طلال سلمان

هوامش هل تسمح لي سيدي ومولاي بانتخابك؟

هل تسمح لي سيدي ومولاي بانتخابك؟
مع كل حفل انتخابي نتذكر الديموقراطية فنهرع إلى دعوتها لزيارتنا لكي نتعارف… وعندما نركز وضع الصناديق على الطاولات نودعها فيها ونودِّعها في انتظار تعارف جديد!
الجو، الآن، عابق بالديموقراطية. لعلها السبب في تبدلاته الفجائية بين القيظ الصحراوي وبين مطر مباغت يصاحبه ضجيج رعد بلا بروق:
الكتّاب، المذيعون، المذيعات، الخطباء، السياسيون المحترفون، الساسة المستجدون، الزعماء، الأقطاب، المتدرّجون على طريق »الخدمة العامة«: الكل لا موضوع لكلامه المرسل أو الموجه المدروس أو العفوي إلا الديموقراطية!
الكل يخطب ود الديموقراطية. يكرز فعل إيمانه بها. يحييها ويشيد بمنجزاتها الخطيرة في بلاد الفرنجة ويتحسّر على غربتها عنا أو غربتنا عنها.
الكل يرفع صوته مطالباً بها، منادياً لها، مطالبا بتحقيقها، ويظهِّر أحلامه بأن تسود وتصبح قاعدة حياة في بلادنا.
نثرثر طويلاً حول حق الاختلاف. عن الرأي والرأي الآخر. عن ضرورة الاعتراف بالمختلف معنا وعنا. نستشهد بمحفوظاتنا المدرسية أو بقراءاتنا التثقيفية الخاصة بدءاً من شريعة حمورابي مرورا بحكمة سقراط والفكر الإغريقي عموما بما فيه »جمهورية أفلاطون«، وصولا الى الرسالات السماوية عموما والحض على الشورى، وانتهاءً بفكر الثورة الفرنسية وما تبقى منه ومنها بعد الأمبراطور نابليون ثم ما أضيف إليه وإليها وما استجد بعدها من ثورات مادية (روسيا والشيوعية) ودينية (إيران الخميني).
تتهاطل الأسماء المكرمة والكلمات الخالدة التي تؤكد أن الديموقراطية هي شرف الإنسان وهي معنى حياته، وأنه من دونها يصير حيوانا أو جمادا أو لا شيء!
* * *
لا يستقيم للديموقراطية حال بالمنطق الديني،
ولا مجال للحديث عنها مع الحكم الكلي الذي يلغي الناس جميعا ويذيبهم فيوحدهم في شخص الحاكم.
الملغى لا مجال لأن يعبّر عن نفسه، تأييدا أو اعتراضا.
في ظل الحكم الكلي، حيث يختلس الحكم صفات الله وأسماءه الحسنى، لا يكون هناك مواطنون ولا تكون لهم حقوق.
يصبح الكل آحادا مدغمين أو مدمجين في واحد أحد هو الحاكم.
من أين يجيء حق الاختلاف والتمايز إذا كان كل منهم لا أحد بذاته.
مَن يعترف بمن والكل غير معترف بهم إلا كذرات في رداء الحاكم المتأله؟!
لا رأي ليكون ثمة رأي آخر.
كيف ينتخب الموتى؟! كيف يعلن الملغى وجودهم موقفهم؟ كيف يثبت العدم حضوره؟
* * *
بعد المباراة في استظهار المبادئ يتدرّج الحديث إلى المصالح والأشخاص:
مَن؟! أعوذ بالله! إنه نكرة لا قيمة له!
مَن؟! لا يمكن أن تكون جاداً! إنه معادٍ للناس، لا يحترم إرادتهم ولا يعترف بهم؟!
مَن؟! لا، لا، لا. إنه أقل من أن يكون خصما وهو في نظر نفسه أكبر من أن يكون حليفا! إن مجرد ذكر اسمه ينسف التوافق.
مَن؟! مستحيل! هذه ليست ديموقراطية! إنها محاولة للفرض وإلغاء الآخرين!
يحوم طيف الديموقراطية حول المجتمعين، فلا يدعوها أحد إلى الجلوس، بل تتناهبها السيوف كلما حاولت تأكيد حضورها.
الديموقراطية ربطة عنق للزينة، فإذا ما طالت واستطال ظلها لينال الآخرون شيئا من نعيمها استحالت حبل مشنقة.
الديموقراطية حق شرعي لي، وهي لا تتسع لاثنين أو ثلاثة فكيف للآلاف ومئات الآلاف والملايين.
إذا شاعت الديموقراطية صارت مرضا خطيرا، معديا ولا شفاء منه!
ديموقراطية ولكن مع حفظ الألقاب والطبقات والوجاهات والتراتبيات.
متى عمت الديموقراطية تشرشحت.
الديموقراطية أن توافقني على رأيي، فإذا كابرت فأنت دكتاتوري النزعة، عنيد، مكابر، متشبث برأيك، أوتوقراطي، وبالتالي فلست ديموقراطيا ولا تستحق أن تعامل بديموقراطية، أو نعترف بك، فإلى جهنم وبئس المصير!
من المختار، رئيس البلدية، النائب، الوزير، الى الرئيس، الشعار هو هو: أنا الديموقراطية ومن بعدي الطوفان! أنا بالديموقراطية وإلا فلتسقط البدع الغربية الغريبة عن تراثنا والمنافية لشريعتنا السمحاء!
في البدء كانت البيعة: مدّ يدك لنبايعك على سنة الله ورسوله!
ثم جاء السيف، فإن لم تمد يدك قطعت اليد وربما الرأس!
ومع السيف وبعده جاء الذهب الرنان فصارت البيعة »بيعا« سداه الدينار وبطانته النطع.
كانت البيعة شفوية، ثم صارت خطية، وغالبا ما كُتبت بالأحمر القاني.
كانت أن تمد يدك لتصافح، فصارت أن تمد يدك (سائلاً أو مرتشياً) أو تمد عنقك متهماً بالتآمر ومخالفة رأي الأغلبية!
الديموقراطية قيمة؟!
كم قيمتها؟! ندفع نقدا وليس بالتقسط!
في لبنان للديموقراطية مفاهيم لم تخطر ببال فيلسوف أو مفكر.
فيه من الديموقراطيات بعدد الطوائف والمذاهب (حوالى العشرين!).
للماروني ديموقراطيته المتمايزة عن ديموقراطية الكاثوليكي المتناقضة مع ديموقراطية الأرثوذكسي المتصادمة مع ديموقراطية السني المقتتلة مع ديموقراطية الشيعي الخ..
ثم ان للماروني (أو السني أو الشيعي إلخ) داخل ديموقراطيته الخاصة، ديموقراطيات فرعية بعدد المرجعيات أو الزعامات أو الفعاليات أو القيادات التاريخية أو الجغرافية: الديموقراطية الكتائبية الجميلية غير الديموقراطية الكتائبية السعادية (نسبة لجورج سعادة)، وديموقراطية »الأمليين« غير ديموقراطية »الحزب اللهيين«، وديموقراطية الشمعونيين غير ديموقراطية الكتلويين« وغير الديموقراطية العونية (وهي آخر موديل).
إذا قرّر الزعيم القائد البطل الذي نفديه بالروح والدم الموقف ديموقراطياً، أي بإجماع آرائه، فليس من حقك الاعتراض. المعترض من الخوارج، والمعارضة بدعة وكل بدعة ضلالة وصاحب الضلالة في النار.
سباق الحواجز اللبنانية إلى الطائفية منهك بحيث يستحيل أن يفوز به أحد. فإذا ما تخطيت الأديان اعترضت طريقك الطوائف، وإذا ما استملت الطوائف واجهتك قياداتها فلا يتبقى لك مجال للقاء الآخر أو الاعتراف به سواء أكان من رأيك أم له رأي مختلف.
ديموقراطية وأنا سيدك!
ليس لك من الديموقراطية إلا حق الكلام، أحياناً.
مثل هذا الهذر الذي قرأته والذي ستنساه عند أول نقاش حول مختار حيّك: فأنت من يختار، وأنت مَن يقرّر، وأنت مَن ينتخب نفسه، وأنت مَن يقود، وإلا كانت الديموقراطية هرطقة!
هل تسمح لنا بانتخابك.. ديموقراطياً؟!
الصهيل يتأخر عن خيوله..
يمتد الصوت سريراً من زغب الحنين.
ينب السرير غابة من الشجن، وتطير قبرة لتبني بالشجن عشاً لكهولة البالغين.
يتهاوى الكلام متى افتقد قوامه المحظور، ولا يبقى إلا حفيف شعرك يترنم بوجعي، فيطرب من في الحان ويشجيني قبل أن يتطاير مجنونا بالشبق فإذا الكل نثار اللوعة أو التشهي.
لماذا أذهب دائماً الى العنوان الخطأ، متباهيا بسعة معلوماتي، أو تصلني الرسالة بعد انقضاء الزمان وامّحاء الكلمات؟!
لسنا اثنين. بل لسنا إلا اثنين، والباقي لغط غير مفهوم يكمل إطار الصورة.
أخاف أن تلتهب القاعة إذا نظرتك، وأن يقتلني البرد ان أنا بقيت في ظلك ولم يغمرني ضياء عينيك.
موعدنا الصمت، نسبح في بحره الدافئ وقد توحدنا، حتى إذا تدفقت ثرثرة الظلال رمتنا في صقيع غربة الكلمات عن موضوعها!
لماذا يجيء الصهيل متأخرا وبعدما تغادره الخيول؟!
مع الوردة، أنا، أما العطر فأحبه مشاعا ينتشي به الهواء ثم يرش به الناس ليحلموا بالأبهى.
يطوف بك التمني، ويغمرني ليل القنوط،
وتقتحمين أسوار الظنون فتتهاوى كليلة وتظلين تهتفين: إليّ، إليّ! أين مَن يطلبني… والخرس موت جبان!
الخوف مقعد من جمر، يقذفني إلى الخارج.
وأحوم حول الداخل وأضيع عن الباب وأنا في قلبه تماما يقرعني فأنطوي على ذاتي فوق عتبتك وأستل عذر البُعد كمهجع آمن،
وترميني القبرة بأشجانها المحمولة،
ثم تذهب لتجمع زغبها من فوق سرير الحنين!
حوار الجدران .. الانتخابية!
قالت الصورة للصورة: ها نحن نستعيد مدينتنا! نعتلي جدرانها، نخطر في شوارعها، ونؤكد أننا، بعد، فيها. انتهى زمن الغربة!
ردت الصورة على الصورة: ولكن صاحبك مرشح عن الحي الآخر، فلماذا أنتِ هنا؟! هذا أيضا تجاوز للحدود!
* * *
قالت الصورة للصورة: أف! أكاد أختنق وسط هذا الزحام! أين كان كل هؤلاء المتقدمين للخدمة العامة الآن، بالأمس، أيام الحصار والمواجهة وجوع الملاجئ؟!
ردت الصورة على الصورة: لا أحد يعرف حدّه فيقف عنده! للمناسبة، بأي حق ترتفعين هنا فوقي! الديموقراطية لا تلغي المقامات!
* * *
قالت الصورة للصورة: أتلاحظين كيف ينظرنا الناس؟! لكأننا نتعارف من جديد!
ردت الصورة على الصورة: للمناسبة، لم نتعارف نحن بعد. الجيرة الطارئة في المكان ليست معرفة.
* * *
قالت الصورة للصورة: ترى لماذا يبتسمون وهم يتأملوننا؟!
ردت الصورة على الصورة: لعلهم يردون على تحيتنا! لعلهم يبيعوننا من بضاعتنا؟!
* * *
قالت الصورة للصورة: هلا توافقنا فشكّلنا لائحة؟!
ردت الصورة على الصورة: إذا غادرت صمتك سقط التوافق!
* * *
قالت الصورة للصورة: الكل مرشح! لكأننا شعب الله المختار!
ردت الصورة على الصورة: أما صاحبي فيكتفي بأن يكون »المختار« من شعبنا!
* * *
قالت الصورة للصورة: أشعر بأنني مهددة بالسقوط، ظهري مكشوف..
ردت الصورة على الصورة: أما أنا ففي خير حال لأن »ظهري« معروف..
* * *
قالت الصورة للصورة: محزن ألا نستطيع أن نرى الناس..
ردت الصورة على الصورة: بل المحزن ألا يرونا برغم أننا نكاد نسد عليهم مجال الرؤية!
* * *
قالت الصورة للصورة: جميلة هي الديموقراطية! لقد صنعت بنا ربيعا ثانيا!
ردت الصورة على الصورة: لعل ربيعنا لا يكون خريف الديموقراطية!
من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
الحب أن تعطي، أن تشيع الفرح، أن تزرع البهجة في نفوس مَن حولك. كل الناس عاديون إلا المحب فهو أرقى وأكثر عدلاً وأعظم حرصا على الآخرين. أن تحب، تلك مرتبة عليا لا يبلغها إلا الأصفياء، وليس محباً من يحول الحب إلى دائرة محاسبة تحسم من هذا شيئا من حقوقه أو تعاقب ذلك بوقف إجازته.
أن تحب هو أن تكتمل إنسانيتك وأن يتخذك الجميع قدوة أو مصدرا للعدوى.. هل تريد شيئا من »مرضي« الشافي؟!

Exit mobile version