طلال سلمان

هذا لبنانكم.. فخذوه

فلنتفاءل قليلاً، كثيرون يلومون كتابتي، لأنها يائسة. معهم حق. عليّ أن أخلع لغتي كلها وأصرفها من الخدمة. البحث عن الأمل واجب أخلاقي، التشاؤم إفلاس للمخيلة واقتناع بالعجز وانصراف إلى الاستقالة.

فلنتفاءل قليلاً. أجهدت قلمي كثيراً. اعتاد النظر في النصف الفارغ من الكوب. عليّ أن انظر إلى المستقبل، كما عليّ أن استقيل من الحاضر، اذ يستحيل البحث فيه عن أمل ضئيل. البؤس السياسي حديث الخاصة والعامة، والبحث عن حلول، يحتاج إلى إعلان إفلاسنا السياسي، وكيل اللعنات، لعدد لا يحصى من الزعماء والرؤساء والوزراء والنواب والمجالس والإدارات والمصارف ومعاهد الدراسات وطبقة “رجال الدين” اضافة إلى اتهام الشعب بالإفلاس السياسي والأخلاقي.

فلنتفاءل قليلاً. لا بد من ضوء ما وسط هذه العتمة. فلنضع لائحة لإحتمالات التفاؤل. لعله في مكان ما، منصة ينطلق فيها التفاؤل إلى المستقبل.

بعد طواف جدي، كان شرط التفاؤل، منوطاً بواجب تأمين أرضية لقيام دولة ديمقراطية، عادلة، تقوم على مواطنية وحرية الاختيار وضرورة المحاسبة. تم إحصاء الموانع التي تشكل عائقاً أمام التفاؤل الضروري والمطلوب، وأخذ العلم بها.

كان من البديهي تأمين أرضية سليمة. ولكي يحصل ذلك، لا بد من إزاحة أثقال الطبقة السياسية ـ الطائفية، المالكة لمقدرات البلد، والحاصلة على الدخل المالي من المحاصصة، والقادرة على تجييش “عسكرها” المدني ـ الطائفي، المدافع عن “السرقات الحلال” التي اختص بها الزعماء المتوجون بإرادة القطيع الطائفي المرصوص.

يتطلب التفاؤل أن يبدأ من نقطة ما. طبعاً لا يمكن تصور لبنان الراهن وقد اختفى من المشهد السياسي، كل من جبران باسيل، مالئ الكراسي وشاغل الوزارات، إضافة إلى وليد جنبلاط، المستشرس لاستعادة وحدانية الزعامة الدرزية، إضافة إلى سعد الحريري، الحائر بين طائفته وتفاهمه مع الرئيس القوي، وطبعاً إضافة إلى انتهاء خرافة الرئاسة القوية والطائفية الأقوى والوريث الأقوى، وبالتأكيد، إضافة إلى تحرير مجلس النواب من رئيسه نبيه بري ومن مجلس نيابي فضفاض، وملسان، ومتنكب النفاق بدل الحساب. واضافة إلى اقناع سمير جعجع، أن قوة لبنان بضعفه، ملقياً على جيشه اللبناني، مهمات أكبر من طاقته بكثير.

وإضافة أيضاً، إلى تبديل المواقف من تأثير وتأثر المرجعيات الدينية المحافظة على التركة العثمانية والامتيازات الأوروبية. اضافة، إلى نهاية الحرب السعودية على اليمن، وانتهاء الأذرع الإيرانية في الخليج وما حوله من بعيد وقريب. اضافة إلى ضرورة حسم الموقف من “اسرائيل” كعدو أو “ما خصنا”، ليصار إلى التأكيد على الموقف غير الموارب من سلاح المقاومة.

يتطلب التفاؤل. ايجاد البدائل، من سيحكم لبنان بعد انسحاب أو طرد هذه الطغمة السياسية من السلطة، وابعادها عن البلاد والعباد؟ سوف يحتاج الباحث عن تفاؤل ضروري، إلى البحث عن قيادات جديدة.

سيستحيل عليه أن يجد بديلاً عن هؤلاء الزعماء الممسكين بكل المقدرات بجدارة الاستنساب والتبعية واللصوصية… لن يجد الباحث عن التفاؤل قائداً ما، أو مجموعة قيادية تكون البديل الحامل لمشروع الدولة الديمقراطية المدنية العادلة.

والأهم من كل ذلك. كي يكون الموقف التفاؤلي متيناً، لا بد من إيجاد حل لمشكلة الـ 85 مليار دولار. ديون لبنان لا تمحى بالتفاؤل أبداً.

هذا الدين ينحر كل تفاؤل طيب ومطلوب.

ستصاب الجهود بإحباط سريع، اذا لم تجد حلاً لهذه المشقات الطاغية. فمن أين المال وقد سرق؟ ومن أين القيادات وقد انكشفت وأفلست؟ ومن أين الطريق، ولبنان محاط فقط بالطرق الالتفافية؟ تبدأ من ألف لتعود إلى الف، قبل أن تصل إلى الباء… ستصاب بتوعك رؤيوي. سيكون العمى هو السائد. فتدور في حلقة مفرغة. ذلك أن كل الطرقات الممكنة تودي إلى الجحيم اللبناني.

ولكن، وبرغم كل ذلك، لا بد من التفاؤل، على أن أترك مهمة البحث لسواي، لأني عاجز عن الكذب على نفسي. هذا هو لبنانكم، وهذا هو قدركم، وهذه هي مصيبتكم.

سأتفاءل اذا أصبت بالنسيان أو “الزهايمر” عندها، سيحلو لي العيش في لبنان، بعد فقده نهائياً.

فأهلاً بتفاؤل لا يبدأ إلا بعد انطفاء العمر.

ذروة التفاؤل. هذه هي. لا شيء أقل منها أبداً. فمرحى أيتها الآخرة الذكية.

فلنترك هذه البلاد ولشياطينها. انها متمرسة في التحكم بلبنان، أباً عن جد. كفى كذباً. كفى تفاولاً. كفى تغنياً بلبنان القوي. لا وجود لدولة تشبه لبنان، يدعي القوة وهو على حافة الإفلاس والموت بسرطان الطائفية ونفايات المذهبية وحثالات الزعماء.

هذا هو لبنانكم فخذوه. مبروك عليكم.

Exit mobile version