طلال سلمان

هل يتّعظ نتنياهو من تشرتشل ويتخلى عن “الإمبراطورية”؟

غزة ـ حلمي موسى

اليوم الخامس والثلاثون بعد المئة. تمضي الأيام والتضحيات تتعاظم، وأملنا بنصر شعبنا لا يخفت. ومهما اشتدت الظلمة من حولنا، فإن نور حقنا سوف يسطع قريبا.

***

باتت الخطة المعدّة معروفة، فهي إلى جانب حفظها لماء وجه الإدارة الأميركية الحالية، تشمل قيام دولة فلسطينية تضمن أمن إسرائيل، وتطبيع مع عدد كبير من الدول العربية، مقابل جرائم الإبادة والتطهير العرقي والدم المراق والخراب الذي عاثه الاحتلال في غزّة منذ 7 أكتوبر، وفي فلسطين كلها منذ العام 1948 على الأقل. والمعترض على الخطة: بنيامين نتنياهو!

وفيما يتمسّك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بتكرار شعارات “النصر النهائي”، يعتقد معلقون إسرائيليون أنه يحاول التشبه برئيس الوزراء البريطاني التاريخي، ونستون تشرتشل، الذي قاد بلاده للنصر في الحرب العالمية الثانية لكنه خسر الإمبراطورية.

ومن انتصار “إسرائيل” الذي حاول عدد من الوزراء الاحتفال به بإعلان إعادة الاستيطان في “غوش قطيف” في غزة، تمّ الانتقال سريعا إلى الخطة التي ترعاها واشنطن وتقضي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية مقابل “دمج” دولة العدو في المنطقة وتطبيع علاقاتها مع غالبية الدول العربية. ويبدو أن العالم في واد ونتنياهو في واد، إذ يعلن معارضته “لأولئك الذين يريدون منعنا من العمل في رفح لأنهم في الأساس يقولون لنا إنكم ستخسرون الحرب، ولن أدع ذلك يحدث”.

وفي هذه الأثناء، تتزايد التظاهرات داخل الكيان، ليس ضد طريقة نتنياهو في إدارة صفقة التبادل فحسب، وإنما أيضا من أجل اسقاط حكمه وتقديم موعد الانتخابات.

وكتب يوآف كارني، أن ونستون تشرتشل لم يتحدث في ربيع العام 1940، عن “اليوم التالي”، بل انتظر الخلاص الأميركي، الذي جاءه وإنّما كان له أثره: نهاية الإمبراطورية البريطانية. ففي خطابه أمام مجلس النواب البريطاني في 13 أيّار 1940 قال تشرتشل: “أنت تسأل ما هي سياستنا. سأجيب: منع الحرب، في البحر، في البر، في الجو، بكل قوتنا وبكل القوة التي يمكن أن يمنحنا إياها الله؛ منع حرب طغيان وحشي، لا مثيل له في مجمل المجموعة الحزينة والقاتمة من الجرائم الإنسانية.”

أضاف الكاتب أنه في حزيران 2013، وزع المكتب الصحافي الحكومي صورة لبنيامين نتنياهو أثناء رحلة إلى بولندا، مع مجلد كبير عن السيرة الذاتية لتشرشل موضوعا على حجره. وفي شباط 2017، قال نتنياهو لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي: “خلف مكتبي هناك صورتان، واحدة لهرتسل والأخرى لتشرشل”.

وفي 14حزيران العام 2021، كان العنوان الرئيسي على موقع “القناة 14” “بنيامين نتنياهو هو ونستون تشرشل اليوم”.

وبحسب يوآف كارني لم يقدم تشرشل أي قصص نجاح.، وهو في الواقع فشل في مناصبه كلّها حتى أصبح رئيساً للوزراء. وفي الخطاب المذكور أعلاه بتاريخ 13 أيّار 1940 قال “أنتم تسألون ما هو هدفنا. أستطيع أن أجيبكم بكلمة واحدة: النصر، النصر بأي ثمن، النصر برغم كل المخاوف، النصر، الطريق إلى الأمام ستستمر. ستكون طويلة وصعبة ولكن بدون النصر لن تكون هناك حياة.”

و تساءل كارني “هل تعرف رجل سياسة يمر بأزمة ولم يرتدي بزة تشرتشل؟ دعونا نتذكر كيف ضحى تشرتشل بالإمبراطورية البريطانية من أجل إنقاذ الوطن الأم الصغير. وهذا ما طالب به الرئيس الأميركي. وكانت اللحظة الحاسمة: تشرشل وروزفلت يغنيان “إلى الأمام، جنود مسيحيون على متن سفينة حربية بريطانية”.

وخلص إلى القول “لكن أخوة الجنود المسيحيين لم تكن عملاً من أعمال الخير. لقد حشد روزفلت كامل موارد بلاده، لكنه لم يكن مستعدًا للقيام بذلك لاستعادة الإمبراطورية البريطانية. كان الهدف المعلن هو نهاية الإمبراطورية التي انتشرت على خُمس سطح الأرض. وقد دفع تشرشل، الإمبريالي بامتياز، ثمن ذلك. وكانت مهمته إنقاذ الوطن الأم الصغير، حتى لو اضطر إلى التضحية بالهند وآرام نهاريم ونيجيريا وشرقي إفريقيا.”

فهل هذا هو ما سيفعله نتنياهو، المعجب بتشرتشل، مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي قررت إنقاذ “إسرائيل” من حكمها اليميني والسعي إلى دمجها في المنطقة من خلال اتفاق سلام يقوم على حل الدولتين ويضمن لها أمنها؟

فهذا هو ما يحاول بايدن ووزير خارجيته تحقيقه بعد 7 أكتوبر. وبرغم أن محاولات تطبيع العلاقات مع الدول العربية، وخصوصا السعودية، كانت سابقة للحرب، إلا أنها تعاظمت بعد ربطها بفكرة حل الصراع العربي الإسرائيلي.

وقدّ علق وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أمس (السبت)، في مؤتمر ميونيخ الأمني، على فرص التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وبين السعودية، في ظل الحرب وقبل انتخابات 2024 في الولايات المتحدة، قائلا إن “إسرائيل ستحظى خلال الأشهر المقبلة بفرصة غير مسبوقة في ما يتعلق باندماجها في الشرق الأوسط. فكل الدول العربية تقريبا تريد الآن دمج إسرائيل في المنطقة وتطبيع العلاقات معها”. 

وأكد بلينكن أنه من الضروري الترويج لإقامة دولة فلسطينية تضمن أيضًا أمن إسرائيل، مشيرا إلى أن “الجهود جارية بقيادة الدول العربية لإصلاح السلطة الفلسطينية”.

وأوضح بلينكن أن “الأمر الأكثر إلحاحاً الآن هو التوصل إلى دولة فلسطينية. على المدى القصير، سوف يضمن ذلك أمن إسرائيل، ولكن على المدى الطويل، فإن المسألة مختلفة وتتضمن ترتيباً طويل الأمد”.

وبعد تجميد الاتصالات بشأن اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية جراء حرب 7 أكتوبر، أفادت وكالة “رويترز” أن الرياض ستكون مستعدة للاكتفاء بمجرد وعد سياسي إسرائيلي بإقامة دولة فلسطينية – من أجل التوصل إلى اتفاق تحالف دفاعي مع واشنطن قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل.

وأوضح مسؤولون إقليميون أن الرياض ترغب في تعزيز أمنها على خلفية التهديدات الإيرانية، حتى تتمكن من المضي قدما في خطتها الطموحة لإحداث ثورة في اقتصادها من شأنها أن تؤدي إلى استثمارات أجنبية كبيرة في المملكة. ومن أجل خلق مجال للمناورة في المفاوضات مع إسرائيل، وإعادة المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن التحالف الدفاعي إلى مسارها، أخبر المسؤولون السعوديون زملائهم في واشنطن أن الرياض لن تصر على أن تتخذ إسرائيل خطوات ملموسة لإقامة دولة فلسطينية، وستكتفي عوضا عن ذلك، بالحصول على التزام بحل الدولتين.

وبحسب تقارير إسرائيلية، كان الهدف الأساسي من حضور بلينكن إلى ميونيخ هو عقد مؤتمر مع وزراء خارجية الدول العربية المشاركة كافة لمناقشة مبادرة السلام التي تريد الولايات المتحدة الترويج لها بشكل عاجل، ولكن تطبّق على مراحل، من أجل الاستفادة من الفرصة المتاحة، وتسوية مسألة الأسرى ولو بخطوط عريضة.

وتسعى الولايات المتحدة جاهدة إلى تعزيز علاقات إسرائيل مع العالم العربي، وخاصة السعودية، من ناحية، ومن جهة أخرى إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي ينبغي إقامتها على أساس الخطة.

وشارك في الاجتماعات مع بلينكن وزراء خارجية كل من مصر والأردن والسعودية والإمارات، كما انضم إلى بعضها وزراء الخارجية الأوروبيون ورؤساء الاتحاد، الذين يمكن أن يقدموا ضمانات للتسوية.

وبالرغم من أن كلام بلينكن، وما نشرته الصحافة الأميركية عن خطة تتم بلورتها مع دول عربية عدة لصفقة إقليمية، إلا أنّ العائق الأساس مازال نتنياهو وحكومته اليمينية التي ترفض أي تحرك نحو حل الدولتين، مما يعني أن احتمالات فشل الجهود الأميركية قائمة.

وهناك اعتقاد بأن الولايات المتحدة، ومعها دول أوروبية عدة، ستبدأ في اتخاذ خطوات تقييدية تُشعر إسرائيل بوجوب التعاطي مع “الإرادة الدولية” وأن ذلك يصب في مصلحتها. وبالإضافة إلى تقييد تصدير الأسلحة من أوروبا لإسرائيل، كشفت صحيفة “معاريف” النقاب عن صفقة ترسل واشنطن بموجبها ذخائر للجيش الإسرائيلي، مقابل تعهد بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية.

يذكر أنه قبل أيام، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، أنّ إدارة بايدن تسعى مع خمس دول عربية إلى إعداد خطة شاملة تتضمن قيام دولة فلسطينية لتحقيق “سلام طويل الأمد بين إسرائيل وبين الفلسطينيين” تبدأ بإعلان وقف إطلاق النار في غزة لمدة ستة أسابيع وتبادل للأسرى. وتأمل الدول التي تعمل على الخطة عرضها في مؤتمر ميونخ الأمني.

وتتضمن الخطة، وفق ما أوردته الصحيفة، جدولاً زمنياً لإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وإخلاء مستوطنات في الضفة الغربية، لكن ذلك كلّه مرهون بإتمام اتفاق لوقف إطلاق النار يتضمن صفقة عاجلة لإطلاق المحتجزين في قطاع غزة، يتم التفاوض بشأنه بين كل من الولايات المتحدة وقطر ومصر. وتقول الصحيفة إن من المطلوب أن يتوقف إطلاق النار قبل شهر رمضان.

وقد تجددت التظاهرات المناهضة لحكومة نتنياهو مساء أمس (السبت) في مراكز عدة في تل أبيب، وبالقرب من مقر إقامة رئيس الوزراء في القدس المحتلة، وفي كل من قيساريا وحيفا وكفار سابا ورحوفوت وبئر السبع.

وقال موشيه ريدمان أبوطبول، أحد قادة الاحتجاج، إن “أولئك الذين يمنعوننا من إلقاء الخطب والتعبير عن مشاعر ومواقف غالبية المواطنين الإسرائيليين، يعتقدون أنهم سوف يرضون الحكومة الافتراضية التي جلبت لنا جميعا الفوضى، وكارثة أمنية واقتصادية غير مسبوقة. الآن تحظر الخطابات، وفي المستقبل غير البعيد، سوف يسجنون الناشطين الشعبيين والمعارضين. كلها خطوات تشير إلى أين تريد هذه الحكومة الرهيبة أن تأخذنا، ولكن إسرائيل لن تكون روسيا”.

Exit mobile version