طلال سلمان

نداء إلى … من؟

باسم مئات “الشهداء بلا قضية”،

باسم ألاف الجرحى الذين تساقطوا ويتساقطون في مختلف أنحاء لبنان برصاص الفرح أو الحزن، وكلاهما مثل صاحبه أعمى،

باسم الأطفال الذين تنحر قلوبهم وتستلب عواطفهم وبراءتهم قبل أن يتعرفوا إليها ويمارسوها،

باسم النساء المتشحات بالسواد، المجرحات الخدود، المفرغات المحاجر من الدمع وبريق الرغبة في الحياة،

باسم العرائس الأرامل، والعرائس الثكالى،

باسم الأيامى واليتامى والمستضعفين في الأرض الذين يحشرون في الجنة حشراً وهم لما يعرفوا أرض الخطيئة!

باسم المواطن الطيب السائر خائفاً، النائم خائفاً، القاعد خائفاً، والميت خائفاً،

باسم الإنسان الذي يكاد ينقرض في هذا البلد مخلياً الساحة الكلاشنكوف والدكتوريوف والدوشكا والانيرغا ورشاش الخمسمئة والهاون ومدفعية الميدان… ولا عدو أمامه ولا هو في ميدان،

باسم أنين الشباب المصلوب مقهوراً على أسرة الرصاص الطائش في المستشفيات،

باسم هؤلاء جميعاً، إضافة إلى الوطن والقيم والأخلاق والمشاعر، النبيل منها والرخيص، كمثل الإشفاق والجزع وبكاء وجهاء الانتخابات ومحترفي قراءة الفاتحة على روح كل ميت وأي ميت،

باسم هؤلاء نناديكم وندعوكم جميعاً إلى التحرك لوقف المذابح اليومية في لبنان،

ندعو من؟

ندعو من تبقى من الناس، وكلهم مهدد بأن تكون الفاتحة المقبلة مكرسة لروحه الطاهرة،

ندعو الشباب الذي يرفض أن يقترع لمرشح غير مقنع، ثم يسكت مكرهاً أو صاغراً، عن استمرار هذا الوضع اللا إنساني واللاوطني واللا أخلاقي،

ندعو الأهلي، البسطاء من الأهلي، إلى التصدي بصدورهم العارية للرصاص القاتل.. وأكرم لهم أن يستشهدوا بإرادتهم من أن يتم اغتيالهم بطريقة الخطأ!

ندعو النساء والأطفال إلى رجم كل حامل سلاح في المناسبات الاحتفالية والاستعراضية والتي يتحول فيها المىتم الواحد إلى سلسلة لا تنتهي من المآتم والمآسي والأحزان اليعقوبية.

ندعو هؤلاء لأننا يائسون من جدوى أن ندعو من يحب أن يدعى!

وما قيمة أن ندعو الحكم، مثلاً، والحكومة، والنواب الأفاضل ورجال الدين المبجلين؟!

والحكم هو، بشكل من الأشكال ، محرض،

والحكومة كاتب رقاع نعوة،

والنواب يتحولون، في مثل هذه المناسبات، إلى آلة حاسبة تسجل ما ظهر من سلاح في أيدي “الخصوم” وهل كان أكثر أو أقل مما حمل “الأنصار”،

أما رجال الدين فلا نظن أنهم سيستطيعون سماع كلماتنا لأن دوي الرصاص والقنابل والانفجارات أضر بأذانهم واي ضرر…

إننا نتوجه إلى الشباب في كل قرية ودسكرة ومدينة إن هبوا وامنعوا المذابح، مهما كلفكم الأمر، إن لم يكن من أجل الوطن فمن أجل ألا تهدر طموحاتكم وأحلامكم وحيوانكم ذاتها بالرصاص الاعمى،

نظموا أنفسكم. قاطعوا الاحتفالات السخيفة. نظموا لجاناً لنشر الوعي. اطرحوا للناس مشروعات مثمرة ومقنعة تشاد بأثمان السلاح والرصاص الموجه ضد من في السماء ومن في الأرض،

وليطرد كل قادم ليشهد احتفالاً تشرع فيه الأسلحة ويقلبه المسلحون من عرس إلى مذبحة، أو من ذكرى فقيد إلى جنازة حي،

إلى الشباب نتوجه،

إلى الإنسان المتبقي في بعض لبنان نتوجه،

… قبل أن يسقط آخرهم شهيد الرصاص الطائش، والحكم الطائش، بينا الاجلاء من رجال الدين يتمتمون بسورة المباركة الفاتحة مهداة إلى روحه الطاهرة، والتي يطاردها الرصاص فيضلها الطريق إلى السماء!

نشر هذا المقال في جريدة “السفير” بتاريخ 13 آب 1974

 

Exit mobile version