طلال سلمان

هل انتهت حرب داحس والغبراء الجديدة؟.. مرجعية “عربية” جديدة: واشنطن بالشراكة مع موسكو؟!

فجأة، وكما ابتدأت، هدأت رياح داحس والغبراء ممثلة بالحرب السعودية على الامارة المن غاز، قطر!

حتى هذه اللحظة. لم يعرف المواطن العربي سواء داخل الرباعي المخاصم حتى الحرب للشيخ تميم ام خارجه، اسباب هذه الحرب الطاحنة التي تجاوزت المألوف في الخصومات التي تتفجر من دون سابق إنذار، ثم تهدأ بعد وساطات وشفاعات ولقاءات سرية واتفاقات تظل قيد الكتمان، لا يعرف بأمرها الا العالم بأسرار العرب جميعاً، على اختلاف احوالهم: الأميركان ثم اسرائيل..

في الوقائع التي انتهى اليها الصراع بين المملكة المذهبة والامارة المن غاز أن أعظم المستفيدين منه كانت الولايات المتحدة الاميركية، التي اتخذت بشخص رئيسها دونالد ترامب موقع المرجعية والحكم للأطراف جميعاً: تأمر فتُطاع بلا نقاش.

ولقد تفرغ وزير الخارجية الاميركية، برغم مهمات منصبه الثقيلة، لأيام طويلة، لاعباً دور الوسيط بالأجر: يزور السعودية فيزيد قيمة صفقات السلاح ومبيعات التكنولوجيا الحديثة التي تستدعيها خطة ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان – 2030 التي وضعتها بعض بيوت الخبرة الاميركية التي تبيع منتجها بحسب مرتبة المشتري بين أغنياء العالم ..

.. ثم يزور الوزير الخطير الدوحة فتعقد بإشرافه المزيد من الصفقات لشراء ما تحتاجه قطر اليوم او غداً او بعد غد او في القرن المقبل من الطائرات والاسلحة وسائر مبتدعات التكنولوجيا الاميركية الحديثة..

بالمقابل فإن اسرائيل قد وجدت الوقت مناسباً للإعلان عن أن بعض كبار المسؤولين في دولة الامارات العربية المتحدة قد عقدوا ـ في الآونة الاخيرة ـ أكثر من لقاء مع مسؤولين اسرائيليين كبار.. وان هذه اللقاءات تأتي تتويجاً للعلاقات بين الدولتين التي تشهد نمواَ وتوثقاً، مؤكدة أن بداياتها تعود إلى خمس سنوات مضت، وأنها ترحب بانتقالها من السرية إلى العلن مع الارتفاع في مستوى المسؤولين وجدية المباحثات “بين الدولتين اللتين كان يفصل بينهما خندق من العداء”.

..ومع أن الوساطة التركية لم تنجح بسبب “الانحياز التركي إلى قطر”، على ما يقول السعوديون والاماراتيون، فإن الاتراك قد نجحوا في “استنقاذ” قاعدتهم العسكرية في العيديد، أي في قلب القاعدة الاميركية الضخمة في العيديد ذاتها… والتي برر وجودها، ذات يوم “الامير الوالد” في قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بحماية دولته الصغيرة من اطماع المملكة الجارة التي تنداح ارضها فوق مساحات واسعة لا يحدها الا الفضاء والماء!

..وكان الوقت آنذاك، وبذريعة الدفاع عن النفس ايضاً، لإقامة العلاقات الدبلوماسية مع دولة العدو الاسرائيلي، وبذريعة حماية دولته يعد استنكاف ايران الخميني وعراق صدام حسين عن تولي هذه المهمة..

المهم أن الوساطة ـ او الوساطات، التي شارك فيها بعض الغرب (المانيا وفرنسا) بتعزيز موقف قطر، والحد من “الاجتياح” السعودي، قد حققت بعض التقدم، بدليل هدوء الحملات، ربما بسبب تلبية الدوحة لبعض الشروط السعودية (واستطرادا: الاماراتية والبحرينية.. ثم المصرية) وأخطرها قطع العلاقة مع الاخوان المسلمين وابعاد الاكثر تطرفاً من قياداتهم ـ المصريين اساساً من الدوحة ـ ثم تبديل موقف “قناة الجزيرة” والمنطق التي قامت عليه، واعتماد “لغة مقبولة” تُنهي عصر لغة العداء والتحريض على الحرب الاهلية في العديد من البلاد العربية بعنوان مصر..

على أن هذه الحرب الشعواء التي كان الفضاء العربي مسرحها خلال الاسابيع الماضية قد كشفت حقائق موجعة، بالنسبة للمواطن العربي، أخطرها التالية:

1 ـ أن لا جامع يربط الآن بين الدول العربية، مشرقاً ومغرباً..

وأبرز الادلة على صحة هذا الاستنتاج تتجلى في التصريح النافر الذي ادلى به الامين العام لجامعة الدول العربية، والذي نعى فيه الجامعة، مؤكداً أن لا دور لها في هذا الخلاف، وان احداً لم يرجع اليها ولم يسألها رأيها، مستنتجاً بالتالي أن “وظيفتها” قد سقطت بمرور الزمن، وأنها لم تعد مؤهلة لدعوة الدول العربية إلى التلاقي او للعب دور “الوسيط” بين المختلفين.

ولعل هذا الموقف يعبر عن تحقير الجميع، بمن فيهم الامين العام، لهذه الجامعة التي استولدها البريطانيون عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية، ثم “عربها” جمال عبد الناصر وقيادات عربية أخرى، ومكنوها من أن تصير “عربية”..

2 ـ أن المرجع الاول والاخير للدول العربية قد بات: واشنطن..

فالرئيس الاميركي (أي رئيس) وادارته (اية ادارة) هي في موقع الاهلية والمسؤولية للفصل في أي خلاف وكل خلاف بين الدول العربية، مشرقاً ومغرباً…كما هي المرجع الاول والأخير لتقرير من هو المخطئ ومن هو المصيب ومن يستحق المكافأة ومن يستحق العقاب من الحكام العرب، “لخروجه عن الخط”!

3 ـ أن كل الدول العربية من رعايا الولايات المتحدة الاميركية، هي في منزلة “وليهم الجبري”، يرجعون اليها في مختلف شؤونهم السياسية والعسكرية والامنية والاقتصادية الخ..

ولقد وجد في واشنطن من يهمس في آذان بعض المسؤولين العرب: لم تعد تنفع الحيل القديمة، كاللعب على الحبلين بين الادارة الاميركية والكرملين، فالعلاقات الاميركية ـ الروسية ممتازة ومتكاملة، وكل من العاصمتين تنسق مع الأخرى، في كل ما يتصل بشؤون الحرب والسلم في العالم اجمع… صحيح أن المنافسة ما تزال قائمة، لكنها تتخذ الآن سياقاً اقتصادياً وليس حربياً..

هل هي المصادفة أن تتفجر ازمة العلاقات بين السعودية ومن معها وبين الامارة المن غاز قطر مع قرب اعلان الهزيمة المطلقة لتنظيم “داعش” وخلافته المدعاة بعد نجاح الجيش العراقي في تحرير الموصل وتقدمه نحو تحرير آخر نقطة يحتلها هذا التنظيم السفاح؟!

لقد كانت اكلاف هذا النصر باهظة جداً، وبالدم القاني، وقد دفعها العراقيون، جيشاً وقوى امنية وتنظيمات عسكرية أخرى، في المواجهة البطولية التي سوف يسطرها التاريخ بأحرف من نور.. ولعلها ستفتح صفحة جديدة في التاريخ العربي الحديث..

ومعروف أن “داعش” كان قد استقطب خليطاً من البعثيين العراقيين السابقين من عتاة اركان حكم صدام حسين، اضافة إلى جماعات من “الاسلاميين” بمختلف تنظيماتهم، بينهم متحدرون من “الاخوان”، وبينهم متحدرون من “القاعدة” و”فتح الشام” و”أنصار الله”، وغيرهم من الجماعات الاسلامية المتطرفة.

وهل هي المصادفة، ايضاً، أن يتبدل الموقف الاميركي، ولو ببطء، من النظام السوري، فتصدر في واشنطن وعن مسؤولين كبار تصريحات تمسح ما سبق من مواقف معادية تطالب برحيل الرئيس السوري بشار الاسد وتبديل النظام السياسي في دمشق.

وهل نحن امام صفقة تقاسم نفوذ جديدة بين الاميركيين والروس في منطقة الشرق الاوسط، يعترف كل طرف منهما “بالشراكة الشرعية” مع الطرف الاخر (واين موقع ايران في الصفقة الجديدة، خصوصاً وانها شريك للوجود الروسي في سوريا، ثم انها شريك (ولو سراً) للوجود الاميركي في العراق؟!

وأين موقع اليمن على الخريطة الجديدة؟

وهل يمكن اعتبار مصر في موقع الرابح على خريطة النفوذ الجديدة،

وأخيراً، يمكن طرح سؤال مشروع:

هل بقيت للوطن او العالم العربي خريطة واحدة، ام صارت له خرائط عدة بحسب مواقع النفوذ للدول الحاكمة الجديدة (الولايات المتحدة والاتحاد الروسي) بديلاً من الدول الحاكمة في القرن الماضي (بريطانيا وفرنسا..)؟

في كل “معركة” وهمية جديدة يخسر العرب بعض هويتهم.. واندثار قيمتهم السياسية، ودورهم في الحضارة الانسانية، خصوصاً وانهم في الطريق لان يخسروا مع موقعهم السياسي لغتهم العظيمة بكل تراثها الديني والثقافي العريق..

هل تراهم ينتبهون من غفلتهم فيستنقذون مستقبلهم من واقعهم المتردي حاضراً؟

وهذه فلسطين الشاهد والشهيد.

تنشر بالتزامن مع جريدة الشروق

Exit mobile version