طلال سلمان

هوامش تداعيات في لحطة التجدد

تداعيات في لحظة التجدد ..
إنه موسم الفيضان، فانثر نفسك رقاع دعوة، وليأتِ إليك كل من تحمله في وجدانك أو يحملك في قلبه. الفرح همّ الناس، فادعُ إليك فرحك!
قف في الظل، وانظرها تمتشق شبابها وتطل عليك من شاهق.. وجرّب التحليق نحو السعادة بجناحي حبك المتدفق نهراً من ضياء الآن، كهذا الذي ينشره بخفوت جليل القمر البقاعي الذي أحنى الجبل هامته ليتوّج كبرياءه به.
لم تعد تستطيع أن ترقى إليها، ولست تحب أن تهبط إليك.
لكن الظل يقصر عنك فلا يحتويك. افرد ظلالك إذاً وخيّم فيها.
فليذهب التحفظ في إجازة. إنه موعدك المرتجى فلا تزعجه بالسؤال.
لا تتسلق العقول هضاب الرغبات ولا تستطيع النفاذ إلى مسارب العواطف. لا تنظر خلفك فتتعب. لا تنظر إلى داخلك فتخاف. انظرها أمامك فتطمئن. هي الأمام فلماذا تهرب من امتحان الجدارة بأن تكونك بعدما كنتها لزمان طويل.
يصير الغصن شجرة. يصير العش طيوراً. تصير أنت غيرك.
أنت لست أنت، أنت هم. لكنهم ليسوا أنت. يبتعدون عنك إلى حد التماهي فيك، وتبحث عنهم خارجك وهم الداخل. ألست تعرف حدودك فيك؟
أبيض هو الثوب. أبيض هو القلب. أبيض هو ليل الياسمين.
* * *
امتلأ الجدار بصور الخروج، فلماذا لا تنتشي بأن الواحد قد تعدد فصار مجموعاً؟
تبحث عن نفسك في الظلال وأنت الأصل، فكيف يطلب الصوت صوته من صداه؟!
تقفز الأحلام من الوجدان فتمشي أمامك على الأرض، مثقلة بالنشوة، وترف بأجنحتها واعدة باقتحام سماء التمني واختراق قدريتك الساذجة إلى الفعل.
ملعون من يقص أجنحة الفجر ليغرق الآخرين في حمأة تكرار ما لا يتكرر!
عليك أن تعترف بالحدود الآن: ليس كمثلها أحد. ليس أحد كمثل أحد. لكلٍ أحده الذي لا يتكرر في غيره.
الماء ليس النهر، وإن كان منه.
وليست النجمة الفضاء حتى لو امتلأ بها.
* * *
هيا اصرخ فرحك الموجوع ببلوغه الذروة!
يشغل بالك الغد. تقول في نفسك: غداً يسود الهدوء. غداً يجيء وجع الصمت. غداً يدوي الفراغ في جنبات القلب والغرف التي لا تجد من يزخمها بفوضى الأشياء والرغبات المتبدلة آناء الليل وأطراف النهار.
غداً؟! ولكن الغد أمامك، فيك، خلفك، فوقك، تحتك، فانظره ينظرك. لماذا تنتظر على باب الزمن المهجور موعداً لم يطلبك؛ وتنسى موعدك؟!
المكان ضيق لا يتسع للتمني.
الوقت ضيق لا يتسع إلا للبدايات الجديدة.
لكن الفرح فسيح الجنبات، وليس له مدخل مسدود بالحرس.. لماذا تهرب منه إلى قلق السؤال بينما الأجوبة ملء السمع والبصر؟!
ليل الفرح طويل يتسع لذكريات الطفولة الشقية! فامضِ مع المقارنات حتى تبلغ ذروة البهجة!
اهدأ قليلاً، لماذا تصر على أنك مطالب بتغيير الكون؟!
* * *
هل يتسع لي وقتك، يا سيدي القاضي؟!
إنه موسم الفيضان، فافتح لي بابك، حتى وأنت مزدحم الأذنين والوجدان بحكايات عجاب عن هذا »العالم الأصغر« الذي لا حدود لطرائفه ومآسيه وإبداعاته وتذبذبه على التخم بين جنون الفرح وجنون الحزن.
اقبلني مدعياً ومدعى عليه وشاهداً ومتهماً، حاكماً ومحكوماً، حائراً ومحيراً، بريئاً حتى أقصى حدود الظلم ومظلوماً حتى أقصى حدود التطهر!
هل تنظر، يا سيدي، في الشكوى ضد الطبيعة شمسها وقمرها، نجمها والورد، وضد ألوان الشقاء جميعاً، وهي أكثر سطوعاً وشفافية من ألوان الطيف، ضد الوحدة في دوامة عمر يمتد عرضاً ويتناقص طولاً، ضد الاكتمال بالانفعال وارتطام الحلم بالوهم وتكامل مثالك خارجك؟!
سيدي القاضي: انك من فتح الكوة ليدخل الشجن مقتحماً اللحظة المدخرة لتمام البهجة.
إنك تصر على أن نستعيد معاً صور الطفولة الشقية، حين كنا نختلس الابتسام كما نختلس مصروف الجيب واللفافات المحرّمة… وحين كان يهدهدنا حتى يهدنا نشيج المرأة الطيبة كالله والتي لا تملك حق الشكوى.
غريباً، عاش واحدنا، تتقاذفه المصادفات ويحدد مساره خط الفقر، فلما اهتدينا إلى باب المعرفة كنا قد بتنا عاجزين عن إعادة توظيفها في نسج علاقة جديدة مع الحياة.
هل جاء زمن التعارف متأخراً عن موعده، سيدي القاضي؟!
لعلنا كنا مشغولين على الدوام فنسينا أن ننتبه إلى أثر الزمان فينا وفيهم… تركناهم مع الزمان وتركونا له.
سيدي القاضي: هل أنا المطرود من جنتي أم أنا حارس الجنة؟! لم أعد أعرف ولست ألوم، ولست أشكو إلا خوفي. أنتم هنا توزعون الطمأنينة والمقسوم، وزعني يا مولاي، قسّمني نتفة نتفة وانثرني رقاع دعوة إلى العمر الذي يجدده الفرح.
* * *
للقمر مواعيده: يتناول الدف، ينقر عليه، ثم يتقدم الموكب راسماً للفرح مساره بالضياء الناعس المضمخ بنسيم بقاعي، يظل جافاً حتى يجيء الناس فيرق حتى تعمر به صدورهم فيستحيل شجنهم غناءً كالصهيل!
* * *
أتعبني الشعر، فلما كتبتك أتعبته.
لو أنني بعيد لأحببت أكثر.
لو أنني قريب أكثر لاحترقت.
لو أنك أضعف لهزمني التحدي.
لو أنني أنت لضاع من يدي عمري.
حاولت ففشلت في أن نكون اثنين.. وتقبلت قدري في أن أمضي عمري أستنقذ نفسي من نفسي.
لم نجرب مرة أن نقبل الانقسام: سبقتني إليك دائماً أفكاري وأخذتني منك دائماً قصائدك، فلا أنا قدرت فحققتك كما تريدين ولا تحققت بك كما أريد.
»الأولى آه، الثانية آه، الثالثة آه،«
نزرع الأفق بالآهات.
تزوقت الأرض بلون عينيك، وارتدت اسمك تحية لمن تباشر ربيعها الثاني ندية الشموخ، عميقة الوفاء للناس الذين يصنعون فرح الأرض.
رقصت الإرادة مزهوة بسيدتها التي استولدت من صباها صبا للجميع.
كفى ثرثرة، سيدي القاضي، سأترك »روى« تكمل ما نقص في الكلام، وفي الفعل، وفي العمر الذي توزع أعماراً وما نقص.
لفرحنا الآن اسم، سيدي القاضي.
لفرحنا اليوم موعد، سيدتي الجميلة.. إلى اللقاء.

قصص مبتورة!
} كانت متعجلة جداً، وغلبتها الثرثرة، فامتدت جلسة الاعتذار سنة قصيرة، ونسيت، في غمرة ارتباكها لقصر الوقت، أن تبلغه أنها تحبه!
} لم يجد من يهتم به، فالتفت الى أقربهن إليه وقال:
بعض النساء يستمتعن بتوزيع الشبهات على أكبر عدد ممكن من الرجال، ثم يجلسن مسترخيات وينسجن المطالعات في نفي العلاقة وتأكيد إخلاصهن للأزواج الغائبين…
ردت وهي لا تراه: إلا هذه، فهي تصر على توزيع الشبهات مع ابتسامات زوجها الحاضر كشاهد يُرى ولا يرى!
ثم سحبته من يده لتعرف الغريب على الغريب منصرفة الى الزوج المشدوه!
} بعد الكأس الأولى قالت: عاشق الصوت هو الخائب!
بعد الكأس الأولى قال: عاشق الوجه هو المصدوم!
بعد الكأس الثانية قالت: ليس أجمل من وجهي إلا صوتك!
} حين تورّط بالدخول إلى ذلك المقهى اكتشف انه إنما قد بات في قلب الشيخوخة، وكاد يطلب عصا يتوكأ عليها!
قال دليله: آتي إلى هنا كل يوم لأجدد شبابي!
وتمتم في سره: لو أن النظر يجدد الشباب لما كان في الدنيا عجائز.
مد يده إلى نظارتيه، لكنه سرعان ما غيّر رأيه قائلاً لنفسه: لنبدأ بالعيون، لعلها تتجدّد!

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
إن أنت حكمت على الحب من خارجه لاعتبرت المحبين مجانين. الحب لا يوصف، بل يُعاش. إنه ليس عارضاً صحياً، بل هو الحياة.. لكن المحرومين من نعمته يشهرون بنا، نحن المحبين، على طريقة من يشهّر بالورد ويعايره بأنه أحمر الخدين!

Exit mobile version