كنا نحسب أن نهاية الاحزاب السياسية في منطقتنا العربية نتيجة مباشرة للانقلابات العسكرية وأنظمة القمع التي اجتاحت بلادنا في العقود القليلة الماضية، وتحديداً بعد حرب 1973..
لكن الانتخابات الاوروبية عموماً، والفرنسية بشكل خاص، تشير إلى نهاية عصر الاشتراكية، سواء أكانت ماركسية معلنة ام مموهة بشارات اشتراكية مخففة وملطفة حتى لا تستفز “الشارع”..
وليست هذه حقيقة مفرحة بأي حال..
لقد سقطت السياسة بالضربة القاضية في أرقى بلاد العالم، ومعها سقطت الشيوعية والاشتراكية، واقتصر التنافس على اليمين ويمين اليمين.
أما في بلادنا العربية فلقد استهلكت الانظمة العسكرية المموهة بالشعارات الحزبية الاحزاب جميعاً، الشيوعية والقومية ـ البعث وحركة القوميين العرب ـ ودفعت بالشعب خارج السياسة فلم يعد يهتم الا برزقه وعائلته وامان ذاته..
انتهت السياسة في البلاد العربية منذ زمن طويل..
والاحزاب القائمة، خصوصاً تلك التي تتبنى عقائد تقدمية وقومية ووطنية، باتت ذكرى من الماضي، وكذلك النقابات وسائر هيئات المجتمع المدني التي صارت مجرد لافتات من دون جمهور، وأحياناً من دون معنى..
انه عصر جديد بمفاهيم جديدة، ويحتاج العمل السياسي، وبالذات العمل الجماهيري، إلى ابتداع صيغ جديدة، لنضالاته، فلا تقف كالسمؤال تنشد ذكرى من بانوا، بل تفكر وتجتهد في فهم واقع مجتمعاتها ومطالبها، تمهيداً لان تبدع صيغاً جديدة للعمل السياسي واقناع الجماهير بشعاراتها ومبادئها التي تنطلق من الواقع مع طموح لتخطيه في اتجاه المستقبل الافضل.
لم تعد صيغ احزاب الطليعة وقوى التقدم الاجتماعي والطبقة العاملة تكفي لجذب “الجماهير” إلى العمل السياسي، والى النضال من أجل مستقبل افضل..
لقد هجر الجمهور ميدان العمل السياسي بعد نكسات وهزائم متوالية، اذ خاب امله بالأحزاب القائمة وشعارتها الواعدة والتي لم تجد من يحملها إلى السلطة فيجعلها في مركز القرار.
بل أن المؤشرات تدل على انتهاء زمن الاحزاب السياسية، وحتى النقابات المهنية التي تعكس، بهذه النسية او تلك، اهداف الاحزاب. هزمت هذه القوى جميعاً امام ابتكارات رأس المال ونجاحه ـ عمليا ـ في الغاء دور “الشعب”.
من “الاتحاد السوفياتي العظيم” وحزبه الشيوعي إلى المتحدر من صلب ال ك. ج. ب. فلاديمير بوتين، ومن الحزب الاشتراكي الفرنسي ذي التاريخ إلى الهزيمة الساحقة في الانتخابات الرئاسية ثم النيابية، يتبدى بوضوح أن عصر العقائد قد انتهى وجاء زمن “البراغماتية” التي لا تتبنى عقيدة محددة ولكنها تقبل بأية دعوة او مجموعة قابلة للنجاح، بغض النظر عن انتمائها الفكري او مشروعها السياسي..
انه عصر: دعه يعمل، دعه يمر..
وليس مهما أن يمر على جثث عقائد الماضي وشعاراته المقدسة!