طلال سلمان

هل يتحمّل لبنان كل هذا التأييد الدولي؟

كمواطن لبناني طبيعي لا بد أن أشعر بشيء من الزهو الممزوج بالدهشة وأنا أسمع اسم وطني الصغير يتردد على ألسنة القادة الكبار في العالم، بل الأكبر والأعظم شأناً والذين يتحكّمون بأقدار الشعوب حاضراً ومستقبلاً.
وعليّ أن أعترف بأنني، وبرغم اعتزازي بمواطنيتي، لم أكن أتوقع يوماً أن يرد اسم لبنان مرة، بل أكثر من مرة، في خطاب الاتحاد الذي يقدم فيه الرئيس الأميركي لشعبه كشف حساب عن إنجازاته خلال السنة المنقضية، مع برنامجه للسنة التالية.
لقد تبدى لي الرئيس الأميركي غاية في الكرم، وأشعرني بقدر عظيم من الامتنان، فهو لما يكتف بترداد اسم لبنان وحكومته الديموقراطية برغم أنها بتراء، بل هو جعل من اسم رئيسها لازمة دائمة في خطبه جميعاً وفي تصريحاته كافة ولو كانت تتصل بمأزق احتلاله في العراق أو بالكارثة في نيو أورليونز أو بثقب الأوزون، حتى لقد حفظه الأطفال الأميركيون مفترضين أنه لا بد أن يكون من نسل جورج واشنطن أو أبراهام لنكولن أو توماس جيفرسون على أقل تقدير.
وليس في ذلك أي ذنب للرئيس فؤاد السنيورة، فلا هو طلب مثل هذا التأييد الذي يرتد عليه اعتراضاً في الداخل، ولا هو يستطيع أن يتحمّل دلالات الشبهات التي يثيرها مثل هذا المديح الذي يذكره هو المتذوق للشعر بشطر من بيت شهير بات في منزلة الأمثال السيارة زاد في الرقة حتى انفلق ويمكن هنا استبدال فعل انفلق بفعل فلق !
الأمر أبسط مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك، فهو يعرف لبنان والعديد من اللبنانيين جيداً، وله من بينهم أصدقاء أثيرون أعظمهم قطعاً الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي دعاه فلبى الدعوة مرتين أولاهما قبل أن يتسنم رئاسة الجمهورية والثانية بعدها، وظل على علاقته اليومية الحميمة به شخصياً وعائلياً، في الفكر السياسي وفي التصورات الاقتصادية حتى يوم استشهاده في 14 شباط ,2005 والذي كان يوم حداد للرئيس الفرنسي شخصياً كما للشعب اللبناني بأسره.. وهو قد جاء ليشارك لبنان حزنه على فقيده الكبير.
لكنها المقادير…
فلقد كان الرئيس فؤاد السنيورة يتمنى، قطعاً، أن يلتقي الرئيس الفرنسي، رسمياً، لأول مرة، وحكومته كاملة الأوصاف، لا هي بتراء، ولا هي مطعون في شرعيتها أو في دستوريتها أو في ميثاقيتها… مع أن صديق لبنان الكبير قد تجاوز واقعها في حديثه اللبناني، أمس الأول، وأسبغ عليها هذه الصفات مجتمعة وأضاف إليها الديموقراطية التي هي في لبنان أنواع وأصناف بينها التوافقية و التعددية و الطوائفية ، وقد تضاف إليها توصيفات كثيرة ومع ذلك فهي تبقى رمزية ، أو أن طبعتها اللبنانية منقحة ومزيدة لكل طرف سياسي نسخته الخاصة منها، وهي بهذا المعنى فريدة .
ما علينا.. لنعد إلى الموضوع أي إلى موقع لبنان في قلب العالم، وتحديداً في رأس اهتمامات رؤسائه الكبار الكبار، وإلى هذا الاهتمام الدولي الاستثنائي بوطني الصغير الذي يعاني سلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت بحيث باتت تنذر بتفجره… خصوصاً أنها نزلت، مؤخراً، إلى الشارع نظراً لخواء أو لعجز أو لشلل المؤسسات الدستورية التي رأى فيها الرئيس الفرنسي الديموقراطية المطلقة.
من واجبي، إذاً، كمواطن لبناني طبيعي يدفع الضرائب ومعها القيمة المضافة ويمتثل للقانون، أن أرحب بمؤتمر باريس ,3 وأن أشكر الرئيس الفرنسي على جهوده الاستثنائية والمخلصة بحرارة من أجل عقده، وها هو الآن قد عقد، وتحلق من فوق رئيس حكومتنا البتراء أكثر من ثلاثين مسؤولاً كبيراً وخطيراً في أكثر من ثلاثين دولة ليست كلها كبيرة وخطيرة، ولكنها قادرة على المساعدة… أو هذا هو المأمول.
ها أنا أرحب، علناً وخطياً، بهذا المؤتمر النجدة لاستنقاذ لبنان أو ما تبقى من دولته، ومن ثم من اقتصاده المتهالك تحت أثقال الديون وفوائد الديون ثم الفوائد على فوائد الديون، من قبل الحرب الإسرائيلية على لبنان، والتي زادت بضعة مليارات بعدها..
لكن من حقي أن أنبّه وأن أحذر من أن يكون لباريس 3 ما بعده، أي باريس 4 ثم باريس 5 إلخ..
ذلك أن بين مبررات انعقاد باريس 3 معالجة التراجع بل التردي الذي أصاب الاقتصاد في لبنان، في الفترة الفاصلة بينه وبين باريس .2
وبديهي أن يفترض أي عاقل أن السلطة في بلادي قد ضيّعت أو وظفت خطأ أو هدرت ما تمّ توفيره، بالسياسة، من مساعدات وهبات وقروض في مؤتمر باريس واحد، فكان لا بد من باريس 2 لإرجاء سداد الالتزامات التي ترتبت على سابقه… وبالتأكيد فإن بين مبررات باريس 3 ضياع أو هدر أو التوظيف الخاطئ لما جاءنا به باريس .2
أليس من حقي، والحال هذه، أن أعرف آخر باريس سوف تحمل إلينا الترياق … مع ملاحظة أنه بعد كل باريس تزداد أوضاعنا السياسية تردياً حتى إننا نذهب إلى باريس 3 ولبنان يعيش حالة رعب من مخاطر انفجار داخلي يمكن أن يعطى توصيف الفتنة أو الحرب الأهلية ، أو التشطر في فيدرالية طوائف، أو ما شابه من الانقسامات التي تودي بدولته جميعاً، وكل ما تبقى من مؤسسات يتبادل قادتها الطعن بشرعية بعضهم البعض… لكن ديموقراطية الرئيس الفرنسي، وهي عريقة، لم تتأثر بل هي لم تنتبه إلى هذا الواقع المأساوي، والذي يصعب معه تخيّل النمو الاقتصادي بينما الخلاف السياسي يكاد يذهب بالوطن جميعاً.
ولأنني مواطن طبيعي فمن البديهي أن أنتبه إلى المساعدة القيمة التي قدمها، مراراً وها هو يقدمها الرئيس الأميركي جورج بوش، مجدداً، لبلادي المستضعفة والمضيّع حاضرها والمجهول مستقبلها..
آخر المساعدات الأميركية، بعيداً عن السلاح وأنواعه وكيفيته ووجهة استخدامه المفترضة، تتمثل في توصيف الرئيس جورج بوش لأهم وأقوى وأكبر تنظيم شعبي سياسي في لبنان، بل في المنطقة العربية، وهو حزب الله ..
قال بطل احتلال العراق، بل بطل تمزيق وحدة شعبه بالفتنة، وبطل تهديم دولته والسعي لتمزيقها إرباً: إن إرهابيي حزب الله وبدعم من سوريا وإيران يثيرون النزاع في المنطقة ويسعون لتقويض حكومة لبنان المنتخبة بأسلوب قانوني .
ولأنني مواطن طبيعي فمن واجبي أن أخاف على بلادي من هذا التأييد الدولي الكثيف الذي يشبه عناقاً يستهدف خنق المحبوب ..
حمى الله لبنان من هذه المزايدة… في حبه، أليس من الحب ما قتل؟

Exit mobile version