طلال سلمان

نصر من خارج واقع

من حق أي »مراقب«، بريء أو سيئ النية، أن يتساءل وهو يسمع اللبنانيين يتبادلون الشكوى ويعددون وجوه الضيق الضاغطة عليهم في معاشهم اليومي: كيف إذن استطاع لبنان المقاوم تحقيق هذا النصر الباهر على الاحتلال الإسرائيلي؟!
كيف استطاع شعب انقرضت فيه الطبقة الوسطى أو تكاد، وهي التي كانت تشكل 53$ من مجموعه، أن يصمد؟!
فربع المهندسين، وعددهم 30 ألفا، عاطلون عن العمل، و68$ من الباقين يعملون أجراء، كرسامين في الغالب، لدى المحظوظين من زملائهم ممن ما زالت لديهم أعمال أو بقايا أعمال برسم الانجاز.
أما الأطباء فحوالى 67$ منهم لا يصل دخل واحدهم الى مليون ونصف المليون ليرة (علما بأن مستوى الدخل المطلوب لأسرة متوسطة يزيد قليلاً عن هذا الحد).
وأما المحامون فحدِّث ولا حرج، لأن أغلبيتهم الساحقة لا يحصلون على كفاف خبزهم،
أما الفقراء فحالتهم كرب، ف32$ من الأسر وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة محرومة من الغذاء الكافي، وفي عكار والضنية وبعلبك والهرمل وقضاء مرجعيون وقضاء بعبدا (الضاحية) يعيش 67$ من الأهالي تحت خط الحد الأدنى من الدخل (وهو 880 ألف ليرة للأسرة).. و16$ من هذه العائلات، وفقا لمديرية الإحصاء المركزي، يعجزون عن معالجة مريضهم، وهناك 48$ منها غير مشمولة بأي نظام صحي على الإطلاق.
وهناك، حتى نهاية العام الماضي، خمسون ألف طفل أخرجوا من المدارس ودُفعوا إلى سوق العمل، وأعمارهم تتراوح بين 10 و15 سنة،
وثمة بالاضافة إلى هؤلاء خمسون ألف يتيم يعيشون حالاً من الضنك،
هذه أرقام قديمة نسبية، وهي مرشحة للزيادة، إذا ما لحظنا أعداد المعلمين الذين صرفتهم أو ستصرفهم المدارس الخاصة وهي تصل إلى حوالى أربعة آلاف،
وهي أرقام تشمل حملة الشهادات من العاطلين عن العمل والذين يتقدمون بالآلاف إلى أي وظيفة، مهما كانت بسيطة، ليؤمنوا الحد الأدنى من الدخل، طالما تتعذر عليهم تأشيرات الهجرة إلى أي مكان.. »صحراء إن كان«!
كيف استطاع لبنان ان يقاوم وان ينتصر على الاحتلال الاسرائيلي وفيه كل هذا الركود الاقتصادي، وعلى موازنته ان تتحمل كل تلك الاعباء الثقيلة التي يرتبها الدين العام، بكل ما ينتج عن هذه وذاك من مشكلات اجتماعية لا حل لها ولا شبه حل؟!
ثم كيف استطاع لبنان ان يقاوم وان ينتصر وفيه كل هذا الخواء السياسي الذي لا يمكن ان يملأه الجدل البيزنطي بين »المعارضين« والحكومة، بل ان هذا الجدل لا يفعل غير تجسيم الخواء وتعظيمه وتقديمه على وسائل العلاج الجدية المطلوبة، فإذا الشاكي والمتذمر والمتضور جوعاً والكاسدة مواسمه الزراعية والعاطل عن العمل برغم كفاءته المعززة بالشهادات العالية، مجرد »خصوم« و»اصحاب غرض« و»حاقدين« يتقصدون الاساءة الى الحكومة، بمقام الرئاسة فيها والوزراء الميامين؟!
وها هي الانتخابات بمهازلها المصورة تكاد تستنفد ما تبقى من أمل اللبنانيين في تغيير يفتح باب الانقاذ، ويبعد عنهم شبح العوز المذل!
هل بقيت فرصة لمعالجة جدية، أم انه يكفي الناس ان ينصرفوا الى التسلية بالمرشحين، (وكلهم موضوع قابل)، وباللوائح الخرافية (وكلها اقرب الى النكات المبكية)، في انتظار تغيير موعود، وقد يكون مرصوداً، يتصدى للمشكلات في عينيها بدل ان يتهم من يشير الى الخلل بأنه »معاد« او »مدسوس« او »مأجور«، بينما المؤسسات تقفل بالمئات لندرة القادرين على دفع الاجور وسائر النفقات؟!
لبنان بلد العجائب فعلاً، وآخر عجائبه النصر على الاحتلال، برغم كل همومه الثقيلة التي تنوء بحملها الجبال.
لكن العجائب لن تحل هذه المشكلات التي تطحن فيها الناس، ولا بد من علاج آخر.. من صنع البشر؟!
فهل من يملك الشجاعة للادعاء بأنه قادر على اتيان هذه المعجزة؟!

Exit mobile version