طلال سلمان

هل تمنع واشنطن حربا إسرائيلية على لبنان؟

غزة ـ حلمي موسى

مع اليوم السادس والعشرين بعد المئة، تتباطأ الأيام وتتسارع كما تشاء، من دون إرادة دولية تفرض وقف العدوان. وشعبنا صامد بأمل على أرضه، يؤمن بحقه في حياة حرة كريمة في وطن مستقل. وبرغم اشتداد العدوان، لا يتغير هذا الإيمان.

***

تتعاظم التهديدات التي يطلقها القادة الإسرائيليون، العسكريون والسياسيون، ضد لبنان وما ينتظره إذا توسعت الحرب من جهة، وإذا لم يلتزم بشروط إسرائيل بسحب قوات حزب الله إلى شمالي الليطاني من جهة أخرى. وكان التهديد الأوضح هو الذي أطلقه وزير الحرب يؤآف غالانت عندما قال إن الحرب مع لبنان لن تتوقف مع وقف إطلاق النار في غزة، وإنها سوف تتواصل هناك إلى أن تتحقق “شروط” الكيان.

ولكن العلامات على التصعيد لا تقف عند التهديدات الكلامية، وهي لا تقتصر على غالانت أو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وإنما تشمل كلا من قائد الجيش وقائد سلاح الجو، وتتعداهما إلى خطوات تنفّذ على الأرض. وتتمثّل هذه الخطوات بتوسيع دائرة القتال وإبعادها عن منطقة الحدود ووصولها يوم أمس إلى النبطية، وكذلك في الاستعدادات الجارية داخل الكيان لهذه الحرب.

ومعروف أن الإدارة الأميركية، التي تعارض نوايا إسرائيل في توسيع الحرب، وتقول إنها تعمل لتجنب التورط في حرب أخرى في المنطقة، تحاول إيجاد مخرج سياسي لحل النزاعات الحدودية جنوبي لبنان.

ومازال مبعوث الرئيس الأميركي عاموس هوكشتاين يحاول الاستفادة من نجاحه في حل نزاع الحدود البحرية، لحل الخلافات الحدودية البرية بين الطرفين، ولسحب البساط من تحت اشتراطات حزب الله لوقف الصراع.

وتتفاقم قضية الحرب في شمالي فلسطين المحتّلة في ظل إصرار سكان مستوطنات الشمال على رفض العودة إلى مستوطناتهم قبل إبعاد حزب الله عن الحدود، على أساس أن لديهم مخاوف من عملية يمكن أن يشنها حزب الله تكون مشابهة لعملية 7 أكتوبر في غلاف غزة.

وينطوي هذا الخوف على انخفاض ثقة الجمهور الإسرائيلي بقدرة جيش العدو على حمايته، بما يهدم أساس نظرية الدفاع الإسرائيلية. فما يسمى بالردع الذي سهل تواجد المستوطنين عند آخر متر من أراضي المستوطنات، لم يعد قائما في نظر المستوطنين. ولم تسهم الحرب الهمجية على غزة، ولا توسيع الحرب مع لبنان، في تعميق مبدأ الردع.

وفي هذا السياق، تحدث العضو السابق في لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، والباحث المتخصص في الأمن القومي، عوفر شيلح، عن “أنّ الاستعدادات على مستوى معين تشوش انطباع الجمهور الإسرائيلي حول أن حجم القتال المحتمل في الشمال ضد حزب الله.”

أضاف في حديث إذاعي أنه “عندما يبدأ الكلام عن ضرورة الاستعداد لوضع لن تكون فيه كهرباء، أو ستكون المستشفيات مشغولة لدرجة التساؤل حول قدراتها على تلبية الحاجات كلّها”، يفهم الجمهور أن الأمر لا يتعلق بوضع يشبه غزة، أو حتى غزة مضاعفة، ولكن بشيء بحجم مختلف”.

وأشار شيلح إلى أنه “في النهاية، ومن أجل إعادة السكان إلى الشمال، ومنحهم الأمن والشعور بالأمان، هناك خياران – حملة كبيرة ضدّ حزب الله لها عواقب وخيمة للغاية على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، أو تسوية سياسية، لن تكون تسوية بين إسرائيل وحزب الله، بل تسوية تشمل التحالف الذي تحاول الولايات المتحدة تأسيسه في الشرق الأوسط ضد المحور الذي تقوده إيران”.

ويزداد التساؤل في الكيان حول الفترة الزمنية التي يمكن أن تضمنها تسوية سياسية مع لبنان، في ضوء استمرار الصراع في المنطقة. إذ أنّ هناك انطباعا متزايدا بأن “الظروف في الشمال ليست جيدة. وأن الوضع ليس مستقرا منذ العام 2006 بسبب قدرة إسرائيل على ردع حزب الله، وإنما لأن للبنانيين مصلحة في الهدوء على الحدود”.

إلّا أن ذلك الوضع تغير بعد 7 أكتوبر، حيث تقاطع المحلي مع الإقليمي مع الدولي. ولذلك، فثمّة من يطالب حكومة نتنياهو بفهم وجوب الربط بين الصراع مع لبنان وبين نظرتها لـ “اليوم التالي” في غزة.

ويعتقد كثيرون في إسرائيل أن المنطق الأميركي الذي يربط بين إنهاء الحرب وبين حل الدولتين والتطبيع مع الدول العربية، وخصوصا السعودية، هو أقرب إلى مصلحة إسرائيل من الحلول الأخرى. ويعتقد هؤلاء أنه بعيدا عن الرؤية الأميركية، يمكن لإسرائيل أن تتورّط في حرب إقليمية تقف فيها عسكريا بمفردها.

وفي هذا السياق، وبالعودة إلى كلام عوفر شيلح، فإنه “من دون تسوية وترابط إقليميين، سوف تزيد فرص شن حملة إقليمية تقف فيها إسرائيل عسكريا بمفردها”، مضيفا أن “أي شخص يقول خلاف ذلك إنما ينثر الأوهام أو يكسب الوقت. فنتنياهو ليس مستعدا لقول هذه الأشياء لأسباب سياسية لأنه يخشى سقوط حكومته. أعتقد أن غانتس وآيزنكوت يفهمان بالضبط ما أقوله، وقد حان الوقت لكي يفرضا الأمر على الطاولة”.

ولكن، لا يتحدّث الإسرائيليون كلّهم وفق هذا المنطق. فالجيش مثلا لا يستطيع أن يقول لجمهوره أنه غير قادر على حمايته، لذلك لا يجد سبيلا سوى التبشير باستمرار الحرب وإطالتها. وفي ذلك تأكيد على نظرية سادت في الكيان بأنه ما لا يتحقق بالقوة يتحقق بمزيد من استخدام القوة. وهو ما ينادي به أيضا قادة سياسيون داخل حكومة نتنياهو، وحتى في المعارضة.

وباتت تصريحات قادة الموالاة وقادة المعارضة تتشابه في معظم الأحيان، وكذلك تصريحات المتطرفين المتشددين وأقلهم تطرفا. وهكذا، يعلن زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، مثلا، أن على الجيش الإسرائيلي احتلال جنوبي الليطاني والبقاء هناك لـ “خمسين عاما”.

أما قائد سلاح الجو الإسرائيلي الجنرال تومر بار، فتوعد حزب الله بتصعيد الحرب ضده، وأعلن في مؤتمر عملياتي هذا الأسبوع في قاعدة بلماخيم الجوية أنه “بمجرد صدور الأمر، فإن عشرات الطائرات العاملة في لبنان ستتحوّل إلى مئات”.

وخلال المؤتمر الذي حضره جميع قادة القوات الجوية من رتبة مقدم فما فوق، ومنهم قادة الأسراب والوحدات العملياتية، تم عرض خطط القوات الجوية للعام 2024 المتعلقة ببناء القوة وتشغيلها.

وشملت فعاليات المؤتمر عرضاً لأهم عمليات القوات الجوية في الحرب منذ يومها الأول وحتى الآن بتشكيلاتها المختلفة كافة. بالإضافة إلى ذلك، عُرضت خطة العمل الرئيسية للقوات الجوية للعام 2024، والتي تحدد بأنها سنة قتالية، وهي تتعلق بتعزيز القوة والقتال في الساحة الجنوبية والاستعداد القتالي في الساحة الشمالية.

من جهة أخرى، علق العقيد (احتياط) كوبي ماروم، الخبير في شؤون الأمن القومي والساحة الشمالية، يوم الأربعاء، على التصعيد المستمر في الشمال، وأجاب عما إذا كان يرى أن إقامة منطقة أمنية عازلة هي السبيل الوحيد لضمان ردع تهديد حزب الله للمستوطنات الشمالية قائلا “لا أعتقد ذلك حقًا”.

واعتبر أنّه “لدينا مشكلة خطيرة في الشمال. فالأشهر الأربعة من حرب الاستنزاف واستخدام الجيش الإسرائيلي للقوة فشلت في حل هذه المشكلة، أي تحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في القضاء على حزب الله في الشمال”.

وفي محادثة مع كل من أودي سيغال وأنات دافيدوف عبر إذاعة 103FM، قال ماروم: “نحن في وضع يتطلب قرارات من مجلس الوزراء في ما يتعلّق بالساحة الشمالية. لا أفهم لماذا، وبعد الجهود في غزة، لا يحدد مجلس الوزراء هدفا استراتيجيا للشمال، ولماذا لا ينقلون قوات إلى الشمال لفرض تهديد حقيقي عند الحدود، يمكن أن يؤثر على المفاوضات. حزب الله هو مشكلة مشاكلنا، ونحن لا نتعامل معه على هذا النحو، وما زلنا متمسكين بقرار مجلس الوزراء الصادر قبل أربعة أشهر بأن الأولوية هي لغزة”.

أضاف “أعتقد أن الأمر يتعلق بالتنسيق بين توقعاتنا وبين توقعات النازحين”. فالاتفاق على انسحاب حزب الله إلى شمالي النهر هو، برأيه، “اتفاق قصير الأجل، يمكن أن يؤمّن السلام، وفي أفضل الأحوال سيكون هناك نزع سلاح في قطاع جنوبي الليطاني إلّا إنّه لا يحل المشكلة الاستراتيجية في مواجهة حزب الله. فبعد القتال العنيف الذي خاضه جيش الدفاع الإسرائيلي في غزة، يتعين علينا تجنب حرب شاملة في الشمال قدر الإمكان، إّ لا يمكن لهذه الدولة والجيش الإسرائيلي أن يشنوا مثل هذه الحرب الضخمة الواحدة تلو الأخرى. المشكلة الرئيسية في الشمال هي كيفية فرض واقع مختلف الآن، يسمح لهؤلاء (المستوطنين) وعددهم 70 ألفًا بالعودة إلى منازلهم”.

ومضى قائلا “برأيي، يجب أن يكون يشمل الجهد الدبلوماسي ما يشبه تهديدا واضحا لحزب الله والإيرانيين بأن إسرائيل ستهاجم وتفعل ذلك بقوة السلاح. أضاف: “يجب ألا تتكرر سياسة الضم التي تنتهجها إسرائيل. ويجب على إسرائيل أن تصوغ سياسة نتمكن بموجبها، إذا كان هناك انتهاك، من التحرّك على الرغم من الوجود المكثف للجيش اللبناني، وعلينا أن نكون مسؤولين عن أنفسنا”.

ولكن، من ناحية أخرى، تدور اتصالات لمنع التصعيد. وبحسب ما نشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن هناك اتصالات تهدف إلى إنهاء القتال في الشمال على أساس نموذج تفاهمات 1996.

وبحسب باراك رافيد في موقع “والا” فإن الإدارة الأميركية تأمل من خلال مساعيها إلى إيصال كل من لبنان وإسرائيل إلى نقطة تفاهمات يتم بموجبها الإعلان عن صيغة محدّدة، تمكّن كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا الإعلان عن التزامات الأطراف: سيتوقف القتال، ولن يعيد حزب الله قواته إلى المنطقة الحدودية، وستخفض إسرائيل الطلعات الجوية فوق لبنان وتسحب جزءًا من القوات من الحدود.

وهذا مجرد أمل أميركي ليس مضمونا إن كانت إدارة بايدن قادة على تحقيقه مع إسرائيل أو مع لبنان. فواشنطن، ومنذ اللحظة الأولى، عملت من أجل منع نشوب حرب شاملة بين إسرائيل ولبنان. ونقلت “والا” عن مصادر مطلعة على الأمر أن الولايات المتحدة تأمل أن تؤدي صفقة التبادل بين إسرائيل وبين حماس إلى تهدئة القتال في غزة وتسهيل تحقيق الهدوء على الحدود الشمالية، لكنها تستعد في الوقت نفسه للإعلان عن التفاهمات الجديدة بين إسرائيل ولبنان، حتى لو لم تتحقق صفقة التبادل.

Exit mobile version