طلال سلمان

هجوم عربي مضاد بعد عراق

مَن وماذا بعد العراق؟!
من وأين هو الهدف »العربي« التالي للإدارة الأميركية ورئيسها بوش قلب الأسد وحربه الصليبية الجديدة؟!
وهل آن الأوان لوقف هذا الابتزاز المفتوح الذي تمارسه هذه الإدارة على الدول العربية جميعاً، لا فرق بين »الصديق التاريخي« و»الحليف الدائم« والراغب في علاقات طبيعية معها لا إذلال فيها ولا امتهان، أقله منذ تفجيرات 11 أيلول 2001، والتي كانت الدول العربية (والمسلمون بمجموعهم) في خانة ضحاياها وليس بين مخططيها أو المستفيدين منها؟!
وبغير تمويه أو تزويق فلقد قبل العرب بإجماع دولهم قراراً ظالماً وغير متوازن، بل لعله مهين، لاستنقاذ العراق من ضربة انتقامية مدمرة ليس لها ما يبررها بل ما يفرضها إلا رغبة جورج بوش في تنصيب نفسه أمبراطوراً على الكون، يحيي ويميت، يزيل الدول أو يمنّ عليها بنعمة الوجود، مستثمراً في هذا المجال صورته كضحية لإرهاب دولي (كانت بلاده بين رعاته وحماته تدريباً وتسليحاً وتمويلاً)، فضلاً عن انعدام التوازن عالمياً بعد اندثار الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي.
على امتداد العام الماضي تجرعت الدول العربية كؤوس الإذلال والإهانة الجارحة، ليس فقط من الولايات المتحدة الأميركية وإدارتها المتطرفة في يمينيتها بل كذلك وأساساً من حكومة القتل العنصري في إسرائيل بزعامة السفاح أرييل شارون، الذي كثيراً ما تبدى جورج بوش وكأنه استعار منه وجهه ولغته ومنطقه في التعامل مع فلسطين، قضية وشعباً له حقوقه في أرضه و»سلطة« أطلت على العالم من حديقة الورد في خلفية البيت الأبيض.
لم تنفع الشفاعات العربية الى حد التوسل، ولا أفادت زيارات التمني والرجاء… بل لقد أُسقطت المبادرة السعودية التي تبنتها القمة العربية في بيروت على عتبة المكتب البيضاوي للرئيس الأميركي الذي بات له موعد كل شهرين تقريباً مع شارون لاستكمال »حربهما المقدسة« ضد العرب في فلسطين وانطلاقاً منها في اتجاه السعودية واليمن ومصر وسوريا الخ.. الى أن تمّ اختيار النظام العراقي كهدف نموذجي.
ذلك أنه بالتوازي مع المذابح الاسرائيلية في فلسطين، أطلقت إدارة جورج بوش حملتها »الصليبية« الجديدة ضد العراق، فجعلت منه قوة أسطورية تملك من السلاح ما يدمر العالم، وتملك من الخطط الاستراتيجية ما لم يفكر به الاسكندر المقدوني وهنيبعل وخالد بن الوليد ومونتغمري وتشرشل وستالين وإيزنهاور مجتمعين..
وهكذا ومنذ بدايات الصيف فرضت الإدارة الأميركية على العالم جدول أعمال من بند واحد: العراق ونظام صدام حسين… حتى لقد بات »أبو عدي« ضيفا يوميا على مواطني الولايات المتحدة الأميركية، يرددون اسمه أكثر مما يرددون أسماء رؤسائهم أو القديسين أو أبطال البيسبول المشهورين!
… حتى كان القرار 1441 الذي تم إقراره، تحت الضغط الأميركي الشديد، وبإجماع الأعضاء الدائمين وغير الدائمين في مجلس الأمن الدولي.
وها قد قبله العراق، بلسان رئيسه (وخلافا لإرادة مجلسه الوطني العريق في ديموقراطيته!)، متجاوزا ما فيه من إساءات وإهانات وشروط جارحة، وما فيه من افتئات على سيادته تكاد تجعل من القرار »إعلان وصاية دولية« على هذه البلاد التي كانت أحد منابع الحضارة الإنسانية.
من وماذا بعد العراق؟!
بل ماذا سيكون موقف العرب الذين قبلوا ما لا يمكن قبوله، في الأحوال العادية، بعدما أُلبس لباس الشرعية الدولية؟!
إن أبسط »تعويض« معنوي هو أن يعيد العرب تصحيح جدول الأعمال، الأميركي والأوروبي والدولي، فتستعيد فلسطين موقعها الأصلي كبند أول لا مجال لطمسه أو القفز من فوقه أو تجاهله، أو تحويل الأنظار عن المذبحة المفتوحة التي يواصلها شارون ضد شعبها الأعزل وضد بيوتها وشجرها وطيورها وأحلام أطفالها وهي قيد التكوين بعد.
إنها اللحظة المناسبة لهجوم مضاد عربي يستهدف إجبار الولايات المتحدة الأميركية على الخروج من حومة »الحرب الصليبية« التي أعلنتها عليهم بغير مبرر، والتي ابتزتهم فيها بأكثر مما يطيقون، ومكنت خلالها شارون من أن يكون المستفيد الأكبر من »غنائمها«.
إنها اللحظة المناسبة لأن يعود العرب الى قضيتهم الأصلية، فلسطين، وأن يعيدوها إلى موقعها الصحيح على جدول الأعمال الدولي، بعدما كانت ادارة جورج بوش قد طمستها لحساب شارون، حتى لقد باتت بحاجة الى »خارطة طرق« للعودة اليها.
لقد دفع العرب غالياً ثمن هذه الحرب الاميركية الاسرائيلية الظالمة، والتي اصابتهم في سمعتهم وفي استقرار اوضاعهم، وفي اقتصادياتهم وفي تصورهم لمستقبلهم.
ولا يكفي ان تصدر ادارة بوش »عفواً سامياً« عن هذا السلطان العربي، او ذاك، بل لا بد من تعديل في النهج اساسه فك التحالف الشيطاني مع اسرائيل.
أليس من حق العرب، مثلاً، ان يطالبوا مقابل الاهانة التي تجرعوها ان يفرض على اسرائيل شرط التخلص من اسلحة الدمار الشامل، التي تجاهر بامتلاكها وتباهي باستمرارها في انتاجها؟!
… وهل وقف المذبحة الاسرائيلية في فلسطين يعتبر تجاوزاً على القانون الدولي وشرعة حقوق الانسان وضلوعاً في الارهاب؟!

Exit mobile version