طلال سلمان

هدية بوش لاصدقائة عرب اسرائيل دولة يهود

اختصر الرئيس الأميركي جورج بوش هدف مؤتمره في أنابوليس بكلام واضح ومحدد لا يقبل أي التباس أو سوء تفسير..
لم يجامل ضيوفه العرب الذين جاءوا يلبون نداءه خفافاً، مستبشرين بأن الزمن الفلسطيني إلى انطفاء بعدما صار يقرأ إرهاباً ، وأن القضية المقدسة ستطوي أعلامها وتهجَّر إلى أبعد نقطة في الأرض في انتظار زمن آخر..
خاطب الرئيس الأميركي ضيوفه بوصفه محرر العراق و باني نهضته الحديثة وراعي وحدته الوطنية ، و باني الديموقراطية في لبنان وحارسها الذي لا ينام ولا يغفل سفيره عن مطاردة المتآمرين عليها، وجاء كلامه مباشراً، واضحاً بل لامعاً كحد السكين، ليبلغهم اعترافه بدولة إسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي ، مكرراً بذلك التعهد الذي أطلقه في لقاء العقبة الشهير… أي أنه تجاوز مبادرة السلام العربية بطبعتيها، (بيروت 2002 والرياض 2007)، وبرغم كل ما حذف من الأولى وأضيف إلى الثانية حتى تأتي منسجمة مع واقع الحال..
لماذا إذن يدوخ الباحثون المنقبون في ثنايا كلام إيهود أولمرت عن قبول السلام كما عرضته قمتان عربيتان، خصوصاً وأن رئيس الحكومة الإسرائيلية قد أعفى العرب من الحرج حين أصر على المضي قدماً في مفاوضات لا تنتهي بينه وبين الفلسطينيين بغير شريك أو شاهد، وطبعاً بغير تعهدات ملزمة وبمهل زمنية محددة..
وما الفائدة من الغرق في أكوام الخطابات والبيانات المشتركة والوثائق والقرارات المعدة سلفاً، والتي تختلط في ثناياها نصوص خريطة الطريق مع رؤية جورج بوش (الأولى) بالنتائج المعلقة لمؤتمر مدريد وما تبعه من مفاوضات مبتورة في محطات أميركية عدة، والنتائج التي أجهضت اتفاق أوسلو فور وصوله إلى الأرض الفلسطينية، ثم اغتيل الرئيس البطل ياسر عرفات الذي أنجزه، في ظل حصار وحشي منع عليه الخروج للاستشفاء لولا النجدة الفرنسية التي نجحت في تأمين وصوله إلى المستشفى، ولكنها كانت أعجز من أن تمنع عنه الموت الإسرائيلي البطيء… كل هذا بغير أن ننسى قرارات مجلس الأمن الدولي التي كانت تختم بالمصادقة على نتائج كل حرب من الحروب الإسرائيلية، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأشهرها القرار 194 الذي كان يحفظ للمهجرين الفلسطينيين بقوة السلاح الإسرائيلي الحق بالعودة إلى أرضهم التي احتلت! لقد أنهى الرئيس الأميركي المؤتمر الذي بذل من أجله العرب الكثير من حقوقهم والكثير من ماء وجوههم، بخطاب الافتتاح، والباقي تفاصيل.
وسيتعب أي دارس، غداً، في العثور على أي أثر لمبادرة السلام العربية، التي افترض الوزراء العرب الذين احتشدوا في قاعات الأكاديمية العسكرية متجنبين (بأكثريتهم) المصافحة العلنية مع الإسرائيليين، أنهم إنما يذهبون للحصول على الحد الأدنى من مطالبهم فيها، بحيث لا يعودون من عند المضيف الأميركي الذي استدعاهم وألح عليهم حتى افترض بعض الخبثاء منهم أنه يهددهم، بخفي حنين!
كالعادة، قدم العرب وبسخاء طالما عرفوا به كل ما لديهم، وبالغوا في غواية إسرائيل وهم يفترضون أنها مثلهم ستقبل شفاعتهم فتعطي الفلسطينيين البؤساء وبشفاعة النفط الحد الأدنى من حقوقهم في أرضهم، فإذا بالرئيس الأميركي يسحب من فلسطينيي 1948 حقهم في أن يستمروا في مدنهم وقراهم مسلِّمين بقدر الاحتلال الإسرائيلي، ولو كرعايا من الدرجة الثانية أو الثالثة أو… فكيف إذن بالفلسطينيين الآخرين الذين سبق لإسرائيل أن أخرجتهم من ديارهم التي استولت عليها بالقوة وشردتهم في أربع رياح الأرض، والتي جاءت الآن تمنع عنهم أي ذكر لحق العودة، وفي حضور المبادرة العربية وعلى مسمع من أهلها؟
هي التجربة المرة تتكرر دائماً من غير أن يتعلم العرب: يذهبون بلا سلاح، متنازلين في طلب السلام، فيواجهون بإسرائيل تعرض عليهم الاستسلام والتخلي عن فلسطين وإلا الحرب… وطالما أنهم لا يقوون على الحرب فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير!
إنها هزيمة عربية جديدة وشاملة عنوانها: خروج العرب من فلسطين نهائياً، وتركها بكاملها للاحتلال الإسرائيلي المعزز بالدعم الأميركي المفتوح.
قال الرئيس الأميركي إن على العرب أن يتفرغوا لمواجهة الإرهاب… ونفترض أن العرب سيعودون إلى مسلسل من الحروب الأهلية تحت هذه الراية الإسرائيلية.
وأما فلسطين فهي عنوان هذا المسلسل الدموي الجديد.

Exit mobile version