طلال سلمان

نهاية حرب اهلية

فهم العرب إجلاء الاحتلال الإسرائيلي عن الأرض اللبنانية نصراً باهراً لهم جميعاً، وبكوا من فرط السعادة هم المقهورون والمحبطون بمسلسل الهزائم العسكرية والسياسية واليائسون من إمكان مواجهة القدر الإسرائيلي بغير تواقيع الإذعان والالتحاق بمشروعه الأمبراطوري للهيمنة على كامل أرضهم.
لبنانياً لهذا النصر جانب آخر لا يقل خطورة إذ انه يمثل نقطة النهاية للحرب الأهلية في لبنان، التي كانت إسرائيل طرفاً أساسياً ومباشراً فيها مرتين:
مرة كنموذج مغر للطامحين أو المتوهمين إمكان نجاح المشاريع التقسيمية على أساس طائفي أو مذهبي، في ظل الوهن العربي المطلق والعجز عن التصدي للمخاطر الجديدة.
أما المرة الثانية من خلال تدخلها المباشر بالسلاح والتنظيم والمال، والاجتياح العسكري للبنان بذريعة التصدي للمقاومة الفلسطينية التي اتخذت منه مقراً في فترة من الفترات، وهو تدخل أسّس لحقبة من »التعامل« السياسي مع أطراف مؤثرة في لبنان لم تكن كلها من لون طائفي واحد، وإن كانت قيادات بعض الطوائف قد جنت من هذا التحالف »الجائزة الكبرى« والتي كان ثمنها الموت اغتيالاً فوق المنصب الفخم.
إن جلاء الاحتلال لا يعيد فقط اللحمة الجغرافية لأرض هذا البلد الصغير، ولكنه يمكنه من استعادة صورته الأصلية كوطن هو طرف في الصراع وليس مجرد ساحة له، وهو قوة تأثير متميزة بفعاليتها وليس مجرد إضافة أو ملحق أو عبء يُثقل على غيره من حملة شعار التحرير الذين لم يلبثوا ان تخلوا عنه عند أول مساومة.
إن وقوف مجاهدي المقاومة بسلاحهم في مواجهة جنود الاحتلال، عبر الشريط الحد الحاجز، يخلّد صورة النصر، ليس فقط بالمعنى العسكري بل قبل ذلك وأساساً بالمعنى السياسي.
فهذا السلاح إنما يخدم قضية الوحدة بقدر ما يخدم قضية التحرير، أي أنه في خدمة لبنان الوطن، وهو بالتالي يؤكد هويته العربية والتزامه القومي.
وبهذا المعنى فإن لبنان المحرَّر والموحَّد والمبرَّأ أو المطهَّر من جرثومة الحرب الأهلية هو بكليته وبموقفه الباهر قوة دعم وإسناد لسوريا.
وهو بمنعته وصلابة وحدته يمكن أن يكون عوناً للفلسطينيين فيه وحقوقهم في أرضهم، فلا يكون »الوطن البديل« أو يكون »الجحيم« لمن ألجأتهم الهزيمة إليه.
في أي حال فإن التئام المجلس النيابي، اليوم، في بنت جبيل، بمبادرة من الرئيس نبيه بري، يتخطى الرمزية ليؤكد انتهاء الحرب الأهلية، حقيقة، ويوسع الخطى نحو ترسيخ السلم الأهلي.
ويبقى أن تلحق بالمجلس الإدارة والخدمات الحيوية وتوفير مصادر الرزق للعائدين في أرضهم ومنها، حتى تسقط المقارنة مع »المثل الإسرائيلي« نهائياً، ويمتنع الناس عن النظر إلى الجهة الأخرى من الحدود وكأنها مصدر للرزق، بينما الوطن لا خبز فيه ولا عدالة ولا كرامة لصنّاع النصر الذين يتخوّف بعضهم من أن يصيروا ضحاياه!

Exit mobile version