طلال سلمان

هراويون ضد هراوي

لا يُحسد الرئيس الياس الهراوي على »أصدقائه« الذين يتولون الترويج للتمديد له نصف ولاية إذا تعذر التجديد لولاية كاملة!
إنهم أقسى عليه من خصومه »التاريخيين« أو المستحدثين أو المرتجلين في لحظة تخلٍ كالتي شهدتها الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء.
ذلك أنهم، بمجملهم، يحاولون تبرير السعي إلى التمديد بحيثيات تنال من دور رئيس الجمهورية كحام للدستور، ومن المنجزات التي تحققت في عهده، وأحيانا من كرامته الشخصية ذاتها.
من أجل تبسيط الصورة، لا بد من استذكار بعض النماذج أو العينات من الدعاية المانعة للتمديد:
}} أولا بين ما يذكر للرئيس الهراوي أنه أحد المساهمين في ابتداع صيغة اتفاق الطائف الذي قامت عليه »الجمهورية الثانية«… وهي ما صارت »ثانية« إلا كنتيجة مباشرة للتعديلات الجوهرية التي أدخلت على »الدستور القديم«، لتحقق مزيدا من التوازن بين السلطات، والفصل بين السلطات، والأهم: نقل السلطة الاجرائية كلياً الى »مؤسسة مجلس الوزراء«، بما هي »جبهة سياسية« تتجسد فيها وعبرها »المصالحة الوطنية«.
وعبر الترويج للتمديد يتم إظهار الرئيس الهراوي وكأنه لا يهتم كثيرا لمصير اتفاق الطائف، وجمهوريته (التي آلت إليه رئاستها)، ولا خاصة لموقع دستورها الجديد بما هو تجسيد لمطالب مزمنة في إنهاء الغبن وتحقيق المشاركة ورفع الهيمنة الفئوية تحقيقا للوفاق الوطني.
إنهم يتصرفون وكأن الياس الهراوي ينظر الى شخصه وكأنه أهم من ذلك كله، أهم من الدستور الذي يباهي بأنه ما كان ليعدَّل لولاه، وأهم من »الجمهورية«، وأهم حتى من صيغة الوفاق الوطني…
إنهم يريدون من الناس أن يصدقوا أن تلك الانجازات مرتبطة بشخص الياس الهراوي: إن هو بقي بقيت وإن هو ذهب ذهبت جميعا!
أفظع من ذلك: إنهم يشككون بصدقية الياس الهراوي، إذ يظهرونه صاحب غرض وليس صاحب موقف… فإذا حال الدستور بينه وبين غرضه أسقط الدستور! وإذا حال الوفاق بينه وبين التمديد أسقط الوفاق وجمهوريته ليبقى »رئيسا« ولا جمهورية!
}} ثانيا يقدم المروِّجون للتمديد الياس الهراوي في صورة »رجل الانجازات التاريخية« و»بطل القرارات الشجاعة«… وهم يتمادون في هذا المجال فيصوِّرونه وكأنه رئيس في نظام رئاسي، هو »الحاكم الفرد« و»القائد الملهم« ومن حوله مجموعة من »المعاونين« الذين لا دخل لهم في مسؤولية اتخاذ القرار ولا في مسؤولية تنفيذه وتحمّل نتائج ذلك التنفيذ!
وفي هذه الصورة ظلم شديد للرئيس الهراوي كما للرجال الذين تحملوا معه ومثله مسؤولية تلك القرارات التاريخية، كإنهاء تمرد العماد عون، وحل الميليشيات، وإنجاز التعديلات الدستورية الخ..
ومن أسف أن معظم أولئك الرجال هم الآن في موقع الخصوم أو المستخصمين للرئيس الهراوي: يستوي في ذلك الرؤساء حسين الحسيني وسليم الحص وعمر كرامي أو قائد الجيش العماد إميل لحود.
إن القرار بإنهاء التمرد قد صدر عن مجلس الوزراء (الأول في تاريخ الجمهورية الثانية) وبالاجماع، وهو يحمل تواقيع جميع أعضائه وفي الطليعة منهم رئيس مجلس الوزراء سليم الحص.
ثم ان الجيش قد تحمّل المسؤولية مباشرة، ودفع مع القوات السورية ثمن موقفه شهداء عديدين قدموا أرواحهم من أجل استعادة وحدة البلاد ومن أجل إنهاء الحرب والولوج إلى عصر السلم الأهلي، وليس من أجل هذا المسؤول أو ذاك،
لا يقلل هذا من أهمية دور الرئيس الهراوي، لكنه ينصف الآخرين الذين لا تقل مسؤوليتهم عن مسؤوليته، خصوصا في هذه الجمهورية التي يتولى مجلس الوزراء فيها السلطة التنفيذية ولا يلعب دور »المعاون« لرئيس الجمهورية.
ثالثا يستخدم هؤلاء المروجون منطقا مشبوها في الحديث عن علاقة الرئيس الهراوي بسوريا، فهم في لحظة يقدمونه بوصفه »الصديق الأوفى« و»الأعمق إخلاصا« و»الأشد التزاما بموجبات الأخوة والتعاون والتنسيق«، وفي لحظة أخرى يطالبون له بالتمديد كمكافأة على »خدمات« قدمها إلى دمشق أكثر مما هو حق له على لبنان (وسوريا) لدواع وطنية وقومية.
أي أنهم، سواء قصدوا أم لم يقصدوا، يحوّلونه من »رفيق سلاح« في المعركة القومية الواحدة، وبدوافع بحت وطنية، الى »عبء« على سوريا يستدر عاطفتها أو نخوتها من أجل ثلاث سنوات إضافية في قصر بعبدا،
رابعا يتصل بذلك ان هؤلاء يزينون للرئيس الهراوي لعبة الاستقواء بدمشق ضد مؤسسات الشرعية في لبنان وفي مقدمها المجلس النيابي.
انهم يكادون يصورونه وكأنه يخرّب المؤسسات التي قامت في عهده السياسية منها والعسكرية…
وفي ما ينقلون عنه من أحاديث يبدو وكأن العماد لحود هو خصمه الأول، في حين لا مانع لديه من مد اليد الى الذين تحفظوا على عهده كله.
وفي هذا المجال يلاحظ تبدل جوهري في منطق هؤلاء مؤخرا، إذ باتوا يطالبون بضرورة تفهم »تحفظات« البطريرك الماروني، وعدم القسوة على الآراء المتطرفة التي تصدر عن ريمون إده، و»التطنيش« عما يقوله أو يقوم به »جماعة عون«..
أكثر من ذلك: بدأ هؤلاء المروجون حملة تشكيك مدروسة في موجبات محاكمة سمير جعجع ومسؤوليته عن اغتيال داني شمعون وتفجير كنيسة سيدة النجاة في الذوق، عشية صدور الأحكام في القضية الأولى.
في الوقت نفسه، وكنوع من الارهاب النفسي لقضاة المجلس العدلي، يحاول هؤلاء التعريض سلفا بالحكم الذي يفترض أن يصدر في 24 حزيران المقبل، عن طريق الايحاء بأن بعض أولئك القضاة ربما كان طامحا إلى الرئاسة واتخذ من الحكم وسيلة لكسب تأييد »الناخب الوحيد«… سوريا!
أي أن هؤلاء الدعاة يقدمون لنا »صورة مشرقة« لالياس الهراوي في »عهده الجديد«: بطل اشتباك مع المؤسسات جميعا، التشريعية والقضائية والعسكرية، يستقوي بسوريا على معارضيه عموما، ويستقوي بحليفه المفترض (أو الاضطراري) رفيق الحريري على الشارع الغارق في أزمته الاقتصادية الاجتماعية، ويستقوي بموجبات »السلام« المحتمل (وبكثير من الشك) في الخارج على الاحتياجات الأكيدة للسلام الأهلي في الداخل.
رجل له مثل هؤلاء »الأصدقاء« ليس بحاجة إلى أعداء،
ومشروع له أمثال هؤلاء المروجين ليس بحاجة إلى من يشهِّر به،
ثم، في البداية والنهاية، لماذا كان حديث التمديد؟!
ومن أغوى الرئيس الهراوي بهذه البدعة التي يمكن أن تذهب برصيده الحاضر من دون أن تغنيه في المستقبل إذا ما هو وقع وأوقع البلاد في شراكها؟!

Exit mobile version