طلال سلمان

هوامش عن امتحان لبناني ناجح لحرية الصحافة في ديترويت الاميركية

عن امتحان لبناني ناجح لحرية الصحافة في ديترويت الأميركية
تقدمتنا السكرتيرة الأنيقة إلى المصعد بعدما تأكدت من أن كلاً منا قد ألصق على ياقته تلك البطاقة الصغيرة الحمراء التي تفيد بأنه »ضيف« والتي كان وزعها علينا موظف الاستعلامات والأمن الواسع الصلاحيات والمعزز بتجهيزات الرقابة والتدقيق والتثبت من شخصيات المحررين والموظفين حتى المعروفين منه شخصيا.
ضاقت بنا قاعة الاستقبال الصغيرة: كانوا ثلاثة وكنا ستة.
قدم لنا مدير تحرير »ديترويت فري برس« زميله مسؤول صفحة الرأي فيها ثم المحررة المكلفة بتغطية نشاطات الجالية العربية، اللبنانية أساساً، في منطقة ديترويت والتي تعلّمت العربية لتسهل عليها مهمتها… وتولى علي جواد، مؤسس النادي اللبناني الأميركي في ديترويت تقديم »وفدنا«..
بدأ الحوار من حيث كان لا بد أن يبدأ: انتخاب إميل لحود رئيساً للجمهورية، وماذا يتوقع اللبنانيون من العهد الجديد..
لخصنا التوقعات، فانقض علينا الزميل الأشقر اللحية بسؤال نبرته هجومية: نحن معنيون بأن نسمع منكم عن حرية الصحافة في بلادكم، اليوم وغداً.
كان ما سمعناه عن موقف هذه الصحيفة بالذات من مجزرة قانا، ومن محاولات الجالية اللبنانية نشر رأيها والمعلومات التي توفرت لها عن الاجتياح الإسرائيلي الدموي للجنوب في نيسان 1996، ولو كإعلانات، يوسع أمامنا المدى لمنازلة متكافئة..
كان لا بد أن يعرض الجواب للترابط الكامل بين حرية الصحافة والواقع الاجتماعي الاقتصادي وصراع المصالح، ولطبيعة الحياة السياسية وقواها ومَن تمثل وكيف تعبّر عن توجهاتها، وتأثيرات الظروف العامة والدقيقة التي تعيشها منطقتنا على قضية الحريات العامة..
وكان لا بد من وقفة،طويلة أمام عاملين أساسيين »خارجيين« لكن تأثيرهما الداخلي شديد الوطأة:
1 الاحتلال الإسرائيلي لعُشر مساحة الوطن اللبناني، بكل ما يترتب عليه وينتج عنه من قتل وتدمير وتشريد للأهالي واضرار بالاقتصاد الوطني وخلخلة مستمرة للوضع الأمني، والأهم: تمكين إسرائيل من ممارسة ابتزاز مفتوح بتلويحها بالانسحاب مقابل شروط قد تذهب بمتطلبات السيادة، وقد تعطل الحياة السياسية، أو هي تهز ركائز الوحدة الوطنية من خلال توظيفها العامل الطائفي، وحتى المذهبي، لخدمة أغراضها السياسية.
2 الوجود الفلسطيني في لبنان، إذ ان حوالى أربعمائة ألف نسمة من الفلسطينيين ممن اقتلعوا فهجروا منذ العام 1948 من أرضهم في فلسطين، والذين يعيشون في ظل شروط غير إنسانية، قد أقفلت أمامهم أبواب العودة نهائياً باتفاقات الاذعان التي وقعتها »السلطة« مع الإسرائيليين تحت الرعاية الأميركية دائماً، وآخرها ذلك الاتفاق الذي رعاه وسهر من أجل إتمامه الرئيس الأميركي بيل كلينتون شخصيا تسع ليال طويلة في »واي بلانتيشن«.
لقد غدوا بلا أمل في غد، بلا هوية معروفة ومعترف بها، بلا أرض، بلا مستقبل. لم يعودوا، حتى في نظر »سلطتهم« المفترضة فلسطينيين، وهم ليسوا ولا يريدون أن يكونوا لبنانيين، وقد »أسقط« حقهم في أرضهم وتركوا للريح…
أين موقع حرية الصحافة من الاحتلال الإسرائيلي لبعض الإرادة وبعض الأرض الوطنية في لبنان؟
وأين موقع حرية الصحافة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي للهوية الفلسطينية إضافة الى الأرض الفلسطينية؟!
وهل تنفصل حرية الصحافة عن الحق المطلق في مقاومة الاحتلال؟!
ليست الحرية صراخا في الهواء. إنها حق طبيعي للناس في أرضهم، ولا يمكن عزلها أو فصلها والتعامل معها كمسألة مجردة، وإلا غدت نوعاً من الترف أو العبث..
وتدخل أبناء الجالية في النقاش فاستشهدوا بما جرى لهم مع الصحيفة التي تستضيفنا، قبل عامين: إذ حمل وفد منهم ما توفر من الصور والمعلومات عن مجزرة قانا، وجاء يطلب نشرها بوصفها »وقائع«… الى جانب ما تنشره الصحيفة من أخبار وتحليلات وصور ومعلومات إسرائيلية المصدر، ومن أجل توكيد الموضوعية، والواجب المهني، قبل الوصول إلى المبدأ: حرية الصحافة..
لكن صاحب أو أصحاب القرار في هذه الصحيفة الأميركية الجهوية، تلكأوا وترددوا في نشر »صرخة« المواطنين الأميركيين المتحدرين من أصل لبناني، ومن أصل »جنوبي« على وجه التحديد، والذين كان ضحايا المجازر والقصف من أهلهم المباشرين: أعمامهم، أخوالهم، جيرانهم ورفاق الصبا.
ولما يئس أبناء الجالية من إمكان نشر المعلومات كأخبار ووثائق، طلبوا نشر الصور والأخبار والمعلومات التي توفرت لهم من ذويهم في لبنان، كإعلانات مدفوعة.
ومرة أخرى ووجهوا بالرفض المهذب، أو الاعتذار غير المبرّر..
عند ذلك لجأت الجالية الى سلاحها المدني: قررت مقاطعة الصحيفة..
وهكذا امتنعت مراكز البيع التي يملكها »المواطنون الأميركيون المتحدرون من أصل لبناني« عن عرض الصحيفة: استمرت تتسلم الأعداد، ثم تبقيها مرزومة، لتعيدها في اليوم التالي إلى مصدرها.
وللعلم، فإن هؤلاء المتحدرين يملكون أو يديرون حوالى ألف محطة وقود في المقاطعة… والمحطات هي أفضل مراكز بيع الصحف. وبالتالي فإن امتناع ألف نقطة بيع عن عرض الصحيفة كان ضربة قاسية لها، خصوصاً وانها »جهوية« أي تصدر وتباع في ديترويت وضواحيها فقط.
بعد أيام قليلة، ونتيجة للتدبير السلمي المؤثر، بادرت إدارة الصحيفة إلى الاتصال بالجالية، مبدية استعدادها لتلبية المطلب شرط وقف المقاطعة.. وهكذا كان: نُشرت الصور والمعلومات ذات المصدر اللبناني في الصحيفة الأميركية.. وعرف الأميركيون بعض ملامح الوجه الإسرائيلي البشع.
يمكن القول ببساطة وبغير ادعاء: ان تلك الحادثة قد شكلت نقطة تحول في العلاقة بين الجالية المتحدرة من أصل لبناني وبين »مجتمعها« الأميركي وقوى الضغط والتأثير فيه. لقد تمّ الاعتراف بالأميركيين اللبنانيين كطرف في البلاد التي تتكوّن بغالبيتها الساحقة من »أقليات قومية« وافدة، أو من جاليات لم تقطع تماماً حبل السرة بأوطانها الأصلية.
وهي تجربة قابلة للتكرار، والأهم أنها قابلة للتطوير والتحول إلى سلاح مدني فعال في مجتمع مفتوح، يقول بالحريات ويسلّم قيادته للأقوى طالما أنه يتصرف »ضمن القانون«…
الشرط دائماً: أن نعرف مصدر القوة، وأن نحسن استخدامها في وجه »الخصم« وليس في وجه الأخ الشقيق أو في وجه الصديق الحليف.
كنا في قاعة الاستقبال الصغيرة، بعد، نواصل حوارنا الذي غدا أكثر حيوية، حين ترامت إلينا أصوات غاضبة من الشارع. كان واضحاً أن ثمة من يهتف بمطالبه مستخدماً مكبر الصوت وبوقاً وما يشبه الطبل للفت النظر وإسماع مَن لا يريد أن يسمع.
قال رئيس النادي العربي الأميركي علي بري: هؤلاء بعض المحررين والعاملين الذين صرفوا من العمل في هذه الصحيفة، عندما عقدت شراكة على مستوى الإدارة والاعلانات مع الصحيفة الأخرى المنافسة هنا، قبل أربع سنوات..
هذا يعني أنهم منذ أربع سنوات في الشارع؟!
قال مدير التحرير ذو الأصل الزنجي، وهو طويل القامة، وسيم الطلعة، مشذب اللحية، ومتذوق للنكتة: لقد اتفقوا من فوق، وترك لكل صحيفة أن تواصل الصدور بأسرة تحريرها ذاتها، ومن دون أي تعديل في سياستها. الوحدة في المال، ولا بأس من شيء من الاختلاف في السياسة. الاعلانات تحكم!
لم نلمس أي قدر من التعاطف مع المضربين المزمنين،
قال زميلنا محمد العزير، الذي يخوض الآن مع شريكه نهاد الحاج، تجربة الانتحار أو الانتصار بالصحافة عن طريق إصدار مطبوعة »العربي الأميركي«:
إنهم بضعة أنفار… يتجمعون كل يوم في مقهى قريب، يشربون بعض أكواب البيرة، ثم »يتمشون« ليقفوا تحت نوافذ المديرين الكبار في الصحيفة، يطلقون الهتافات الغاضبة، ويقرعون طبلهم، وينفخون في قربة مقطوعة، إلى أن تكل سواعدهم فيتفرقون بهدوء. يعرفون أن لا أحد يسمعهم، وأن لا أحد سيلبي مطلبهم، وأنهم بالتالي لن يعودوا إلى الصحيفة.. مع ذلك يواصلون احتجاجهم الذي بات أشبه بالظاهرة أو بالتقليد اليومي! هم أحرار، و»الشركة القابضة« التي تسيطر الآن على الصحيفتين حرة، وكل الأميركيين أحرار، في البلد الذي واجهته تمثال الحرية.
ودعنا وخرجنا. سلمنا البطاقات الحمراء التي تفيد بأننا ضيوف لضابط الأمن عند المدخل… كان أمام الباب الخارجي عدد من العاملين والعاملات يمارسون حرية التدخين في الهواء الطلق، إذ ممنوع التدخين داخل مبنى الصحيفة، وأي مبنى،
وفي الجانب الآخر من المبنى كان »متظاهرو كل يوم« يرفعون أصواتهم بالاحتجاج، ممارسين حرية الصحافة شفهياً، وفي الشارع، من دون أن يخافوا الشرطة أو… تلبية مطالبهم المعتقة!

فارس لا يشق له غبار!
لا يفيد التردد إلا في تأكيد الرغبة..
والرغبة حريق، والتردد هشيم تشعله إشارة، لمسة أو مجرد نظرة حانية.
خطوة إلى الأمام، والأمام سرير أوسع من مدى القدرة على امتحان الذات،
خطوة إلى الخلف، والخلف كنبة أصغر من أن تتسع للبراءة،
الجلوس غواية، والستارة المسدلة بطاقة دعوة،
أما الحديث فلا ينتظم له سياق، تماماً كما الشعر الذي تتهدل خصلاته فتمتد اليد لتعيده عبثاً إلى سوية ما،
دائماً أنصاف جمل بكلمات معابثة،
تحاولين احتجاز المعنى فيمتد الصمت بساطاً أحمر!
آه من الأحمر!
لماذا كشفت عن جرحك اليوم فارتديت دمك بغير حجاب؟!
قال لنفسه ساخراً من نفسه: لست ثورك، سيدتي!
سقطت الذرائع المدعاة في فنجان القهوة السوداء فذابت ولم يتبق فوق السطح غير دوائر فراغ تهسهس بحنين الغربة.
والحنين خوف يموّه نفسه باستكمال ما لا يكتمل إلا بك.
قالت: جئت أستعين بك لأجد نفسي!
قال لنفسه: هنا، والآن؟! ولماذا أنا بالذات؟!
الغربة حصن. الغربة حصانة. الغربة أيضاً حصان. هيا، امتط حصانك أيها االذي طالما ادعى أنه فارس.
استذكر من كتاب القراءة: فارس لا يشق له غبار!
كيف يشق الغبار؟!
كيف هنا، والآن، في أرض الثلج والضباب والخيبة، يستطيع هذا الصحراوي الأبجر أن يشق الغبار الذي يغطي عينيه ونواياها؟!
وفي الثوب شق، بل شقان، لكل ساق شقه..
كيف هنا والآن يستطيع أن يرتق شقوق الثوب؟!
لا يطيق أن يكون محاصراً. والشق لا يتسع باباً للخروج.
طرق الخادم الباب. انطفأ الحريق، وأمكنه أن يخرج من السقف، بينما قبعت تأكل دمها في الفسحة بين السرير والكنبة!

قصص مبتورة
قالت ملتاعة: ممنوعة أنا أن أكون امرأة! كيف من دون الحب ومن خارجه أغدو امرأة؟!
قال: حتى الرجل ينتظر الحب لتكتمل رجولته..
لن أمضي عمري على رصيف الانتظار. قاتلكم الله! تسعون خلفنا لتؤكدوا رجولتكم، ثم تتركوننا لأنوثتنا التي يلغيها غيابكم؛ وتذهب بذهابكم..
تولد المرأة في قلب الرجل. يولد الرجل في قلب المرأة. الأجساد كثيرة، النساء قليلات، الأجساد كثيرة، الرجال قليلون!
صاحت مغضبة: متى يجد القليل قليله؟
* * *
أشتاقك وأنت تنساني. أفضل أن أبقى عاشقة بلا حبيب من أن أكون شجرة خريفية عجفاء، لا زهر فيها ولا ورق ولا ثمر، غارقة في ضباب ثلجي حتى لا تطعم أحداً ولا تمتد إليها يد..
ربيعك في عينيك، وربيعي خلف النسيان. هيا نصنع المطر!

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
أنظر حبيبك في عينيه. أنظره في كل جسده. لا تأخذ لنفسك وتبقيه خارجك. أعجب ممن في ذروة الوجد يهرب إلى التخيّل. يغمض عينيه ويسافر إلى البعيد تاركاً حبيبه ينتظر… والانتظار ولادة شكوك، والوحدة جلاّبة أحزان. ابعد نفسك مع حبيبك وفيه، ابعد حبيبك فيك. حبيبك أجمل من خيالك فخذه كله واعطه كلك..
شش

Exit mobile version