طلال سلمان

نهاية حروب عربية عربية؟

جاءت المفاجأة من حيث لم يكن يتوقع أحد، وكان مضمونها »أجمل من أن يكون حقيقياً«: استأذن أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في الخروج على جدول الأعمال ليعطي الكلمة لملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز، معتذراً عن الضيف ـ صاحب الدور في الكلام.بدأ الملك عبد الله حديثه بنبرة هادئة أخذت ترتفع تدريجياً مسقطة التوقع أن تجيء كلمته في السياق ذاته الذي اتخذته كلمة الرئيس المصري حسني مبارك والتي اتسمت بالحدة وبنبرة شوفينية حادة وبادعاءات لدور مميز يصعب انتشالها من قلب بحر الدماء الفلسطينية في غزة التي احترقت ولم ترفع الأعلام البيضاء.كلمة بعد كلمة كان صوت عبد الله بن عبد العزيز يتهدج وهو يستعيد خطاباً »قومياً« مهجوراً منذ أمد بعيد، بنبرة يختلط فيها الوجع والمرارة وخيبة الأمل (في الصديق الأميركي؟) واستهوال الجريمة الإسرائيلية، ليخلص إلى إطلاق النداء لاستعادة وحدة الصف المضيّعة والتي أغرت إسرائيل بالمضي في المذبحة طيلة ثلاثة أسابيع، والعودة إلى ميدان المواجهة مع العدو الذي لمّا يرتوِ من الدماء العربية، معلناً أن مبادرة السلام العربية لن تبقى على الطاولة إلى الأبد.كان حشد الملوك والرؤساء والأمراء والوزراء والسفراء والمراقبين الذين جمعتهم تلك القاعة الفسيحة والبلا أعمدة في قصر بيان، في الكويت، يتابعون كلمة عاهل السعودية باهتمام سرعان ما تحوّل إلى حماسة عبّرت عن نفسها بتصفيق حار.قال بعضهم: هذه إشارة المصالحة العربية. لقد ذهب الملك عبد الله إلى أبعد مما ذهب إليه الرئيس السوري بشار الأسد..قال الملك عبد الله كلمته ومشى خارجاً من القاعة، بينما تواتر الهمس عن لقاء مصالحة بين العرب المتخاصمين إلى مائدة غداء في مقر الملك السعودي..بدأت التساؤلات والتكهنات والتقديرات حول أسباب هذا التحوّل الذي سيؤثر على مجمل الأوضاع العربية، والذي سيكون له ما بعده، قطعاً، إن على مستوى العلاقات العربية ـ العربية أو على مستوى الصراع العربي ـ الإسرائيلي، بعدما أعيد إليه الاعتبار فاستعاد صيغته الأولى، الأصلية، أو ـ وهذا بيت القصيد ـ على مستوى العلاقات العربية مع الإدارة الأميركية الجديدة، وبالذات علاقات المملكة المذهّبة مع الرئيس الأميركي الأسمر..قيل، في جملة ما قيل: إن الوحشية الإسرائيلية وتواطؤ الإدارة الأميركية الراحلة مع القيادة الإسرائيلية وتوقيع اتفاق الحصار، لا تعني غزة أو حتى فلسطين وحدها، بل هي موجّهة ضد العرب جميعاً، وضد مصر بالذات، قبل أن تكون موجهة ضد إيران.وقيل إن الموقف التركي الذي لبس ثياب النجدة قد أشعر من هم في مركز القرار العربي أن في المنطقة ثلاثة لاعبين لا غير هم: الإسرائيلي والإيراني والتركي… والكل تحت الظل الأميركي الثقيل، لا سيما مع وجود قوات الاحتلال الأميركي في العراق.على أن كل التعليقات، سواء منها الغارق في الحماسة لاستعادة التضامن ووحدة الصف العربي، والعودة إلى مواجهة الحرب الإسرائيلية المفتوحة على العرب جميعاً مهما تنازلوا مباشرة أو عبر مبادرات السلام، أو تلك المتحفظة والتي ترى في النداء السعودي استعادة للقضية الفلسطينية من إيران، ومخاطبة للإدارة الأميركية الجديدة كي ترعى حق أصدقائها العرب فلا تحرجهم أكثر مما هم محرجون….. كل التعليقات أوحت بأن تطوراً جديداً ومهماً قد طرأ على الموقف العربي ستكون له نتائجه العملية مستقبلاً، فيغدو أكثر تماسكاً وإن لم يرتق إلى حد الذهاب إلى حرب التحرير..البعض ذهب إلى الأبعد في تقديراته فاعتبر هذا التطور إقراراً متأخراً بانتصار المقاومة في لبنان في الحرب الإسرائيلية التي شُنّت عليه في تموز 2006. فنموذجها قد تكرّر، وإن ضمن ظروف مختلفة، أقسى وأصعب، في غزة، مع مقاومتها التي صمدت بإمكانات محدودة لحرب كانت تستهدف إحراقها ورميها في البحر..في أي حال فإن التطور الجديد في الموقف العربي، أي استعادة روح الوفاق، يجهض »النصر العسكري« الذي تدعي إسرائيل أنها قد حققته بالنار، ويعيد لصورة العرب شيئاً من الاحترام الذي كانوا قد فقدوه عبر حروبهم التي لم تراع دواعي أمنهم القومي فضلاً عن مصالحهم.كذلك فإن هذا التطور سيعيد شيئاً من الاعتبار إلى صورتهم في أوروبا، وهي التي تعاملت معهم بلسان الرئيس الفرنسي ساركوزي بكثير من الاستهانة، حتى لقد أنابت نفسها عنهم وذهبت إلى إسرائيل تعرض عليها ما يكاد يكون شروط استسلام، عبر تبني المبادرة المصرية البتراء… وبعدما أنجز الجيش الإسرائيلي مهمته في تدمير غزة.باختصار: لقد فتح الملك السعودي بمبادرته (القومية) الجديدة الباب لمرحلة مختلفة عما شهدناه في السنوات الثلاث الأخيرة على صعيد العلاقات العربية ـ العربية… فلنتفاءل بالخير لعلنا نجده، بعد طول انتظار.والبداية أن يُعاد الاعتبار إلى المقاومة في فلسطين وأن يسدل الستار على المهزلة المهينة لتفاوض »السلطة« العبثي مع العدو الذي يظهر استعداده للتفاوض إلى الأبد مع طرف يتفاقم ضعفه كل يوم بينما تنهش إسرائيل المزيد من الأرض على مدار الساعة بحيث لا يبقى موضوع للتفاوض.المهم أن نجتهد في حماية ما تبقى من فلسطين، فهي عنوان المنعة العربية.. فإن نجحنا هنا توفرت ضمانات جدية لغد عربي أفضل.

Exit mobile version