طلال سلمان

نظام عربي يسترهن امة تدويل حكم سوري مع اصلاح نار

للمرة الثانية خلال ستة أشهر يقف أهل النظام العربي على باب مجلس الأمن الدولي مقرين بعجزهم عن مواجهة الأزمات المصيرية التي يتحملون، منفردين ومجتمعين المسؤولية عن انفجارها وتفاقم مخاطرها على «الأمة» جميعاً، في حاضرها ومستقبلها.
في المرة الأولى دفع أهل النظام بجامعة دولهم، التي لم يمكنوها يوماً من ان تقوم بمهمتها المفترضة أو المرتجاة، لأن تذهب بمصير ليبيا، دولة وشعباً وثروات، إلى المؤسسة الدولية المخضعة لهيمنة أميركية مطلقة، وبالتالي إلى نفوذ إسرائيلي مؤكد. فكان ان أحيلت المهمة إلى أساطيل الحلف الأطلسي الذي تولى إبادة ما كان تبقى من «الدولة» وإن حرص على حماية النفط بحقول المنابع وخطوط النقل وموانئ التصدير إلى الغرب الذي يحتاجه بقدر حاجته إلى الهواء. ولا ضير في ان تتسبب هذه المهمة الإنقاذية النبيلة في حرب أهلية مفتوحة بين الليبيين الذين فرض عليهم «العقيد» ان يبقوا قبائل وعشائر وأعراقاً متنابذة.
كل ما في الأمر ان الجامعة المستقيلة من دورها بعدما هيمن عليها حكام الذهب الأسود قد ارتضت ان يركبوها مستظلين شرعيتها المعنوية للذهاب إلى مجلس الأمن (الأميركي) لتأديب حاكم ليبيا الذي كان يذلهم بأسباب قوتهم ذاتها: النفط و«صداقة» واشنطن و«حاجة» أوروبا إليه.
وها هم اليوم يكررون فعلتهم النكراء فتذهب الجامعة التي تحرص على تأكيد عروبتها بكوفية الحاكم النفطي المبادر إلى تقديم أرضه لأكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط وكذلك إلى فتح سفارة للعدو الإسرائيلي تحت مسمى «مكتب تمثيل تجاري»، إلى مجلس الأمن طالبة تأديب النظام السوري بعزل رئيسه كمدخل إلى وقف الحرب الأهلية التي تتهدد البلاد.
وسيكون وفد الجامعة المعزز بالكوفية القطرية المذهبة «المحلل الشرعي» لدخول المعارضة السورية ذات الواجهة المدنية والثقل الميداني الإسلامي إلى مجلس الأمن الدولي، ولو كشاهد فصيح من موقع اغترابه الدولي.
على ان هذا لا ينفي ولا يجوز ان ينفي أو يخفف من مسؤولية النظام عن المذبحة المفتوحة في سوريا واستمرارها، بل وتفاقمها الخطير في الأيام القليلة الماضية بما جعل مهمة المراقبين العرب مستحيلة إذا ما اعتبرنا انها انما تقتصر على «الشهادة» بالمسؤولية عن تدهور الأوضاع إلى هاوية الحرب الأهلية، أي بما يفترض ان يمهد للتسوية السياسية العتيدة عبر الحوار الوطني المعلق على عتبة إصلاح موعود ما ان تطل عناوينه حتى تنسف مضامينه.
إن سوريا تغرق في دماء أبنائها، بما يهدد وحدتها الوطنية بالتفكك، ويدمر منجزات شعبها العظيم في مجالات العمران والصناعة والزراعة والثقافة، فضلاً عن دوره المجيد في رفع راية العروبة ومبادرته إلى نصرة شعب فلسطين بالمجاهدين منذ ثورة 1936،
ومع التأكيد على ضلوع «الخارج»، عربياً وتركياً وغربياً، في تشجيع الخروج على النظام، فإن القيادة السياسية لم تستدرك فتبادر إلى الإصلاح الذي وعدت به مراراً ثم تأخرت في إنجازه، وما تزال تطلق الوعود من دون ان تتوقف عن اطلاق النار، لكي تؤكد جديتها في معالجة الأزمة الدموية التي تكاد تذهب بسوريا، دولة منيعة بقوة وحدتها الوطنية التي ظلت تستعصي على محاولات إثارة الفتنة أو الارتهان للخارج.
وبالتأكيد فإن التأخير المتكرر لفتح أبواب الحوار مع المعارضة الوطنية في الداخل بأطيافها جميعاً ومن ضمنه بعض من في الخارج، وكلهم يحمل شهادة صموده الوطني سنوات من الاعتقال الكيفي في سجون السلطة، يكشف عجز النظام أو عدم رغبته في إنجاز حل سياسي يحمي وحدة البلاد ودولتها.
ثم ان هذا التعنت في رفض الحوار كمدخل جدي إلى إصلاح سياسي شامل مع العجز المؤكد للحل العسكري الذي يبدو ان النظام قد اعتمده عن حسم الأزمة الوطنية الخطيرة، سيزيد من قدرة «الخارج» على التدخل، وهذه المرة بذريعة حماية الكيانات المجاورة من خطر تمدد الحرب الأهلية التي يراد لها ان تتمظهر كفتنة طائفية.
وهكذا يتم التركيز المنهجي على «الدور الإيراني» في الأزمة السورية، بقصد تعزيز الجهد لتطئيفها، ثم يضاف دور مزعوم لـ«حزب الله»، قبل ان يتنبه «الإسلاميون» إلى ضرورة الجمع بين النظام السوري والحكم في العراق على قاعدة مذهبية، ويسهل ضم الأزمة الوطنية الدموية في البحرين فضلاً عن اليمن، فإذا هي «الفتنة الكبرى» بنسخة عصرية..
يصبح منطقياً، والحال هذه، ان نقرأ في هذا اللقاء الذي احتشد له أركان مجلس التعاون الخليجي مع المسؤولين الأتراك في أنقرة، دلالات تتجاوز التعاون الاقتصادي والأمني والسياسي، إلى التوحد في جبهة سياسية لها شعارها المذهبي الواضح، في مواجهة إيران، ومعها النظام السوري… و«حزب الله» في لبنان الذي لا بد من تأديبه، بشكل خاص، لأنه تصدى للحرب الإسرائيلية فهزمها، متحملاً نقمة أهل النظام العربي عليه وقد تحولت إلى حرب مفتوحة،
ويصبح منطقياً، بالتالي، ان تتجاوز القيادة السياسية للأكراد في العراق دورها في تسييج «الشمال» ككيان متصل منفصل عن الحكم المركزي في بغداد، إلى تجميع أكراد العالم، بوصفها قيادتهم جميعاً حيثما كانوا، لتوجه ـ وبشكل مباشر ـ رسالة واضحة إلى الأكراد، في سوريا، وهم جزء لا يتجزأ من وحدة الشعب السوري وطنياً، بأن لهم مرجعية سياسية خارج حدود وطنهم، تتعاطى معهم عبر عرقهم، مع إشارة ضمنية إلى لونهم المذهبي، في رسالة إلى بغداد، من جهة، وإلى مجلس التعاون الخليجي (وتركيا) من جهة ثانية، فضلاً عن اللون «الإخواني» للمعارضة السورية في الخارج.
هل من الضروري التذكير ببؤس النظام السوداني ذي الشعار الإسلامي ودوره الذي يعادل الخيانة عبر التسبب في توفير الذرائع لأهل الجنوب كي ينفصلوا بدولة لن تكون إلا قاعدة إضافية لإسرائيل، بعد الأميركيين ومعهم بعض أوروبا؟
[ [ [
ماذا يملك مجلس الأمن الدولي يقدمه للعرب كلهم، بدءاً بالجامعة العربية وانتهاءً بسوريا، غير المهانة والشهادة بأنهم لا يستحقون ان تكون لهم دول بجيوش لم يعودوا يرونها في الاستعراضات، ولكنهم يرونها كثيراً في الشوارع والحارات كقوة فصل بين الطوائف، وكقوة حماية لحكام أنظمة القهر من شعوبهم، كما في اليمن السعيد الذي تركه مجلس التعاون الخليجي ينزف إلى حد اقتراب دولته الواحدة من التمزق والاندثار.
ليس مجلس التعاون الخليجي قيادة للأمة. لا هو ادّعى ذلك ولا هو يمكنه ان يدّعي القدرة على القيام بهذا الدور.
ولكنه يلعب، من حيث قصد أو لم يقصد، دوراً تخريبياً للغد العربي، كما يشهد عليه «الميدان» في القاهرة، ومحاولة تعزيز موقع الإسلاميين والأصوليين (السلفيين) منهم خاصة، في «العهد الجديد» للدولة في مصر، وكذلك في تونس، في حين دفع الليبيين نحو أتون الحرب الأهلية، وها هو الآن يعزز تحول المعارضة السياسية في سوريا نحو الفتنة مستغلاً غفلة النظام (الذي كان الأقرب إليه) ومعاندته في المبادرة إلى الإصلاح الذي تحتاجه سوريا حتى لا تسقط في أتون الحرب الأهلية بشعبها جميعاً، وبدورها المفتاح في منطقتها،
على ان المسؤولية المعنوية تظل على عاتق جامعة الدول العربية التي كان المواطن العربي يأمل ألا يكرر، أمينها العام ـ الخطيئة المميتة لسلفه الصالح في «تأديب» الشعوب العربية بالتدخل الدولي طلباً للمنصب الفخم في قاهرة المعز مفترضاً انه بذلك انما يقترب من سدة القرار من الموقع المذهبي المضاد لذلك الخليفة الفاطمي.

Exit mobile version