طلال سلمان

هوامش عن النفاق اللبنان يفي الموسم الجديد!

عن النفاق اللبناني في الموسم الجديد!
لأن محاكماتنا للناس والأحداث عاطفىة وليست عقلانية، فان أحكامنا تسقط خارج السياسة ومنطقها العملي البارد.
لا وسط: فالحاكم إما إله معبود، وإما شيطان رجيم.
والمعارض إما قديس كل ما يقوله ويفعله ويلمسه مبارك، وإما انه متآمر شرير ومخرب هدام وهو مبين.
فالمعارض مشروع حاكم فشل في الوصول.
لو انه وصل لصار »إلها« ولركع الناس أمامه خاشعين.
ربما لذلك هو يطالب الناس بحقوق الحاكم عليهم، حتى وهو في موقع الاعتراض عليه: انه الأَولى بالبيعة!
نادرا ما نستخدم »التحليل« في فهم الواقع السياسي… ولعل بين ما نفّرنا من التحليل ان كثيرين ممن سبقوا اليه لم »يترجموه« بل نقلوه حرفيا من واقع آخر، هو بالضرورة اجنبي. وتختلف درجة الجدية فيه باختلاف لغة الناقل، وهل هي الانكليزية أم الفرنسية.
كل حاكم جديد هو فرصة أخيرة مع القدر: نسقط عليه من قبل ان نعرّفه بمطالبنا ومطامحنا وآمالنا جميعا. ثم نقبع في انتظار ان يجترح وحده، من دوننا، بل وفي غيبتنا، المعجزات. دائما نتوقع حلولا لمشكلات محددة وموصوفة من خارج دائرة العقل والقدرات الفعلية، من خارج التعب.
من الامل المطلق الى اليأس المطلق فوق جسر ثخين من النفاق او من التوهم، ومن التنصل من المسؤولية.
الانسان ملغى، فرداً وجماعة.
وفي غياب الانسان تندثر الحقيقة وتسود الأوهام.
ونحن ننتقل في الجلسة الواحدة من النقيض الى النقيض بغير ان ترمش عيوننا: نبدأ بامتداح الحاكم الجديد، فنسقط عليه من تمنياتنا الأسماء الحسنى والصفات الاسطورية والقدرات الخارقة، ونحمّله الوزر كله… ثم تدريجيا، وعبر استعراض المصاعب، نسحب عنه ما أسبغناه عليه من مؤهلات استثنائية فيبدو عاجزا مثلنا، ولا يتبقى له منا غير الإشفاق، هذا اذا كنا متعاطفين معه، ومسلّمين بحسن طويته وبرغبته في الاصلاح.
فجأة نكتشف أنه مثلنا،
وننسى أننا مصدر قوته او علة ضعفه، واننا بقدر ما »نحضر« نؤثّر، فاذا ما غبنا فقدنا حقنا في الاعتراض.
وانها لمأساة ألا يكتشف شعب من الشعوب وجوده إلا عبر سلطان قائد!
في اي حال، فقد أكد اللبنانيون، على هامش انتخاب الرئيس الجديد، أنهم لا يقلون نفاقا وتزلفا عن اي شعب آخر من شعوب العالم الثالث، حيث تتهاوى الفروق عموما بين الحاكم والإله الوثني!
لقد ارتفعت لافتات وشعارات بجمل مسبوكة وكلمات مدوية تبز ما يُرفع في بلاد اخرى لمناسبة »عيد الجلوس«، او اكتشاف صحة انتساب »الفاروق« الارناؤوطي في مصر الفرعونية الى العترة النبوية الشريفة!
من له اعتراض على »العسكر« امتدح مجد »العائلة«،
ومن عنده الحرص على الدولة ومؤسساتها أشاد بمزايا الفرد المفوض صلاحيات الخالق!
خرج الحزبي من حزبيته، ووقف خارج عقيدته ليدعو الى نقيضها!
ونسي النائب انه »ممثل للشعب«، وانه »مشرّع«، وانه »حارس للديموقراطية«، فتصدّر تظاهرة المبايعة لكي يكون أول الواصلين.
خلع رجل الدين ثوبه المقدس وذهب بالبخور الى الحاكم، تاركا صور الأنبياء والقديسين في فراغ الصمت والهجران، لأنها لا تملك ان تؤاخذه على غيابه، كما هي لا تملك ان تكافئه على حضوره.
اختلط الصادق بالدعي، المنافق بالمزور، السمسار بالمحب، ومشت التظاهرة المزركشة في الاتجاهات الاربعة.
كل ذلك والرجل الصامت ما زال صامتا، يرى ولا يُرى، يتأمل، فتأخذه الدهشة وهو يسمع المدائح من شتّامي الأمس، ويتلقى الورود ممن زرعوا طريقه قبل أيام بالشوك والأفخاخ، ويتزاحم عند بابه أولئك الذين يرون في أنفسهم كفاءة مفتقدة فيه ويحاولون حمله على أكتافهم، بل وربما على رؤوسهم.
النفاق مفسدة الحكام!
كيف سنحاسب غداً من أسبغنا عليه صفات العصمة هذه؟!
من بقي متمسكا بقدر من النزاهة يخوله حق النقد او الاشتراط الصريح: نقبل منك الصح ونطالبك به، ونرفض منك الخطأ ونؤاخذك عليه!
لعلنا تأخرنا عن الموكب، فلنرجئ الفلسفة الى ما بعد، ولنتقدم الى حيث يرانا مَن بيده الأمر، وليذهب الصدق في إجازة!

فاطمة الجاسم تكشف المهزومين..
»فاطمة الجاسم« هي الآن القضية!
انها طفلة من أقصى عكار، أساء مخدومها معاملتها، فعذبها وزوجته تعذيبا شديدا كاد يودي بحياتها.
تسيل أعمدة الصحف بتصريحات الاستنكار… وتستحضر المؤسسات الدولية والاقليمية والمحلية التي تتاجر بالطفولة فتجني من تجارتها الأرباح اضافة الى الوجاهة، نفسها، فتعقد الاجتماعات وتصدر البيانات وتطالب بأقسى العقوبات، ولولا شيء من التحفظ لطالبت بنصب المشانق!
آلاف آلاف الأطفال في سوق العمل، يهانون، يُعذَّبون، يجوعون، يُضرَبون، يُكوَون بالنار، كل يوم، وفي أربع رياح الارض اللبنانية… لم نكن نراهم، ولم نكن نعترف بوجودهم، وقد استحضرتهم اليوم، فجأة، فاطمة الجاسم.
لكأننا نعيش مخدرين.. ننظر فلا نرى، ونتجول بين الناس فنظل خارجهم، ولا نعرفهم او نتعرف إليهم حتى تقع الواقعة فنفيق الى غربتنا عن واقعنا.
صدمتنا الحقيقية فجأة فانتبهنا الى ان أطفالنا يُرمون في سوق العمل قبل السن القانونية، وخارج الشروط القانونية، بل والانسانية؛
في الكاراجات ومواقف السيارات وورش الميكانيك والمطابخ والأفران والمطاعم.
أما في البيوت فثمة اضافة الى الاطفال الخدم الذين لا يلقون معاملة أفضل.
على أن ما استوقف الناس، ربما اكثر من الوقائع المؤلمة، ان يتبرع رجل من أثرياء النفط بدفع نفقات علاج فاطمة الجاسم، بالغة ما بلغت!
وتساءل الناس: كم في قصر ذلك الثري من الخدم الذين يباشرون السهر على راحته، وتلبية مطالبه الحلال والحرام، ويباشرون خدمته منذ لحظة الميلاد وحتى نهاية العمر، حين يورثون أبناءهم »أمجادهم« الصغيرة؟!
إننا شعوب قاصرة، شعوب لم تحقق ذاتها، فأخذت تبحث عن تعويض لكراماتها المهدورة، لشعورها المكين بالهزيمة، فوجدتها في سحق كرامة من هم أضعف وأفقر منها.
بين المستنكرين ما أصاب فاطمة الجاسم، من يحتشد في بيته عشرات الخدم، من كل الاعمار والاجناس.
وربما لأننا مهزومون فاننا لا نستطيع ممارسة تجبّرنا، والتعويض عن كرامتنا المهدورة إلا بسحق الآخرين، الأضعف منا، وإذلال الأدنى مرتبة، وتحقير المحتاج الى قروشنا.
وفي لبنان على وجه التحديد، في زمن عز الدولار، نتمتع الآن بإذلال شعوب عديدة تمتد خارطة انتماءاتها من المغرب الاقصى الى بنغلادش، ومن قلب افريقيا الى اقصى حدود »الاتحاد السوفياتي« العظيم السابق، بمختلف شعوبه.
إننا نمارس تكبّرنا وتجبّرنا وعقدنا على مجموعة من شعوب العالم، بينها نسبة كبيرة من »إخواننا« العرب: السوداني، المصري، الجزائري، العراقي، التونسي، اضافة الى الفلسطيني والسوري طبعا،
ولأننا لا نستشعر اننا »سادة« حقا، فان مصدر »السيادة« ان نسحق الآخرين.
اننا نهدر كرامة الآخرين، من دون ان نعوض كرامتنا المهدورة.
وليست فاطمة الجاسم وحدها بحاجة الى علاج، بل الشعب اللبناني برمته.
وعلاجنا في السياسة كما في الاقتصاد، وفي التربية كما في الثقافة العامة.
من يعيد إلينا إنسانيتنا؟!
من يرفع عنا عار الهزيمة الذي يجعلنا سفّاحين مع الضعفاء وأذلاء في حضرة الأقوياء.
إن كلا منا يسحق الآخر،
فمن أين تجيء القوة، ومن أين يمرق الغد الأفضل؟!

قصص مبتورة
قالت: ألا تعرف ابنتي؟
رد بنفاق آلي: ما شاء الله… ظننتها أختك!
همست الابنة في سرها: غبي! خسرني ولم يربحها!
وقال هو في سره: ليس أغبى منها الا ابنتها التي تفترض ان جمالها لا يتجلى إلا بدمامة والدتها!
مشدودة كمن تخاف ان تنفرط..
مشدودة الشعر الى أعلى لعلها تبدو أطول،
مشدودة الصدر الى خارج، ليتأكد بروزه في تلك الارض الممطوطة،
مشدودة العجيزة نفياً لتهمة السمنة،
مشدودة الساقين بالحذاء الذي تريده ان يرفعها فما رفع،
مشدودة الكلمات سعيا لإثبات أهمية ما لا يهم أحدا..
من أين تمرق اليك العيون؟
وكيف يصلك ذلك الفضولي الذي يستمتع بفك الحبال وفتح أبواب الأقفاص للعصافير المأسورة؟!
* * *
ظلت تسأله وتسبقه الى الاجابة حتى أخذه النعاس منها.
هزته بعنف: أتنام في حضرة أنثى؟!
لم يرد، فأخرجت مرآتها لتطمئن على زينتها، قبل أن تعود إليه معتذرة: والآن ليتحدث فيك الرجل!

تهويمات
} تأخذينني بالصوت، وآخذكِ بالنظر.
تتسع المسافة فلا تطال اليد ذؤابات الخيال.
ونظل على مفترق الاحتمال ننتظر صدى الصمت وإغفاءات العيون.
} جاء مطر الخريف..
ها أنت تنهمرين عليّ من علٍ،
وأنا أحاول اعادة تشكيل جسدك الذي يمتلئ به الهواء، ولكنه لا يكتمل خارج وحل الشهوة.
أغسل رغبتي بمطركِ فتمشين في الطرقات عارية، فيعرف الناس أنك قد وصلت، وانه زمن البدايات المثقلة بالصعوبة.
} الى أين تأخذين عيون الرجال الولهين؟!
لقد صار بيتك متحفا،
ولكنك حيث أنتِ، في الخارج،
والعيون تصير زجاجا باردا، مثل وجهك المسكون بالكهولة والذي يحاول بغير نجاح أن يبني مستقبلا بماض لن يعود.
} قرأتكِ على أرض الحديقة.
كانت أوراق شجرتك تتعلم باسمك الكتابة،
وكان الخريف يصبغ الدنيا بألوان الحب الوردية.

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
الحب ينشر السعادة من حوله كهالة من نور. خلف إشراقة الوجه قصة حب، في العينين الدامعتين بفرحة اللقيا، في العنق المشرئب لهفة، في اليد المرتعشة وهي تمتد الى كوب العصير..
انظرْ الى أي محبَين في الشارع او في المقهى.. تجدِ الناس يحيطانهما بابتسامة فرح ويتابعانهما بكثير من الغبطة.
الحب ليس مُلكا خاصاً.
إنه ينتشر ليصيب كل منه نصيبا.
حبك يخص الناس. يوصلك اليهم ولا يعزلك عنهم.. وهم يعطونه فيزيد، ويأخذون منه فيصير طوفاناًً!

Exit mobile version