طلال سلمان

نقاش هادئ مع طلال سلمان

الأستاذ طلال سلمان المحترم
لا بد من القول ان »الخضة« الأحدث في العلاقة الفلسطينية اللبنانية المتواصلة فصولا منذ ان تسلم ايهود باراك مقاليد السلطة في دولة العدو ليست إلا بداية مرحلة جديدة لا أحد يعلم كيف سيوضع حد نهائي لها ان لم يبادر أمثالكم من لبنانيين وفلسطينيين الى وقفة جادة تغلق كل المنافذ بوجه الذين يقولون شيئا ويفعلون نقيضه.
على الرغم من ان خطاب »العهد« لباراك لم يأتِ بجديد وأكد على الالتزام باللاءات الصهيونية التي صاغها »حزب العمل« الا ان ما استوقف إحدى الصحف اللبنانية المرموقة كانت لاءً واحدة أعني »رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين الى وطنهم«. وكان ما كان من سيناريوهات عن »التوطين« الأمر الذي دفع أحد الكتاب المرموقين الى تسمية الحملة برمتها ب»الهستيرية«، ويقدر لكم الكثير من المختصين وقفتكم وموقفكم الذي حصن قراء »السفير«.
الجديد المحيّر في تداعيات هذه الفترة الممتدة من أواسط تموز وحتى يوم الثامن والعشرين من تشرين الاول الماضي هو استقبال القيادات السياسية والروحية اللبنانية للمسؤولين الفلسطينيين شملت هذه المرة »العرفاتيين« الذين جاءت تحركاتهم بمباركة وحماية ورعاية مؤسسات وأجهزة لبنانية رسمية.
أخاطبكم لأنكم ما زلتم واحدا من شخصيات كثيرة جهدت وتجاهد لوضع حد لهذا الجرح النازف الذي يكاد يحوله البعض الى مرض عضال يفتك ب»الضحيتين« أعني الشعبين اللبناني والفلسطيني في هذا البلد. وهنا بيت القصيد فالحوار ليس للاختلاف معكم ومن تمثل أفكاركم وأعمالكم من أناس مخلصين بل اغناؤها وإخراجها الى طور الواقع.
اما اذا سألتم عن المحاور فهو ليس أكثر من لاجئ فلسطيني يكاد يهزمه »زمن السلام« بمعارضته وموالاته الفلسطينيتين على السواء في زمن يشد فيه أنصار السلام العادل من الرسميين في الدولة المضيفة الحبل على خناق اللاجئين لدرجة تدفع بعضهم لطلب اللجوء في بلد من كان سبب مآسيهم ولجوئهم المملكة المتحدة.
في مقابلتكم مع »صوت الشعب« صباح الجمعة 5 تشرين الثاني 1999 طرحتم أمرين في غاية الاهمية أود مناقشة الأول وإغناء الآخر:
الأول كان تشبيهكم للرئيس ياسر عرفات بأنطوان لحد واستنتاجا منطقة الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة بالشريط الحدودي المحتل، الامر الآخر هو غياب المرجعية الفلسطينية في لبنان والتي أكدتم في حديثكم أنكم لا تمتلكون لها صيغة اخرى غير م.ت.ف.
بالنسبة للموضوع الأول اسمحوا لي أن أختلف معكم جملة وتفصيلا لا لسبب الا لأن الرئيس عرفات انتخب بعملية ديموقراطية (بمقاييس عالمنا العربي) من أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ولم يتجرأ يومها على منافسته بعد ان فشلت كل فصائل المعارضة مجتمعة ومتفرقة في إقناع الفلسطينيين بمقاطعة تلك الانتخابات سوى »رجل« فلسطيني واحد اسمه سميحة خليل. الامر الاهم من ذلك ان جامعة الدول العربية والأمم المتحدة وحكومات الدول الصناعية الاقوى في العالم روسيا والصين تعامله كذلك.
ما حدث في عملية انتخاب للرئيس جاء تكرارا لانتخابات المجلس التشريعي الذي لم تخض غماره فصائل المعارضة لسببين لا ثالث لهما الأول عدم وجودها في تلك المناطق او ضعف ذلك الوجود والخوف من انكشاف حقيقة حجمها وبالتالي خوفها من النتيجة حسب ادعائي. أما توصيف حال السلطة وما آلت اليه أوضاعها من فساد وإفراط في التنازلات فهو أمر يعترف به أصحابه وكل على طريقته ولن يزيد الوصف والشتائم منه شيئا.
اما بالنسبة لموضوع المرجعية الفلسطينية في لبنان على وجه الخصوص وهو الأهم وسبب كل ما نعيشه فلسطينيين ولبنانيين حسب اعتقادنا فهو موضوع على غاية من الاهمية ويحتاج الى حوار هادئ نفضل ان يكون معكم وأمثالكم.
بداية لا بد من معالجة أمرين غاية في الأهمية لما لهما من علاقة مباشرة بالواقع الحالي او ما يسمى ب»عودة العرفاتيين« الى المخيمات الفلسطينية في لبنان، الأول السياسة الرسمية اللبنانية تجاه اللاجئين الفلسطينيين المقيمين على الأراضي اللبنانية بشكل شرعي وقانوني حيث يمكن تسجيل التالي:
1 منذ ان خرجت م.ت.ف. من لبنان في العام 1982 تحول اللاجئون الفلسطينيون الى »مكسر عصا« كما يقول المثل الشعبي بحقوقهم الانسانية ودمائهم على السواء وكأن مجازر صبرا وشاتيلا لم تكن كافية فجاءت حرب المخيمات التي استباحت دمهم ومالهم وأعراضهم وكانت الذريعة »منع عودة العرفاتيين الى المخيمات«. في وقت لاحق وفي العام 1986 قام مجلس النواب اللبناني بتمزيق بنود اتفاق »القاهرة« بالجملة على الرغم من أن مادته الاولى لا علاقة لها بالسياسة والعسكر وتوازن القوى من قريب او بعيد.
2 حكومة اعادة الأعمار وتهيئة لبنان ل»السلام« القادم لم تكن أقل قسوة بحق اللاجئين الفلسطينيين من زمن الفوضى والميليشيات، فكان لوزير العمل السابق عبد الله الأمين صولات وجولات في ملاحقة اللاجئين الفلسطينيين المشتغلين في محطات الوقود التي توجت بمذكرات جلب الأطباء الفلسطينيين أمام القضاء. وحادثة ذلك الطبيب اللاجئ الذي أبلغ بأن العمل ممنوع عليه حتى بيع الخضار على عربة متنقلة بدون إذن مسبق لأنه أجنبي على الرغم من أنه يعيش في لبنان منذ الولادة.
لن ننسى بالطبع القرار رقم 478 الصادر بتاريخ 23 أيلول 1995 عن نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الذي ما زال يصر وسواه على تحقير الفلسطينيين بمناسبة او بدون مناسبة وتعرفون بالطبع قصة »القرى السبع« التي تحولت زمن »منع التوطين« الى 24 قرية وسلخ بموجبها ما يزيد عن 000،30 نسمة من جسم مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في هذا البلد.
3 تحولت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان زمن الإعمار و»السلام« ومنذ العام 1991 الى غيتوهات الداخل اليها مفقود والخارج مولود والعكس صحيح. العيش في المخيم تحول الى مأساة ففي مخيمات »المعارضة« السمسرات والخوات والتجارة بقوت ولقمة عيش أطفال اللاجئين هي سلاح »الكيميائي المزدوج« لمحاربة العرفاتية. اما مخيمات الجنوب حيث تتعايش الموالاة والمعارضة تحت سقف واحد فالمعاناة مختلفة ويتحول الحصار الى فن بحد ذاته وغالبا ما يمتد طابور سيارات اللاجئين المتوجهين الى مخيم الرشيدية ليصل الى مستشفى نجم الواقع على مفرق قانا.
4 طالت المعاناة الأموات وبقيت المقبرة الجماعية لشهداء صبرا وشاتيلا مكبا للنفايات الى ان سخر الله للشهداء أبو سعيد الخنساء.
الامر الآخر يتمثل في أداء المعارضة الفلسطينية التي تحولت زمن أوسلو الى معارضات تتناهشها العداوة وتقاسم المصالح اما من يسمون أنفسهم »اللجان الشعبية« في المخيمات فقد جعلوا من اللاجئين الفقراء في مخيمات الأمم المتحدة مصدرا إثراء وعيش رغيد لهم ولمسؤوليهم.
نعم وبدون اي ضغينة لقد جعل هؤلاء من المخيمات بؤرا للفساد على مرأى ومسمع من أجهزة الدولة وبالتعاون والتنسيق معها في كثير من الحالات ويعرف الكثير من اللاجئين ان العديد من أعضاء »اللجان الشعبية« عملوا ويعملون كمخبرين لجهات أمنية لبنانية.
رئاسة الاونروا بدورها وعلى مرأى من مسؤولي الدولة اللبنانية و»ممثلي المخيمات« جعلت من اللاجئين الفلسطينيين مختبرا لإجراءات إنهاء ولايتها المستوحاة من ممثلي الصهيونية في الأمم المتحدة والاونروا. لن نستفيض في سرد المعاناة لأن لا مقال ولا كتاب واحدا يتسع لبعض فصولها، لكن لا بد من سؤال للمعارضة الفلسطينية مجتمعة وكلا على انفراد ومحاربي التوطين اللبنانيين من أصحاب المجد والسلطة الضائعة هل تعلمون:
1 ان الأمية بدأت تعود أدراجها وتتفشى بسرعة خيالية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان دون سواه من مجتمعات اللاجئين في البلدان الاخرى. لقد جاءت نسبة النجاح في امتحانات الدورة الاولى للشهادة الرسمية اللبنانية المتوسطة (البريفيه) في مدارس الأونروا أقل من 42 بالمئة وأقل بكثير من متوسط النجاح في المدارس اللبنانية في حين ان التزايد السنوي لعدد تلامذة مدارس الوكالة لا يكاد يكون ملحوظا على الرغم ان متوسط الولادة يزيد عن 5000 طفل سنويا. هل تعلمون ان دائرة التعليم وهي أكبر دوائر الوكالة على الاطلاق تحولت الى مزرعة تتحكم فيها سيدة يطلق عليها زملائها تسميات »الأميرة« و”Miss No Comment” و»زرقاء اليمامة«.
2 هل تعلمون ان الفقر بين أبناء المخيمات بلغ حد الكفر والاونروا ما زالت تصر على ال10 بالمئة التي لا تتغير ولا تتبدل الا نحو الأسوأ بالنسبة لحالات العسر الشديد.
3 هل تعلمون ان الأمم المتحدة والسيد كوفي أنان تدخل لرفع الغبن عن موظفي الوكالة الجدد الذين كانوا حتى الأمس القريب يعاملون معاملة العبيد في بلد الديموقراطية وواحتها.
أخيرا لا بد من التأكيد مجددا وللمرة الألف بأن م.ت.ف. هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وكل دعوة غير ذلك هي أشبه بمن يريد ان يبتلع البحر.
المشكلة بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في لبنان ليست مشكلة التمثيل السياسي انها مشكلة اقتصاد وتاريخ وجغرافيا. فالحفاظ على الهوية ومنع التوطين نقيضان للتجويع والحصار والشتائم الغوغائية والانقسام.
من التاريخ يولد الحاضر والمستقبل. م.ت.ف. هي تاريخنا القريب ومن لا تاريخ له لا مستقبل له. اما الجغرافيا فمنذ مدريد وأسلو ودعاة تحرير فلسطين صامتون على تجهيل أطفالنا بتاريخ وجغرافيا فلسطين ومن يدعي غير ذلك ليتوجه الى أقرب مدرسة اونروا في أقرب مخيم.
الفلسطينيون قبل اللبنانيين بحاجة الى من يساعدهم ويخفف من معاناتهم وبالتالي لا بد من إخراج هذا الملف من المزايدات كما طالب بذلك النائب نسيب لحود.
الأستاذ طلال سلمان
لماذا لا تبادرون الى الدعوة لحوار فلسطيني لبناني يشارك فيه أهل الاختصاص والكفاءة من غير المعتاشين والمنتفعين من العمل الحزبي والسياسي.
اما هدف المؤتمر فهو أولا: وقف كل أشكال هدر كرامة وهوية اللاجئين الفلسطينيين وإقرار فرص الحياة الانسانية الكريمة لهم في هذا البلد. وثانيا: وضع حد لكل الذين يسعون لتحويل المخيمات الى مصدر لثرواتهم ونفوذهم.

حسين شعبان *

(*) لاجئ فلسطيني.

السفير، 17111999

Exit mobile version