طلال سلمان

هوامش ## كتابات على جدار الصحافة (8)

دمشق تحتوي سوريا ولبنان احتفاء بجمال عبد الناصر
من بيروت وحتى دمشق كانت مواكب السيارات، صغيرة ومتوسطة وحافلات وشاحنات مزدحمة بالذاهبين إلى «الوحدة» وهم يهزجون أغنياتها، وبعض يرفع صوته حداء بالصوت العريض النابض بفرح يخالطه الشجن.
كان يبدو وكأن بعض لبنان ينتقل برجاله والكثير من النساء والفتيات والصبايا إلى عاصمة الأمويين لكي يكحلوا عيونهم برؤية جمال عبد الناصر.
قال شفيق الحوت: أما وان الوحدة ممنوعة من الوصول إلى بيروت فإن اللبنانيين ومعهم الفلسطينيون يقصدون إليها في دمشق.
قادنا بردى حتى ساحة الأمويين، وكان ضرورياً ان يستعين سليم اللوزي بضابط من الشرطة العسكرية كي يفتح لنا الطريق في اتجاه قصر الضيافة القائم بعد في مكانه، وان اختلفت معالم العمران من حوله.
أوقفت السيارات في بعض أنحاء «أبو رمانة»، وتقدمنا الضابط يحاول ان يفتح لنا معبراً في قلب بحر البشر الذي يتبدى بلا ضفاف: على السطوح، على الشرفات، فوق الأشجار وأعمدة الهاتف، وملء الشوارع المحيطة بذلك القصر وكامل ساحة المرجة والمساحة التي سيقوم عليها لاحقاً معرض دمشق الدولي.
لم تكن دمشق قد توسعت ملتهمة إحدى الغوطتين، ولم تكن المزة إلا ضاحية لصغار الكسبة والموظفين، وفي مكان متوسط من تلك التلة التي يشغل القصر الجمهوري، الآن قمتها، كان يقوم سجن المزة الشهير… ولقد فاض بحر البشر حتى بلغها، كما تسلق قاسيون الذي لم يكن الفقراء من شاغليه قد ارتقوا ليعلقوا بيوتهم في أعلاه مستولدين مجموعة من القرى المتداخلة التي نبتت من قلب صخوره.
نادى الضابط بعض رفاقه: وفد رسمي، افتحوا له الطريق..
وجاء ضابط آخر وثلاثة من الجنود فتقدمونا يشقون لنا معبراً إلى حرم قصر الضيافة، حيث كان يقوم «سور» من الشرطة العسكرية، يحاول جنوده جاهدين ان يمنعوا بحر البشر من الاندفاع إلى داخل القصر المتواضع، الذي صار أخطر معالم دمشق، بعد إعلان الوحدة وقدوم جمال عبد الناصر ليحل فيه رئيساً للدولة الوليدة وليس مجرد زائر عظيم لعاصمة الأمويين.
كان جمال عبد الناصر على الشرفة يلقي واحداً من خطبه. بدا وجهه أكثر سمرة، ربما لأنه كان محتداً، في تلك اللحظة، وهو يرد على محاولة سرقة انجازات الثورة في مصر التي حاول عبد الكريم قاسم ان ينسبها إلى نفسه.
ما زالت أولى الكلمات التي سمعها الفتى من بطل الوحدة ترن في أذنيه حتى الساعة: «… وما كانش فاضل إلا ان يقول انه هو من أمم قناة السويس..». بدا عبد الناصر بعينيه المشعتين أعظم سحراً من صوره.
عند السور ومن خلال الازدحام الهائل برزت فتاة عظيمة الإرادة، تخطت طابور الحرس وتسلقت قضبان حديد السور، بينما رجال الشرطة العسكرية يحاولون الإمساك بها. ووسط دهشتهم لجرأتها كانت قد اعتلت القضبان وهمت بأن تلقي نفسها في اتجاه الداخل، ولم يملك الحرس في الداخل إلا شبك أذرعتهم لتلقيها، بينما لمحها عبد الناصر فأشار بأن يسمح لها بالدخول. وهكذا باتت وكأنها من ضمن وفد «الحوادث». والتفت إليها الفتى فبادرته قبل ان يسألها: أنا صحافية مثلكم. اسمي امتثال جويدي.. وما كنت لأضيع هذه الفرصة مهما بلغ الثمن!
بعد حين من الزمن سيلتقي الفتى امتثال جويدي وهي تعيش قصة حبها مع الزميل الكبير فؤاد مطر، قبل ان تجد القصة خاتمتها في زواج ناجح إنتاجاً، بالمعنى العائلي كما بالمعنى المهني.
[ [ [
÷÷ أدخلنا خلف سليم اللوزي إلى صالة الاستقبال التي ليس فيها من معالم الغنى ما يبهر، لنجد عدداً من القادة السياسيين في لبنان بينهم «الزعيم الوائلي» الراحل أحمد الأسعد ومعه نجله كامل، والقاضي الذي سيغدو نائباً في ما بعد شفيق مرتضى، وأحد بطلي المالكية معروف سعد (الثاني هو الشهيد النقيب محمد زغيب) والمحامي القيادي البعثي آنذاك جبران مجدلاني، وآخرون شغل الفتى عن التعرف إليهم لأن سليم اللوزي نهر «وفده» بأن يتجمعوا ليتقدموا للسلام على «الريس». وانتظم الوفد في القطار الأحادي، وتقدم سليم اللوزي فصافحه جمال عبد الناصر مرحباً، وهو يعرفه منذ سنوات، ثم وقف إلى جانبه ليقدم إليه أسرة «الحوادث»: مدير التحرير شفيق الحوت، المحامي جوزف خوري، ثم أحمد شومان الذي استوقفه عبد الناصر ليسأله: أنت فين يا أحمد؟! واستعاد «العميد في الحزب السوري القومي مصريته ليردّ ضاحكاً وقد فهم السؤال: في «الحوادث» يا فندم! وعاد عبد الناصر يقول: أنا عارف، بس من ايمتى؟! وابتسمنا جميعاً، من فهم المغزى ومن لم يفهمه إلى ان شرح لنا سليم اللوزي ان أحمد شومان حاول، ذات يوم، التوسط بين حزبه والقيادة في مصر، ثم اكتشف ان النهجين مختلفان تماماً فتوقف عن مسعاه.
كان واضحاً ان جمال عبد الناصر يعرف أسماء جميع من يكتب في «الحوادث»، حتى رسام الكاريكاتور نيازي جلول، وحتى الفتى الذي كان يكتب «شطحاته» في بريد القراء. ولهذا خص «الوفد» بدقائق إضافية، برغم ان عبد الحميد السراج الذي كان يقدم له «الضيوف» قد أشار إليهم أكثر من مرة «ان اختصروا».
هي دقائق «تفضل العمر». وعندما فرغ الوفد من سلام الوداع شد الفتى كم شفيق الحوت وحين التفت نحوه قال هامساً: ما رأيك ان نعود لنسلم عليه مرة أخرى؟! ابتسم شفيق الحوت، وعاد فوقف مع طابور الضيوف، ومعه مساعده الفتى.. وحين جاء دورهما للسلام، انتبه عبد الناصر إلى حيلتهما فابتسم لهما، بينما غمز لهما عبد الحميد السراج، بما يعني أن لعبتهما مكشوفة!
[ [ [
÷÷÷ لعبت المصادفة دوراً في ان يمضي وفد «الحوادث» مزيداً من الوقت في دمشق، في منزل صديق لسليم اللوزي أصر على دعوتنا «ولو إلى فنجان قهوة». كان المنزل غير بعيد عن قصر الضيافة، ومن على سطحه أمكن لنا ان نطل على المشهد الذي لم نكن قد رأينا مثله: البشر في كل مكان، على السطوح، على الشرفات، على أعمدة الهاتف، يسدون الشوارع والطرقات جميعاً، وبعض الأسر جاءت بحصر وبطانيات وحجزت لها أمكنة على الرصيف لتكون أول من يرى جمال عبد الناصر حين يطل من على شرفة القصر الذي كان الجمهور يراه أضيق من ان يتسع له.
سمع الوفد حكايات طريفة من أهل البيت عن النساء اللواتي كن يطلبن منديل عبد الناصر، وعن اضطرار مكتبه إلى تزويده يومياً بدزينات من المناديل، وعن المحجبات اللواتي كن يكشفن وجوههن ويتقدمن لتقبيله بينما يغمره الخجل، وعن وفود المحافظات الذين يجيئون لمطالبته بزيارة مناطقهم والتعرف إلى الجهات المختلفة من دولته التي «ستتسع إن شاء الله للعرب جميعاً».
قال أحمد شومان: ان العيون تلتمع ببهجة الأمل، أما جمال عبد الناصر فيغالب مرارته وهو يتلقى حملات الأشقاء العرب الخائفين على عروشهم من طوفان الحماسة، وان ظلت بغداد هي مصدر الوجع خصوصاً وان من تولوا الأمور في الشارع قد تجاوزوا الحدود في هجومهم على «الفرعون» الجديد، وعلى المصريين «الحشاشين والكسالى»، وعلى السوريين «الذين يرحبون بكل غاز ثم ينقلبون عليه ليرحبوا بمن يجيء بعده فيطرده ويحكمهم».
قال سليم اللوزي وهو يدور ببصره بيننا: هي الحرب. علينا ان نحمي عبد الناصر بالوحدة، وان نحمي الوحدة بعبد الناصر.
قال شفيق الحوت: بالوحدة وعبد الناصر نحمي عروبة فلسطين.
[ [ [
÷÷÷÷ عدنا سكارى وما نحن بسكارى، وظلت حكاية الرحلة بتفاصيلها مدار أحاديثنا يومياً، خصوصاً وان «البيك» عقد جلسات استماع لكل منا واستنطقنا فرداً فرداً، وأجرى المقارنات قبل ان يستخلص الأحكام: دولة الوحدة في خطر، فضمانتها الأساسية تتمثل في شخص جمال عبد الناصر، والحملة عليه تستهدف الايقاع بين المصريين والسوريين عن طريق التركيز على الاختلافات في المزاج وفي درجة الوعي والإيمان بالعروبة واللعب على نغمة الهيمنة المصرية على الشؤون السورية. لقد ألغت الوحدة اسم سوريا، لكن المصري ظل مصرياً. الكيانية المصرية راسخة، بينما السوري نشأ ونشيده المفضل «بلاد العرب أوطاني».
قال شفيق الحوت بحماسته الدائمة: قضية فلسطين سوف تحمي الوحدة.
قال سليم اللوزي معترضاً: ولكننا كنا نأمل ان تساعد الوحدة على استعادة فلسطين.
حسم النقاش منح الصلح بقوله: سيقاتل الغرب فلسطين في دولة الوحدة وسيجتهد لاسقاط الوحدة حتى لا يشتد الخطر على إسرائيل.
وحول سليم اللوزي، بحسه الصحافي، النقاش إلى عدد خاص من «الحوادث» يضم إلى الانطباعات عن لقاء جمال عبد الناصر في دمشق مجموعة من الموضوعات حول المخاطر على الوحدة، وبالاستطراد فلسطين… وفوجئ الفتى بالسماح له بكتابة اول مقالة في السياسة العربية، وكان ذلك امتحاناً خطيراً، استدعى ان يسهر ثلاث ليال متصلة يقرأ ويقرأ ويقرأ حتى نجح في كتابة موضوعه السياسي الأول، الذي سيرى فيه، من بعد، ان حماسته قد غلبت فيه موضوعيته، ومن اين تجيء الموضوعية ومناظر دمشق قد ملأت عينيه وقلبه وفكره واجتهاده في ان يكون «رصيناً»؟!
[ [ [
÷ ÷ ÷ ÷ ÷ إنقسم اللبنانيون في موقفهم من دولة الوحدة، شأنهم في مواجهة أية قضية كبرى: عاد بعضهم إلى «انعزاليتهم»، وقد انضم الآن «الشيوعيون» إلى معسكر «الانعزاليين القدامى» وفيه الكتائبيون ومن ناصرهم، والشمعونيون وفيهم وجوه إسلامية معروفة، ومن عرفوا دائماً بأنهم من «جماعة السعودية»، ومعهم «الأخوان المسلمون» ومن يناصرهم في لبنان وفلسطين اضافة إلى «جماعتهم» في سوريا.
كان الرئيس فؤاد شهاب حكيماً وقد اتخذ موقفاً عاقلا سوف يتم تثبيته لاحقاً عبر قمة جمعته إلى جمال عبد الناصر في خيمة عند نقطة الحدود بين لبنان وسوريا، وكانت نتيجتها الاتفاق على قاعدة واضحة: لن يدخل لبنان في دولة الوحدة، ولكنه سيكون صديقاً لها وسينسق سياسته الخارجية معها في حين تترك له شؤونه الداخلية وتساعده بتهدئة من «يواليها» حتى لا يكون صدام بين اللبنانيين.
كانت «الحكومة الرباعية» هي البدعة التي نتجت عن اعتراض «الكثرة المسيحية» على الحكومة الأولى التي شكلها فؤاد شهاب برئاسة رشيد كرامي، واسقطها «الشارع المسيحي» بقيادة حزب الكتائب ومعه مناصرو كميل شمعون وكل المعارضين لعبد الناصر و«طموحاته التوسعية» وفيهم معظم اقطاب النظام القديم. وقد ضمت الحكومة إلى كرامي الحاج حسين العويني والشيخ بيار الجميل والعميد ريمون اده.
كان الفتى يعاني من ازمة فكرية، فلقد نشأ على الإعجاب ببعض شعارات الحزب الشيوعي وبكتابات العديد من مفكريه… كذلك كان قريباً من أفكار حزب البعث وان ظل يشغله التساؤل عن سر الخصومة بين البعثيين والمنتظمين في حركة القوميين العرب وكثيراً ما لجأ إلى «البيك» في محاولة لتبديد حيرته، فكان منح الصلح يأخذه في رحلة ترجعه إلى الاصول في مبادئ حزب النداء القومي، ثم توقفه لتحية قسطنطين زريق، وبعد ذلك تحمله إلى رصانة ميشال عفلق من دون ان تغفل الاثر المهم لاندفاعة الدكتور جورج حبش، لتنتهي به إلى اعتماد فلسطين أساساً للحكم على مواقف مختلف الأطراف «فمن كان معها فكن معه».
[ [ [
÷ ÷ ÷ ÷ ÷ ÷ انتهت مغامرة السكن في عمارة أنيقة في الحمراء بإفلاس الشريكين في استئجارها: ذهب وجيه رضوان إلى شقيقه الملحن الموهوب عفيف رضوان، وعاد الفتى إلى «فندق الجهاد» في شارع المعرض، وكان مستثمره احد ابناء بلدته في «بلاد بعلبك»، وهو يقيم مع أسرته في بعض الفندق، وتبقى أربع غرف للزبائن، بعضها بأربعة أسرة، وبعضها بثلاثة… وقد خصّه بغرفة رفع منها سريراً وابقاها له مع شيء من تخفيض ايجارها باعتباره زبونا دائماً، اضافة إلى كونه «ابن ضيعتنا».
كان الفندق يطل من مطبخه على السطح الدائري المتحرك للمسرح التاريخي الذي تم تحويله إلى صالة للسينما باسم «التياترو الكبير». وعلى امتداد شهور الصيف كان يمكن لاصحاب الفندق و«ضيفهم» الفتى ان يجتازوا معبرا موقتا اصطنعوه على عجل إلى سطح السينما، ليشاهدوا من قلب القبة المفتوحة ما يعرض من افلام… وغالباً ما كان الفتى يحضر الفيلم مقطعاً، بحسب مواعيد عودته من عمله في المجلة.
صار «الفتى» واحداً من الأسرة التي بين أفرادها فتاة في مثل عمره. ولأنه «ريفي» فقد كان يتمثل قول الشاعر «واغض طرفي ما بدت لي جارتي… حتى يواري جارتي مأواها»… لكن المأوى واحد، والطرف قد يسترق النظر أحياناً، وقد تتلاقى النظرات المسترقة، وهذا عيب فظيع وتجاوز لا يغتفر، ربما ترتبت عليه نتائج غير محسوبة… وهكذا وجد الفتى نفسه مضطراً إلى ترك الفندق الذي يتقاسم الطابق مع فندق آخر يستأجره، هو الآخر، احد ابناء البلدة أيضاً، ولكن ليس له ابنة مثل «قلب الصبح». طاردته نظرات العتاب لفترة طويلة، كما يتسبب التلاقي مصادفة على الدرج، او عند الباب اثناء الخروج او عند العودة من العمل ليلاً، فصار ضرورياً ان يرجع الفتى إلى شارع مارون مسك، ولكن كمستأجر لغرفة على سطح بيت عمته وليس كضيف ثقيل على صهره الذي يمضي يومه الطويل عند «بابه» معتبراً انه «زميل» مع التجار الكبار في سوق سرسق ليعود مساء بما يكفي بالكاد لإطعام عائلته التي يتزايد عديدها باستمرار.
وكان يحلو للفتى في بداية نزوله في تلك المحلة ان «يتنزه» بين بساتين الليمون التي كانت تملأ تلك الضاحية التي كان ينبت فيها كل اسبوع بيت جديد، سرعان ما تعلو طوابقه، بينما تتناقص البساتين ويفتقد الهواء عطر زهر الليمون، ويتكاثر السكان الذين هجروا أراضيهم في الأرياف التي لم تعد تطعمهم من انتاجها، وجاءوا إلى المدينة ليقوموا بأي عمل يدوي او اية مهنة لا تحتاج إلى تدريب طويل، من اجل تأمين الخبز لعائلاتهم التي تتكاثر بمعدلات قياسية.
فجأة سمع، لأول مرة، من يناديه بلقب «الأستاذ»، وحين التفت إلى مصدر الصوت مستهجناً وجد صديقاً لصهره من أبناء جبل عامل. قال الرجل: أنت تستحق لقب الأستاذ. أنا من قراء «الحوادث» ومن المعجبين بأسلوبك. اسأل زوج عمتك كم مرة سألته عنك. وأنا سعيد الآن انني قد تعرفت إليك.. يا أستاذ!
زغردت عمته وهي تسمع كلمة «أستاذ» موجهة إلى ابن شقيقها، وغفرت له العودة متأخراً في الليل: أنت تسهر إذن لأمر يستحق السهر!
في اليوم التالي ذهب يرافقه زهوه إلى المجلة فاستقبله شفيق الحوت بغضب: لقد نسيت بالأمس أن تكتب كلام الصور، ولو لم أستدرك الأمر لكانت فضيحة..
قال الفتى: ولكن الأستاذ سليم قال انه سيتولى الأمر..
رد شفيق: حتى لو… كان عليك ان تنتظر ليسلّمك ما يكتبه ثم تتولى الإشراف على التنفيذ حتى إنجازه!
في تلك اللحظة، تماماً، خرج سليم اللوزي من مكتبه فقال مخاطباً شفيق: احسم له أجر ثلاثة أيام حتى لا يهمل مرة أخرى!
جرجر الفتى قدميه إلى مكتبه، ووقف لا يعرف كيف يتصرف، فلم ينتبه إلى دخول «البيك» الذي بادره بالقول: قضي الأمر، وصدر العفو، فلا تحزن. لقد أرادا تنبيهك، وقرر سليم اللوزي ان يكتفي هذه المرة بتوجيه تنبيه.. ألف تنبيه، حبيبي، لا تعادل ليرة واحدة! أعرف ذلك! فقم الى عملك.
وقام يشكر «البيك» لكنه لم يغادر حزنه إلا بعدما غرق في عمله مقرراً ان يصحح مقالات سليم اللوزي بالذات، ويدس له نسخة مصححة ليكتشف كم خطأ كان سيظهر فيها لولا يقظة «الفتى» الذي صار «أستاذاً» قبل ان ينضج بحيث يمكن لكتفيه ان يحملا هذا اللقب الفخم!
من أقوال نسمة
قال لي «نسمة» الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
ـ اعط حبيبك من قبل ان يسألك.. فالحب لا يكون بالطلب.
مشكلتي مع حبيبي انه يسبقني في العطاء، وغالباً ما كنت أعجز عن مجاراته… فأكتفي بأن أحبه أكثر حتى أصير فيه.

Exit mobile version