكن النكتة السوداء سرعان ما ولدت مجموعة من أفلام الدراما تداولتها وما تزال الفضائيات الناطقة بالعربية، سواء تلك التي تبث من عواصم قريبة او من الحواضر البعيدة حول الاسلام والمسلمين في »عالمهم« المحاصر الآن بالبوارج والمدمرات وحاملات الطائرات.
كذلك فان النكتة السوداء قد طرحت اسئلة كأداء عن الاسلام والمسلمين: أيهم المتهم وأيهم البريء؟! ايهم الممثل الشرعي للدين الحنيف وأيهم المزوّر ومنتحل الصفة؟!
لقد أطل عبر الشاشات الصغيرة اعداد من المشايخ والدعاة والمدعين بصورهم التي تذكر بالمسلسلات الدينية عن أيام الجاهلية فقدموا نسخا عدة من »الاسلام«.
صدرت بيانات بتواقيع مجللة بالوقار لمفتين وأئمة مساجد وقادة لتنظيمات وحركات اسلامية في المشرق والمغرب وفي »ديار الكفرة« ايضا، أعطوا أنفسهم حق النطق باسم الاسلام والمسلمين جميعا، معتمدين على اللحى الكثة الممزوج صباغها بالطيب، وعلى ذاكرة تستذكر من القرآن الكريم او من الحديث ما يخدم غرضها ولو على حساب الدين وحياة المؤمنين.
أطل رؤساء ووزراء وساسة موقرون وقد تجلببوا ببعض الآيات القرآنية ليردوا على اولئك الذين يستخدمون المصحف الشريف لأغراضهم الخبيثة.
صدم »المسلمون« »المسلمين« على أرض »الرسالة المحمدية« فتفرقوا أيدي سبأ، وكادوا يمزقون الرسالة ويشوهون الدعوة ويحمّلون اتباعها من أعباء سوء التفسير وسوء التوظيف فوق ما يحملون من عنت الاضطهاد وقسوة تشويه السمعة وظلم اتهامهم بالجريمة، وهم الضحايا من قبلها ومن بعدها وفيها وفي كل حين..
أطلت على الدنيا، من تحت الارض ومن فوقها، أنماط مختلفة من المسلمين يكاد بعضهم يكفّر البعض الآخر ويخرجه من دينه وبالتالي من دنياه.
وحوّمت في الأفق، وفي أذهان المؤمنين، اسئلة خطيرة احيانا، وساذجة غالبا، وبريئة بمجملها، وخبيثة في بعض الحالات، بينها:
كم »اسلاما« في عالم الألفية الثالثة؟!
ومن من الدول الاسلامية يمكن اعتبارها »اسلامية« إذا ما سلمنا بأنها »دول«؟
لقد ظهرت الى الوجود أنماط متعددة من الدين الموحد الواحد: إسلام أميركي، إسلام بريطاني، إسلام فرنسي، و»إسلامات« عربية تتفاوت في المبنى والمعنى ما بين بلد وبلد، او حتى داخل البلد الواحد..
ثم، كم من الدول الاسلامية يمكن اعتبارها »إسلامية« وصاحبة حق شرعي في النطق باسم الاسلام والمسلمين؟!
ولقد شهدنا من قبل وأغلب الظن اننا سنشهد غدا مسلمين يقتلون مسلمين، وكل منهم يتهم الآخرين بأنهم يقاتلون كمرتزقة لحساب »الكفرة«.
كم من المسلمين في دنيا العرب، تحديدا، شعر برابطة قربى، وبصلة رحم، دينيا، مع أتباع طالبان في أفغانستان؟!
كم من المسلمين يقبل ان يكون الملا محمد عمر، الذي يطلق على نفسه لقب »أمير المؤمنين« هو مرجعه، او »قيادته«، او حتى شريكه في إيمانه، فيقبل منه تفسيره لتعاليم الاسلام، ومن ثم دعوته للجهاد؟!
انها هزيمة جديدة تفرض على الاسلام (والمسلمين) بغير ان يكونوا (ويكون) طرفا فعليا فيها. وهي هزيمة معلنة من قبل ان تبدأ »الحرب الصليبية« الجديدة.
لهذا، ربما، تجرأ جورج دبليو بوش على انتحال شخصية ريكاردوس قلب الأسد، مطمئنا الى ان صلاح الدين الايوبي قد تقطعته سيوف »المسلمين« فجعلته مجرد حائط مبكى لا يرد غازيا ولا حملة صليبية جديدة.
وليس من عجب ان يصيب »الاسلام« ما أصابه من اعتلال، اذا كانت كل هذه الانماط المتناقضة، المتضاربة، المتصارعة والمقتتلة من المسلمين هم حماته وهم دعاته وهم المبشرين بشيء منه في عالم ثورة الاتصالات وريادة الفضاء واستنساخ البشر… وتحويل الطائرات المدنية الى صواريخ مدمرة للأبراج.
أحمد شومان يستذكر ونستذكر معه »المهمة المستحيلة«
لم يكن قد مضى على انتسابي الى الصحافة الا عام وبعض عام حين انفجرت »ثورة 1958« في لبنان، وفوجئنا، شفيق الحوت وأنا ومعنا وجيه رضوان ورسام الكاريكاتور نيازي جلول بمجلة »الحوادث« تسقط على كواهلنا، بعدما اضطر صاحبها رئيس التحرير المرحوم سليم اللوزي الى الهرب واللجوء الى دمشق، عاصمة الاقليم الشمالي في دولة الوحدة، الجمهورية العربية المتحدة، وبعدما تعذر على العديد من المحررين الوصول الى مكاتب المجلة، وكانت آنذاك، خلف قصر هنري فرعون، وعلى مقربة من حصن الرئيس الراحل كميل شمعون في القصر الجمهوري بالقنطاري.
بعد »التسوية« التي أسقطت حلم شمعون بالتجديد وجاءت باللواء فؤاد شهاب الى رئاسة الجمهورية، استعادت »الحوادث« زخمها المهني وانضمت أقلام جديدة الى هيئة تحريرها، بينها الكاتب اللامع بأسلوبه المميز أحمد شومان.
وهكذا وفر لي الحظ الفرصة لان أكون »زميلا« لعدد من الكتّاب البارزين أولهم المفكر والمثقف الكبير منح الصلح، الذي يكاد يعرف كل شيء عن كل الناس في كل البلاد، وثانيهم الكاتب الغزير نبيل خوري (شفاه الله) الذي ظل لسانه أظرف من قلمه، وثالثهم شفيق الحوت »المناضل« القادم من منظمة الحزب الشيوعي في الجامعة الاميركية ببيروت الى القومية العربية تحت راية فلسطين، بقيادة جمال عبد الناصر.
فأما أحمد شومان الذي كان يكتب مقالا اسبوعيا فكان يتميز ليس فقط باختياره لموضوعات لا تخطر على بال غيره بل وبأسلوبه الذي يلذع بسخريته، والذي يحكم بالاعدام المعنوي على من يوقعه سوء حظه في براثن هجائه المقذع.
ذات يوم اصطحبنا سليم اللوزي الى دمشق للقاء مع جمال عبد الناصر.
طار بنا الشوق الى عاصمة الامويين، ووصلناها، وفرحتنا تسابقنا الى »قصر الضيافة«، حيث كان الموعد البهي للجماهير العربية مع بطلها كلما جاء لتفقد الاحوال في »الاقليم الشمالي«… وكان علينا ان نسلك طرقا خلفية، وان نغرق في بحر الجماهير التي كانت تحتل السطوح والارصفة والشوارع والاشجار من عند مجرى نهر بردى، حيث يقام معرض دمشق الدولي، الى سفوح »الجبل« او »المهاجرين«، بكل تشعباته والاحياء المحيطة به.
دخلنا القصر المتواضع الحجم والرياش بفضل »تسهيلات« خاصة وفرتها لنا الشرطة العسكرية، وكان عبد الناصر على الشرفة يلقي خطابا ناريا، وقد أكمد وجهه وأخذته الحدة في الهجوم على عبد الكريم قاسم، الذي انقلب على الخط القومي مبتعدا بالعراق عن دولة الوحدة، ومتسببا في شقه الصف »الثوري« وزعزعة الاحتمال الذي استولدته ثورة 14 تموز 1958 في بغداد بإمكان اتساع السياسة للاحلام السنية.
بعد انتظار قصير، نزل إلينا جمال عبد الناصر بقامته الشامخة وعيوننا تحضنه.
وقف يستقبل الوفود وعيناه تشعان بذلك البريق المميز، الدافئ، والذي ينشر مع الطمأنينة الكثير من الفرح والثقة والرسوخ.
وجاء دورنا فأخذ سليم اللوزي يقدمنا اليه فيظهر معرفته لكل منا، بمن فينا المبتدئون مثلي، من خلال استذكار بعض مقالاته، او بعض رسومه، كما مع جلول.
وعندما باشر اللوزي تقديم أحمد شومان سبقه عبد الناصر بسؤال زميلنا الساخر، الهجاء، الظريف، الذي يوحي لك بأنه منصرف عن الدنيا: إزيك يا أحمد؟! مظهرك يوحي بأنك كويس..
وبينما غمغم أحمد: الحمد لله، يا فندم، أكمل عبد الناصر استفساره: إنت فين أحمد؟!
ورد أحمد شومان وسليم اللوزي معا: في »الحوادث« يا ريس..
قال جمال عبد الناصر: أنا عارف، بس مين إيمتى؟!
وحده أحمد شومان فهم معنى السؤال، وقد شرحه لنا في ما بعد.. وها قد جاء كتابه »أيام مضت« ليفصل ما أوجزه زميلنا الكبير آنذاك عن المهمة المستحيلة التي انتدب نفسه لإنجازها في منتصف الخمسينات، والتي يمكن تلخيصها بإقامة جسر بين الحزب السوري القومي الاجتماعي، وقد كان بين دعاته وكتابه، وبين الحركة الثورية العربية بقيادة جمال عبد الناصر.
كتاب احمد شومان الجديد ليس سيرة حياة، وليس تجميعا لحصيلة ما كتب، وهو صحافي منذ نعومة أظفاره وقد عمل على امتداد أربعين سنة او يزيد في كبريات الصحف اللبنانية و»الشامية« والمصرية.
انه كتاب يؤرخ فيه لعلاقته بالحزب القومي، »الزعيم« انطون سعادة، والعقيدة، ورفاقه، ولتلك المحاولة التي جهد من خلالها لإنجاز تاريخي بين الحزب وعبد الناصر »رائد القومية الاجتماعية المصرية« كما يسميه.
يبدأ الكتاب بفعل ايمان متجدد بأنطون سعادة (عيني عليه)، ثم يعبر ببعض صفحات النضال ضد الانتداب الفرنسي التي انتهت بترحيل أحمد شومان الى مصر بعد »الحكم عليه« بأنه مصري طارئ على بيروت مدينته، ثم يستعيد فيه مجموعة من المقابلات والمقالات، بعضها نشر في »روز اليوسف« اما معظمها ففي صحف بيروت اولها »كل شيء« وبعدها »الجريدة« ومجلة »الجمهور« و»النهار« وغيرها.
اما الخاتمة فلرفيق الصبا والدرب والحزب والحياة النقيب محمد البعلبكي، الذي اكد فيها ما عرفناه في أحمد شومان الذي »أبى الا ان يكون نسيج وحده، في نهج حياته، وفي أسلوب قلمه الفذ، فهو المتفرد المتمرد في ذا وذلك، لأنه المنسجم مع ذاته، الصادق مع الناس في كل ما خطه يراعه«.
احمد شومان قلم له ألق… ومن المؤسف ان مثل هذا القلم قد صار عزيزا، نادرا في الصحافة العربية عموما واللبنانية على وجه الخصوص.

تهويمات
بيني وبينك مسافة الضوء، وليس للهمس أجنحة،
بيني وبينك صدى الصوت، وليس للصمت وقع خطى،
بيني وبينك المدى، وليس لليل ظل يغطيني،
كيف يلدك الغسق أيها المستحم بالصبح؟!
كيف نتبعثر فنندثر خارج الحكاية التي بالكاد نطقنا كلمتها الأولى؟!
موعدنا خلف الشمس، لكن الارض تدور بلا أمل في لقاء الا عبر الشجن.
الارض تدور، مثلي، حول الضوء.
موعدنا على حافة الغياب، على الحد بين ظل الصمت وبين همس الصدى.

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
ليس للحب عمر، ظل جدي يغني حبه، بصوت راعش، وهو على حافة عامه المئة. من عاش حبه امتد شبابه بمساحة حياته، ومن تاه عن حبه صارت أيامه تكرارا مملا لمشاهد ليس فيها ما يستخرج من صدره تلك الشهقة الموعودة الضاجة بلوعة الفرح المرتجى: آه!

Exit mobile version