طلال سلمان

نداء لانقاذ بيروت

مرة أخرى، يرشق الحكم وجه العاصمة الأميرة بيروت بماء النار، بقصد مقصود وفي توقيت لافت لتشويه صورة »الشعب« اللبناني وضرب طموحه المشروع إلى حياة سياسية طبيعية تقوم على قاعدة ثابتة من الانتماء الوطني والإيمان بالديموقراطية.
إن مشروع القانون الانتخابي »الجديد« يلوي عنق اللبنانيين في اتجاه الأمس، ويفرض عليهم العودة إلى الوراء ويسد طريق تقدمهم في اتجاه العصر، ويعيد تكبيلهم داخل طوائفهم ومذاهبهم.
لقد تفتقت عبقرية الحكم، في محاولته استرضاء المراجع الطائفية، عن مشروع قانون يعيدهم أكثر من أربعين سنة إلى الخلف، إلى »قانون الستين«، حيث كان لبنان يومذاك غير لبنان الحالي والعرب غير عرب اليوم وإسرائيل غير إسرائيل اليوم بل والعالم غير العالم.
لكأنما »الديموقراطية« وراءنا وليست أمامنا، ولكأن لبنان مجرد مكان تلاقت فيه بالمصادفة مجاميع من الطائفيين والمذهبيين الذين لا بد من الفصل بينهم بالقانون حتى لا تكون حرب أهلية إذا ما انتخب مسلم مسيحياً أو العكس.
إن ضحايا هذا القانون الأخرق أكثر من أن تحصى: فهو قد طمس حقيقة أن لبنان وطن لكل مواطنيه، وهو قد كرّس قواعد من نوع أن مذهبك أهم من دينك ودينك أهم من وطنك، وزعيم الطائفة أهم من الدين والمذهب والوطن معاً.
ثم انه قد ضرب »فعل« الانتخاب. ضرب الاختيار الحر، وضرب الوحدة الوطنية، وضرب اتفاق الطائف في بعض أسسه..
على ان ضربته القاضية قد وُجهت إلى بيروت التي يريد نقلها من حيث رصيدها المميّز، كمنتدى فكري ودار للثقافة والعلم، مطبعة الوطن العربي وكتابه وصحيفة الصباح، مصرفه ومشفاه ومقهاه ومصيفه ومشتاه إلى كانتونات للطوائف والمذاهب. أسقطها كعاصمة للوطن أو حتى لمشروع الوطن: ثبّت حدود الانقسام بالقانون، وألحق كل »قطيع« بمرجعيته الطائفية أو المذهبية.
وليس أسوأ من هذا القانون الأشوه إلا الترحيب به لأنه »يحرّر« كل مذهبي من السياسة، من الوطنية، من شركائه الآخرين في الوطن.
إنه قانون لتحويل العاصمة إلى جحيم: كانتونات مسورة بالأحقاد الموصلة إلى الفتنة، بين المسيحيين والمسلمين، ثم بين المسلمين والمسلمين سنة وشيعة، ثم بين المسيحيين والمسيحيين.
إنه يفرض »مناخاً« مشابهاً لذلك الذي أطلقه الاحتلال الأميركي وريث الطغيان في العراق.
إنه قانون لضرب المقاومة من الداخل، بجعلها أسيرة اللعبة الطائفية والمذهبية، يحاول أن يزجها أو يدفعها إلى المستنقع لعل الانقسام الطائفي ينتصر على مجاهديها المتباهين بنصرهم على إسرائيل.
إن الخطأ يستدر الخطيئة، وما بدأ مغلوطاً لا بد أن ينتهي بكارثة.
وعلى اللبنانيين جميعاً أن ينهضوا لاستنقاذ عاصمتهم المهددة الآن في دورها الوطني الجامع.
ولا يمكن فهم هذا »التمييز« للتقسيمات في بيروت، وعزل »الأشرفية« في دائرة صافية اللون الطائفي، وفرض المواجهة المذهبية في دائرة ثانية، ثم »فرز« دائرة ثالثة ذات غالبية مبتورة، إلا على أنه »تلغيم« للانتخابات…
إن الخطأ في هذا القانون يتجاوز النكاية ومحاولة تحجيم هذا أو ذاك من الأقطاب السياسيين، إلى حد تهديد البلاد بحرب أهلية عنوانها الحرص على صحة تمثيل الطائفيين بالإجهاز على الديموقراطية.
هذا قانون أخرق لا يجوز أن يمر.

Exit mobile version