طلال سلمان

نخجل منك عزمي بشارة

لا نعرف كيف نداري وجوهنا خجلاً منك، يا عزمي بشارة.
لقد تعذر علينا استقبالك حين كان من شأن ذلك الاستقبال أن يعزز نضالك داخل الصعوبة التي تكاد تصير استحالة، للحفاظ على ما أمكن استنقاذه من هوية الأرض والشعب في فلسطين المحتلة.
… ولم يتيسّر لك أن تجيء، ولنا أن نرحب بك أيها القابض على جمر عروبتك بيديك عاريتين، وبفكرك وقلمك وجهدك الدؤوب لحماية حقك في »هوية« غير التي أسقطها عليك الاحتلال، إلا حين تيسّر لك القدوم في ظلال الشهادة، إذ وفرت لك جريمة اغتيال رفيق الحريري »الفرصة« أو »العذر« لأن تجيء إلى لبنان مرة… وبقصد مشاركتنا الحزن والعزاء في الرئيس الشهيد.
ولقد جئت فشهدت بنفسك حالة الغليان بالغضب والاضطراب بالقلق على المصير، التي استولدتها أو فاقمت من خطورتها الجريمة ضد الوطن وما واكبها وتبعها من تقصير وإهمال واستخفاف بالقيم وبالرموز مما أثار الشبهة وجعل الهتاف الشعار يدوي بطلب كشف الحقيقة، لمعرفة المخطط والمدبر والمنفذ والمستفيد من تغييب الشهيد رفيق الحريري.
إننا ننتظرك من زمان، في لبنان الذي تحب والذي تحفظ لشعبه تقديراً عالياً، خصوصاً وقد بعثت مقاومته المجيدة الأمل بإمكان إسقاط الاستحالة، مؤكدة أن إرادة الشعب ولو صغيراً عديده يمكن أن تنجز مهمات وطنية جليلة.
ونحن نعرف أنك عشت معنا، كما عاش كل فلسطيني على وجه الخصوص وكل عربي بل وكل مقاوم ضد الاحتلال والقهر والظلم في العالم، الفرصة بتحرير الأرض وإجلاء الاحتلال الإسرائيلي بعد اثنين وعشرين عاماً من اجتياح 1982. ونعرف أنك تابعت على مدار الساعة جهاد المقاومين على الأرض وفي السياسة، وكتبت وخطبت وتظاهرت مع رفاقك في »الداخل«، وحاضرت في أكثر من عاصمة في الخارج، مشيداً بهذه الظاهرة الوعد.
أهلاً عزمي بشارة.
هل نكرّر ما قاله الأديب الراحل لويس عوض حين استقبل محمود درويش في القاهرة، أول مرة: »لقد جئتنا في أيام الشقاء«..
ها أنت تشهد بأم العين يا عزمي بشارة انهيار ما كان يجب أن يُحمى بالوعي وحسن السياسة: لقد رأيت التظاهرات وسمعت هتافاتها، وبينها ما هو نابٍ، وما هو معيب، وما هو مرفوض إلى حد إدانة مطلقه بجرم الفتنة.
ولقد زرت آل الحريري وسمعت جراحهم تعبّر عن ألمهم لما يجري مما لم يطلبوه ولا يمكن لهم أن يقبلوه.
لكن الأخطاء التي تكدست على امتداد سنوات، والامتناع عن التنبه إليها فضلاً عن الاستخفاف بمخاطرها، قد فجرت الغضب. وها نحن نحصد الثمار المرة لخيبة الأمل، والإهمال، والتمادي في الخطأ، وتصنيف المنبّه إلى الخطأ معادياً، وإبعاد الشرفاء والمناضلين والوحدويين منهم وحتى الطبيعيين لتقريب المنافقين والأدوات و»الشركاء« في المنافع والمصالح.
لقد جئتنا في زمن المحنة: الدولة تكاد تتهاوى بفشل سلطتها، والشعب في حالة يأس من الإصلاح، والخوف من الانشقاق والانقسام على الذات يضعه في مواجهة المجهول.
إن السلطة لا تشبه لبنان، فهذا الشعب برغم خلافاته السياسية العميقة أرقى من سلطته وأكثر وعياً وأكثر حرصاً منها على سلامة الكيان وعلى تحقيق الوحدة وحماية الاستقلال والسيادة، ومعها جميعاً ومن أجلها المقاومة التي خرجت من صلبه، لا هي وافدة ولا هي طارئة، بل هي مصدر اعتزازه، تؤكد له ثقته بنفسه وبقدرته على الإنجاز.. ومن قدر على التحرير يقدر على ما دونه، وكل السلطات دونه.
لقد فقد الشعب ثقته بهذه السلطة، بأهليتها لمقاومة التدخل
الأجنبي الذي لم يعد يموّه نفسه ولا يداري في تحديد مطالبه، وبلهجة الأمر.
وليس مصير السلطة ما يشغل بال المواطن المثقل بهموم عيشه، بل مصير الوطن.. ففي غياب مرجعية مؤهلة وموثوقة يتعاظم الخوف من أن يتحول الاختلاف في الرأي إلى انقسام في الموقف من الثوابت والأساسيات.
والخوف الخوف هو على المقاومة، وهي عنوان مجد لبنان، أن تجرحها فتؤذيها صراعات القوى السياسية الطامحة لوراثة السلطة القائمة، وهي صراعات ترتكز في بعض شعاراتها كما في بعض ممارساتها على التدخل الأجنبي الذي بات الآن مثل ظلنا يتبعنا حتى غرف النوم.
مع ذلك ما زلنا نأمل أن ينتصر الوعي الوطني على المناورات والتكتكات السياسية للوصول إلى السلطة، ولو في بلد مهدد بالخراب. فلبنان، بمقاومته، هو القضية وليست السلطة فيه.
وبعد اعتذارنا عن ذلك كله نقول: أهلاً عزمي بشارة. أهلاً بك نسمة رقيقة مضمخة بالأمل تأتينا من البلاد التي صارت أيقونة نعلقها في أعناقنا، لقداستها.
أهلاً بك أيها القائد القدوة عزمي بشارة.

Exit mobile version