طلال سلمان

هل يستعيد العرب اليوم ثورتهم؟ السعودية والامارات و”التحالف” مع اميركا واسرائيل

لسنا في الخمسينات من القرن الماضي، مع أن الكثير من العرب يتمنون لو يرجع الزمن إلى الخلف، لان لا أمل لهم في المستقبل، أقله القريب، بل انهم يفضلون لو تكف الارض عن الدوران حول الشمس حتى لا يتأخروا أكثر فتُنهك ذاكرتهم بأسمائهم وماضيهم واحلامهم التي ادخروها لمستقبلهم.

في الخمسينات توالت الانقلابات العسكرية التي تحول بعضها إلى “ثورات”: كانت البداية في 23 تموز 1952 حين اسقطت “الثورة” فاروق، وريث اسرة محمد علي باشا على عرش مصر..

وفي 23 تموز 1956 اتخذ قائد الثورة في مصر، الرئيس جمال عبد لناصر، قراره التاريخي بتأميم قناة السويس واستعادتها إلى اصحابها، اهل مصر، وسط تأييد شعبي واسع داخل مصر وفي مختلف ارجاء الوطن العربي اشبه بهبة شعبية عارمة تحت شعار استعادة الثروة الوطنية والمرافق التي يستثمرها ويديرها الاجنبي..

وكان رد المعسكر الاستعماري، بريطانيا وفرنسا ومعهما العدو الاسرائيلي أن شنوا العدوان الثلاثي على مصر.. فصمدت مصر عبد الناصر لهذا العدوان وهتف جمال عبد الناصر من منبر الازهر: سنقاتل، سنقاتل، سنقاتل، ولن نستسلم… والتف العرب جميعاً حول مصر، ونسفت انابيب النفط التابعة لشركة نفط العراق البريطانية في سوريا، وملأت التظاهرات الغاضبة شوارع المدن العربية، وهب الآلاف من الشباب العربي للتطوع في الجيش المصري لخوض حرب التحرير.

كانت ثورة الجزائر ضد الاحتلال الاستيطاني الفرنسي فد تفجرت مبشرة بتحريرها بعد أكثر من مائة عام على الاحتلال ومحاولته “فرنسة الجزائريين” واغتيال تاريخهم ووطنهم وحقهم في الاستقلال واستعادة هويتهم الاصلية.

بين 1956 و1958 كانت الحركة الثورية العربية تنجز أحد أبهى الاحلام القومية، فتقوم دولة الوحدة من خلال اندماج مصر وسوريا في الجمهورية العربية المتحدة، وذلك في 21 شباط 1958.

..ولن يتأخر العراق عن الالتحاق بالركب، وهكذا قام الجيش بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم ومعه شريكه العميد عبد السلام عارف بثورة اسقطت العهد الملكي الهاشمي فاعدم الملك فيصل الثاني الهاشمي وخاله عبد الاله ورئيس الحكومة نوري السعيد والعديد من اركان ذلك العرش الذي اقامه البريطانيون واعطوه لفيصل الاول ابن الشريف حسين الذي اطلق الرصاصة الاولى معلنا الثورة العربية الكبرى على الاستعمار التركي، بتحريض من البريطانيين… بعدما كان الوطنيون في سوريا، قد رفضوه وهو يهادن دخول جيش الاحتلال الفرنسي من لبنان وقاوموا دخوله دمشق في معركة غير متكافئة في ميسلون..

ولقد تدخلت دول الاستعمار الغربي بالقيادة الاميركية الآن لمنع انضمام العراق إلى دولة الوحدة (الجمهورية العربية المتحدة) مستفيدة من الانشقاق في الداخل العراقي و”حياد” الاتحاد السوفياتي، مراعياً كون الشيوعيين في العراق يساندون عبد الكرم قاسم في رفض الوحدة.

ولسوف يزداد التدخل الاميركي في المنطقة العربية متخذا صفة الوريث للاستعمارين البريطاني والفرنسي.. وتتوالى مشروعاته للهيمنة: من مشروع جونسون، إلى مشروع ايزنهاور.

على أن نكبة أخرى سوف تحل بالأمة في خريف 1961 متمثلة في اسقاط دولة الوحدة الاولى في التاريخ الحديث بانفصال سوريا عن مصر وعودة سوريا إلى الضياع في مسلسل من الانقلابات العسكرية حتى خريف العام 1970 حين استولى قائد سلاح الطيران حافظ الاسد على السلطة في سوريا، مباشرة بعد أقل من اربعين يوما على رحيل الرئيس جمال عبد الناصر، وانطفاء قناديل التقدم والوحدة بانفجار الصراع بين العرش الاردني والمقاومة الفلسطينية في عمان، ورحيل هذه المقاومة بقيادة ياسر عرفات ورفاقه في المنظمات الأخرى إلى لبنان.

ولسوف تهيمن المنظمات، مستفيدة من التعاطف الشعبي، على القرار السياسي في لبنان… ولسوف يتعمق الانقسام الداخلي والشكوى من انفلات عناصر المقاومة الفلسطينية في الجنوب، فاتخذ العدو الاسرائيلي من هذا الوضع غير السوي مبرراً لاقتحام جنوبي لبنان، بذريعة طرد “قاذفي” الصواريخ، عشوائياً، على الأرض المحتلة، من دون فاعلية تذكر في داخل الكيان الاسرائيلي..

وفي الثاني من حزيران 1982 سوف تتقدم قوات الاحتلال الاسرائيلي لاحتلال كامل الجنوب اللبناني وصولاً إلى بيروت.. حيث ستتم انتخابات رئاسية بإشراف اسرائيلي مباشر وسوف يفوز فيها بشير الجميل برئاسة الجمهورية، بعد استدراج العديد من النواب واستدعاء الغائبين وحجز بعض النواب الحاضرين كرهائن حتى تنصيب بشير الجميل رئيساً في ثكنة الجيش في الفياضية وليس في المجلس النيابي..

.. ومع تفجير مقر بشير الجميل جيء بشقيقه امين الجميل رئيساً متهالكاً، لم يكن ليحلم بأن يكون ذا نفوذ في وجود بشير..


اليوم يقاتل العرب العرب عبر انظمتهم، ملكية بالأساس، وجمهورية، لحساب الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل.

…وتتآمر انظمتهم الملكية والاماراتية على وحدة الامة العربية كما على استقلال دولها،

…وتشتري العسكر في بعض الدول العربية لقمع الثورات الشعبية (نموذج السودان) لأنها تحاول منع التغيير، لأنه أن هو بدأ في الخرطوم فانه سيتمدد حتى عواصم التحريض التي تجتهد لان تشتري ببعض ثروتها ثورات المواطنين الاعداء في مختلف جهات الارض العربية.

اننا نعيش مرحلة الثروة في مواجهة الثورة. الدولار ـ الدينار في مواجهة المعترضين على بؤس الحال، والقمع والقهر والتخلف واسترهان الشعوب بأنظمة عسكرية ـ بوليسية، او ملكية ـ مخابراتية، والكل خاضع للأجنبي (وهو هنا الاميركي، متضمنا بالضرورة، الاسرائيلي..)

وها أن العالم يشهد على التدخل السعودي ـ الاماراتي ضد الثورة في السودان، محاولاً اسقاطها حتى لا تجتاح رياح الثورة البلاد خارج السودان والجزائر..

كما يشهد على المجازر التي يرتكبها هذا الحلف الجهنمي ضد “الاشقاء العرب” في اليمن وتدمير مدنهم وقراهم ومعالم تاريخهم، لأنهم يرفضون هيمنة حلف التخلف المذهب على تحرك الشعوب نحو غدهم الافضل.

Exit mobile version