طلال سلمان

هل تتقبل المرجعيات المذهبية النقد والكاريكاتور؟

دخلنا النفق. إنه الثقب الأسود. لا تراجع عن الهاوية. الشواهد كثيرة ومكررة. اللبنانيون لا يفكرون بالنجاة. مع هذه الطبقة، مستحيل. يفكرون بلا جدوى النضال. يخشون الفوضى والعنف. خلفهم جدران منيعة وأمامهم انعدام. لا يبحثون عن خلاص. يئسوا، وهذا حقهم. لديهم فضيلة فضلى: يلعنون، علناً وسراً. المجرمين السياسيين. يستحقون أكثر من اللعنة. ليتهم … (ضع ما تراه مناسباً مما يخطر لك من اللعنات).

هذا غير كافٍ أبداً. الذين قتلوا لبنان، يستحقون العقوبة التي توازي جريمة القتل. غير أن لكل طائفة سياسية ودينية، حاميها وحراميها. يحمون الحامي، ويغفرون للحرامي. ينضم إلى هذه القائمة السياسية، المالية، المافيوية، رجال دين، ومرجعيات مذهبية، لا تحيد أبداً عن نهج قادة الخراب الراهن.

كثر الحديث عن تدخل مرجعيات دينية. غريب ذلك قليلاً. لقد طلقوا الصلاة والتقوى والأمانة والمحبة والرعاية من زمان. ثبتوا مواقعهم، إما بالتسلط أو بالتبعية. لا شواذ على القاعدة. كل مرجعية دينية، هي في خدمة فريقها الطائفي السياسي. ولا غرابة في ذلك، فمجد الطائفية، أعطي لهم. ولا يُستثنى أحد من المرجعيات، من تهمة الإلتحاق برئيس القطيع المطيع.

يُقال، والقول واقعي ملموس، من حق رجال الدين التدخل في السياسة والاقتصاد والمال والقضاء ومصرف لبنان… فلبنان بلد أنشئ لطائفة “رائدة”، ثم لطوائف مشاركة في الاقتسام والقسمة. فأين الخطأ؟ هذا البلد يشبههم ويشبهونه.

إلا أن هناك ملاحظة يلزم أخذها بعين الإعتبار. القيادات السياسية المذهبية، تتعرض للنقد، وحالياً تتعرض للتشهير، وبلغ التشهير حداً فظاً في أساليب الشتم والتعبير القذر. “من الزنار وبالنازل”، وهذا لا علاقة له بالسياسة. له علاقة فقط باليأس، مولد الأحقاد، وموقظ النزاعات المذهبية.

صوناً، لمقامات الرئاسات المذهبية ومرجعياتها، لا بد من إيضاح خالص: لسنا ضد تدخل رجال الدين، والمرجعيات تحديداً، في السياسة. علماً أن عواقب ذلك وخيمة وعقيمة… بلى، في بلد كلبنان، هم أعمدة الهيكل الطائفي.

إلا أن لذلك شروطاً، على من يتعاطى السياسة، يجب أن يتوقع أن هناك من معه “عالعمياني”، ومن ضده “عالعمياني”. على رجل الدين السياسي أن يتقبل النقد أولاً، فهو ليس معصوماً. بل أنه في نظر خصومه، مشبوه، ومرتبط، وفاسد، وفاجر، ومتآمر… أليست هذه الصفات تلصق اليوم بمعظم، إن لم يكن كل، القيادات السياسية الطائفية. من ينجو اليوم من تهمة “الخيانة” للبنان، خاصة وان مرابط خيول الزعماء، هي عواصم إقليمية ودولية. لبنانيتهم مشكوك بها. حتى غلاة الإدعاء بلبنانية الكيان الأبدية، متورطون ومشبوهون ومرتبطون. كأن، لا وجود للبناني يكون لبنانياً فقط. الإنتماء إلى لبنان وحده نادر الوجود. فلبنان مشلوح في كل مكان. هو هنا، وفي دول الإقليم، وإيران، وفرنسا، وخاصة أميركا العظمى … اللبناني الحاف، يطلق على مثاليته، لقب الأهبل. ودليلنا على ذلك، وسائط الإعلام. الإعلام اللبناني، ليست عاصمته بيروت. وهذا تقليد قديم جداً. اللبنانيون، لا يكفيهم لبنان، ولو وضعوه على ألسنتهم، تحت مرتبة الألوهة قليلاً. لبنان اللبناني كذبة. لبنان الداشر عربياً وإقليمياً ودولياً، هو سيرته الذاتية.

لنعد إلى رجال الدين. هؤلاء رجال الدنيا أولاً وأخيراً، ولو نطقوا بإسم الله والإبن والروح القدس، أو بإسم الله الرحمن الرحيم…وأضيف، لسنا ضد أن يتعاطى هؤلاء بالسياسة، بشرط أن يتقبلوا النقد والتجريح والكاريكاتور والسخرية…

تصوَّروا أن يحصل ذلك. الجحيم تحت أقدام هؤلاء. يريدون الدين والدنيا معاً. بل يريدون الدنيا على حساب الدين. ينفقون منه ويفرقون.

في كل إجمالٍ ظلم. هذا الكلام أعلاه، يظلم رجالاً مؤمنين ونساء مؤمنات. الدين عندهم أولاً، إيمان وتقوى وقيم وأخلاق وانسجام تام، بين القول والفعل. مثل هؤلاء، في لبنان، وفي العالم العربي، كثر، ولكنهم مكتومون. فكرياً وثقافياً وسياسياً وإعلامياً. الدين عندهم تربية النفس على الفضائل والأخلاق والإنسانية، وعندهم أيضاً فضيلة الفضائل، نبذ التعصب وإعلاء الاعتراف بالإختلاف، ولا علاقة للدين بالسياسة، لأن السياسة تصيب في الدين مقتلاً… لمثل هؤلاء، رجالاً ونساءً، ألف تحية، وإنحناءة إحترام، وشكر على مسار.

هؤلاء أعلاه، لا يمتون بصلة، لزعيم طائفي، أو ديكتاتور طغياني، أو آفاك سياسي. إنه نقيض لرجال الدين السياسيين، الذين إذا صلوا، فمقابل عائد مالي أو سياسي أو اجتماعي. تهمهم الوضعية أكثر من الآية. ولا نظلم طائفة أو مذهباً سياسياً. فكلهم والمال على صداقة وتبعية.

هل يقبل رجال الدين السياسيين أن يعَاملوا كزملائهم في السياسة والاقتصاد والمال. لقد بلغنا الحافة. ما قيل من اتهامات وما يُساق من شتائم بذيئة، (وهي عملة السفهاء) وما تتعرض له “مقامات” رفيعة، قد يسفر عن إشعال نار الفتنة في لبنان. “الحياد” مشروع فتنة. ألم يقل الآخرون ذلك؟ الإتهامات باتت علنية ومندلقة في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل، وبواسطة “جيوش النمل” السخية؟ ألم توصف المقاومة وسيدها، بالعمالة والإنصياع واحتلال لبنان؟ إلى أين سنصل عندما تبدأ الفتنة.

كأننا على أبواب الساعة الأخيرة. لبنان على عتبة نهاياته. الشعب “في كل وادٍ يهيمون”. القضايا، معروضة للبيع. الإنسان؟ ابحثوا عنه. ستجدونه فقط، بين المطلوبين والمضطهدين والهائمين والجائعين والمهاجرين…

تباً… ليت لبنان لم يكن، منذ بداياته، ملكاً لشياطين الطوائف.

Exit mobile version