طلال سلمان

هوامش

جائزة الصحافة العربية: مكافأة لمكافحة الاحتلال و.. اليأس!
هي التجربة الاولى، فلا بد من شيء من الارتباك، ولا بد من قدر من التساهل في الحكم على »الإجراءات« التي رافقت مختلف مراحل الإعداد والتجميع والفرز، ومن ثم ترشيح المؤهلين للفوز بالمراتب المختلفة لجائزة الصحافة العربية.
المبادرة طيبة: ان يفكر رجل في موقع الحاكم بتكريم الصحافة وأهلها، خصوصا وقد جرت العادة ان يتلاقى الحكام على الصحافة والصحافيين، وأن يحاول الصحافيون ونادرا ما ينجحون في التلاقي على الحكام وليس معهم.
وربما لان موقع الشيخ محمد بن راشد المكتوم »ملتبس« أمكن لمثل هذه الفكرة ان تتحقق… فهو ولي عهد دبي ووزير الدفاع في الحكومة الاتحادية لدولة الامارات العربية، لكنه، قبل هذا وذاك، من تلك الذرية التي اشتهرت بالعبقرية التجارية، قبل ان يتفجر النفط فيغني بلا فضل للعقول والمغامرات. ثم انه رجل اعمال عصري، وقد اضاف الى الحس التجاري المرهف المعرفة وفهم الآليات الحديثة لصنع الثروة ومضاعفتها بولوج تلك الدنيا المسحورة بالأرقام ومنطق توالدها التكاثري المذهل، عبر استثمار الحاجات او خلق الحاجات، ومن ثم توظيفها لمضاعفة الثروات، بتشغيلها وإعادة تشغيلها في مجالات متعددة تبدو متباعدة جدا لتنتهي متكاملة في منظومة رأسمالية واحدة ومنسجمة مع قوانين العولمة، التي اخضعت الدنيا لمفاهيم التجارة الحرة، وأسقطت الحدود، وكادت توحّد »الذوق« الانساني وأخلاقيات الألفية الثالثة.
ما علينا من دنيا التوظيفات والارباح، محققة او فائتة، وكيفية اعادة توظيفها، وبناء المشروعات العملاقة بمساهمات مالية محدودة ولكنها غزيرة التوالد عبر التكامل، فهذا مما يصعب علينا فهمه فكيف بشرحه.
لكن الاشارة إليه ضرورية، عند الحديث عن جائزة الصحافة العربية التي يقدم مخصصاتها المالية الشيخ محمد بن راشد، اذ ان الإقدام على هذه المبادرة كان يحتاج الى عقل عصري يتزاوج فيه »المنهج« والتفكير العملي لرجل الاعمال باستشراف صاحب الحس التجاري المرهف، والذي لم يغادر هويته القومية، ثم انه يفهم ويقدّر قيمة الاعلام ودوره الخطير في اعادة صوغ المفاهيم… والاموال، والادوار في هذه الدنيا التي تكاد تكون بمجملها استثمارا للأقوياء الذين سيكونون بالتالي هم الاغنياء، بل »الغنى«، ليس لانهم المصدر وإنما لأنهم مستولدو الثروات الى ما لا نهاية ولا حدود.
* * *
فكرة الجائزة بسيطة: ينشأ مجلس تحت رئاسة اتحاد الصحافيين العرب، وبين اعضائه نخبة مختارة من رؤساء تحرير الصحف العربية في المشرق والمغرب، ويقوم المجلس باختيار لجان ترشيح مؤهلة ولها قيمتها الاعتبارية لقراءة نصوص المتقدمين الى الجائزة، بنصوصهم المكتوبة في مختلف المجالات المهنية من المقالة الى التعليق السياسي والتحقيق والبحث والريبورتاج، فضلا عن الكتابات المتخصصة في العلوم والتكنولوجيا والبيئة والرياضة، من دون إغفال فن الكاريكاتور والتصوير ألخ…
في ضوء ترشيحات لجان القراءة، يعتمد المجلس أسماء الفائزين.
في المقابل يقوم مجلس مشابه للاعلام المرئي والمسموع باعتماد ترشيحات لجان الفحص، ثم يعتمد أسماء الفائزين، من مقدمي البرامج والنشرات الاخبارية والتغطيات.
ويقوم مركز دبي للصحافة بمهام أمانة السر لمجلسي الجائزة، فيضمن التواصل، وتنظيم الاجتماعات، واستضافة اللقاءات، وحجب المتبرع بالمال، حتى يضمن قدرا عاليا من الرصانة والحيدة على اعمال المجلسين ومن ثم النتائج!
… وتخسر منى المري ما تبقى من لحم فوق كتفيها، وتظل تملأ الامكنة بنسخها المتعددة، يظللها دائما »الطود« محمد الجرجاوي.
* * *
حين وصلنا دبي لم نكن نعرف أسماء كل الفائزين، فضلا عن اننا لم نكن نعرف وجوه معظمهم.
في قاعة المغادرة في بيروت لمحت »طيف« دانيالا خلف، وفي الطائرة تعرفت اليها كمراسلة في الارض الفلسطينية المحتلة لإحدى شبكات التلفزة العالمية.
اما في القاعة الفخمة لفندق جميرابيتش، حيث اعلنت اسماء الفائزين بالجوائز، فقد تعرفت عن قرب الى الروح التي استولدت انتفاضة الاقصى، وغمرني شعور بالاطمئنان الى ان هذا الشعب الذي يستشهد وهو يولد لا يمكن ان يهزم.
لم تكن قرارات لجنة الجائزة »سياسية«… بل لعلها مالت الى الأسهل، او الى المتوقع، حين خصت مراسلي وسائل الاعلام المختلفة، في فلسطين المحتلة سابقا او التي تحت مدافع الاحتلال الآن، بمعظم جوائز الاعلام المرئي… فهذه الكوكبة من المراسلين التي زرعت فلسطين الشهيدة في عيون العالم، تستحق ما هو اكثر من الجوائز والتكريم.
على ان دانيالا خلف اعطت للجائزة معنى أسمى حين اعادتها الى اصحابها الحقيقيين: الشهداء الجدد او القدامى، وبينهم أبوها، وحين اعتبرتها جسرا للعبور الى فلسطين، وألحت علينا الا نجعل أهلها يموتون بحسرة انتظار الذين لا يجيئون.
تندّى حفل الفرح بالجوائز بدمع القصور والتقصير والاحتراق بمشهد اولئك الذين يطعمون الدبابات والمدافع لحومهم ولا يتراجعون.
ولعل كثيرا منا قد غاص في خجل العجز عن الفعل، او في عار القصور عن الارتفاع بأدائه الى مستوى تفجير الدم في وجه محاولات طمس الهوية، وعن غرقه بنقص المعلومات او باعتماد المصادر المنحازة وحتى المعادية في المنطق المضاد بل اللاغي للانتفاضة والناقض لادعاءاته الانتساب اليها.
وافترض ان وزراء الاعلام الاربعة الذين كانوا يتصدرون الاحتفال الى جانب محمد بن راشد هم اكثر من شعر بالحرج، وان كانوا حاولوا التغطية عليه بالمزايدة في التصفيق!
* * *
فرض الغياب شخصية »رجل العام«، مع ان الشعور بالخسارة التي لا تعوض كان يجلل قرارنا باختيار الراحل الكبير سامي المنيس.
وحين صعد احمد سامي المنيس وشقيقاته الى المسرح لتسلم الجائزة، سبق توقعنا كلماته الناضحة بالنبل: أعلن التبرع بالجائزة لجمعية حقوق الانسان.
ارجأ محمد جاسم الصقر التعبير عن فرحه، وقام الى وزير الاعلام في الكويت يلومه على انه لم يقدم الجائزة بنفسه الى أسرة الراحل الكبير الذي أعطى الكويت مع رفاقه وزملائه فرسان العروبة والديموقراطية ومكافحة الفساد الكثير من وهجها وسمعتها القومية الطيبة.
وتملكني شعور بالاطمئنان: لعلنا خسرنا »أبا عبد الله« كفارس للكلمة في ميدان الصحافة، لكنه ما زال على صهوة حصانه يواصل معركته داخل مجلس الأمة…
كان صلاح الدين حافظ، النقابي العربي المكافح بصمت والمطارد بدأب عجيب وقائع الظلم والاضطهاد والقمع التي تصيب اصحاب الاقلام والرأي في دنيا العرب، يتابع الوقائع جميعا بعين »الكاتب العدل« وبقلب من انتدب نفسه للارتقاء بالمستوى المهني للمنتسبين الى الصحافة التي يرى انها تتأخر يوميا وتفقد القدرة على أداء دورها المرتجى.
لم يكن ثمة ما يمكن الاعتراض عليه في الحفل. وجوه الاعتراض في وضع مهنتنا وفي أدائنا القاصر…
* * *
في اللقاء اليتيم الذي جمع مجلس الجائزة مع المبادر الى إطلاقها، الشيخ محمد بن راشد المكتوم، دار الحوار صريحا، متخففا من أثقال المنصب الرسمي ومن ادعاءات أدوار المبشرين بالجنة.
هل هي مصادفة ان يكون الاكفأ او الاشجع بين الصحافيين العرب هم اولئك الذين يواجهون بنادق الاحتلال؟!
هل حكامنا أقسى، أم ان صحافيينا أقل شجاعة، حتى لا نقول أقل كفاءة؟!
فأما نقيب النقباء ابراهيم نافع فقد احال الامر الى »الصعاليك« من اصحاب الرأي، ولما استنفدوا وسائل الاقناع التفتوا الى »المفتي« الابدي لإشكالات العلاقة بين الصحافة والسلطة، صابر فلحوط، فاقتحم الملعب الشخصي للشيخ بأن بادأه بشيء من الشعر الشعبي، »النبطي«، وكان ان رد الشيخ التحدي… من على ظهر بعض جياده الكثيرة.
وافترقنا على أمل اللقاء مع صحافة اكثر صلة بقضايا اهلها وهمومها، بحيث تكون »تعويضهم« عن غياب الحياة السياسية، ويكونون عدتها في مواجهة اعداء الكلمة وسائر حقوق الانسان، وما أكثرهم في دنيانا العربية.
فرح كفرشوبا يغنّي في برج العرب
من أين جئت يا صوت الفرح الى فندق الوهج الذهبي في حديقة المال وجنة الاعمال هذه التي استنبتها العقل في قلب الصحراء: يا ابن كفرشوبا التي نعيش اجواء الاحتفال بتحريرها، امس، في برج العرب في دبي المنهمكة في المجالات البعيدة جدا عن همومك واهتماماتك؟
كان صغار الكسبة من العاملين في مهنة البحث عن المتاعب، وأحيانا في بعض مواقع استيلاد المتاعب (ونعني الفضائيات على وجه التحديد)، يدورون زائغي الابصار بين صالة الاستقبال ومدرجاتها المائية، وبين مقهاها المفتوح على النور والماء والموسيقى، اذ تتناوب على انعاش رواده فرقتان موسيقيتان احداهما شرقية شبه تراثية، والثانية غربية معززة بعازفة بيانو مميزة تعزف بشعرها وأطراف أنامل مشاعرها الرقيقة ألحان الوجد وأنغام الهوى والشباب.
… فاذا ما دخلوا الى أجنحتهم كادوا يفقدون عقولهم بتأثير الذهب الذي يغطي كل ما تقع عليه عيونهم، والفخامة التي تذكرهم بضآلة دخولهم، وتواضع احلامهم في بيوتهم.
و»في الليل لما خلي الا من الشاكي«، انبثق من قلب النوافير المموسقة خالد عبد الله ومعه عوده وأحد حاملي انغامه.
كفرشوبا في فندق الذهب وملكات الجمال وسلاطين المال: برج العرب؟!
رفت على الجمع اجنحة نشوة مرتجاة فتلاقوا على غير موعد في جناح كان يعاني من برودة الذهب، فاذا به يشتعل بدفء التلاقي بين الذين أمضّهم الشوق الى الفرح وعشش في جنباتهم حزن الغربة وافتقاد الحبيب.
غنّى خالد عبد الله كما لم يغنِّ في اي يوم لهؤلاء الذين لا يجمعهم ما قبل الفرح وما بعده، وفاض كرمه على طلبات الذين »اكتشفوا« فيه مكتبة غنائية كاملة، كما على الذين غرفوا من كرمه غير المحدود، ومن أدائه المتميز، واجتهاداته التي جعلتهم يسافرون الى أحلامهم في زورق رقته التي ارتقت بالغناء الى مستوى الهمس الحميم.
جاؤوا كثرة يتقدمهم صخب المفاجأة وانصرفوا وكل منهم قد استقر في أحلامه هائنا… وبقي »فرنسيس« وحده يلم نتف الضحكات المتروكة وطيف اضواء النهار الجديد وقد انبعثت تتمايل على انغام الصوت الذي يعطي العود الكثير من أسباب النشوة: خالد عبد الله.

إجازة لقلق الروح
جاءت الطائرة بصائغ الابتسامات ومهشم اصنام الاباطرة وحكواتي الاطفال المسافر بهم الى رفض القبح والظلم والحسد والانانية: بهاجيجو.
ليأخذ القلق المنهك للروح اجازة طويلة، فها هي ارادة الحياة تنتصر، وها هو القدر يترفق بأمثالنا من هذه »الاقلية« التي تصر على التمرد على الغلط، وتجتهد الى حد الاستشهاد في المهجر او في المقهر وهي تقاوم اغتيال الارادة وكبت الصوت والقلم.
قهر عبد الرحمن منيف المرض، وطاردته الصابرة المجاهدة »أم ياسر« حتى ألقته في البحر، بينما مكتشف »مدن الملح« يواصل الرحلة مع »مرزوق« الى »ارض السواد«، حتى وغمام خدر الالم يظلل عينيه الواسعتين والمفتوحتين على السر الذي لا يقال.
وأخرج مصطفى نبيل شيطان الخبث من جسده، وانتفض ليستعيد حيويته وهو يصرخ بمنى وياسر وأمين ويسري: كيف نرحل ولما نكمل المأمورية ونترك هذه الدنيا للذين أفسدوها؟!
لم يهبط علينا ليل الفجيعة كله: ما زال في الافق كثير من الضوء، وفريدة الشوباشي ستعوضنا »عليها«، وفتيان الفرسان يتقدمون لسد الثغرات بمآقي العيون.
في الحياة ما يستحق مزيدا من تعبنا ونزف القلوب.

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة الا الحب:
أخاف على حبيبي مني. يفيض حبي عن طاقتي فيأخذني اليه او يستدعيه إلي، فإذا ما جاءت لحظة الفراق شدنا الشجار الى متعته المضنية… من أجل ان نتسابق بعده الى التصالح في حضن النشوة. أهذا ما يسمونه جنون المحبين؟!

Exit mobile version