طلال سلمان

نحو حل

هل يشكّل قرار العفو العام عن جميع المعتقلين في سوريا، حتى يوم أمس الثلاثاء الواقع فيه 31 أيار 2011، بمن فيهم الإخوان المسلمون، بداية النهاية للأيام السوداء التي عاشتها سوريا وقد فقد أهلها الأمان على امتداد شهرين ونيف، فهزت صورة نظامها الذي طالما اشتهر بالتماسك والقدرة على تجاوز الصعاب وأشكال الحصار الدولي الذي ضُرب عليه لأعوام طويلة ومنهكة؟!
هل يمكن اعتبار هذا العفو العام خطوة أولى، ولكن حاسمة، نحو انفتاح النظام على الإصلاح السياسي الذي باشر الحديث عنه قبل شهرين، ثم تأخر الإنجاز بينما الرصاص يدوي في أنحاء متعددة من سوريا حاصداً المزيد من الضحايا، مدنيين وعسكريين، وصولاً إلى الأطفال؟!
لقد أطلق الرئيس السوري بشار الأسد الوعد بالإصلاح في خطابه الذي لم يكن موفقاً أمام «مجلس الشعب» الذي انكشفت هشاشة بنيته المركّبة ارتجالاً، فأساء إلى صورة النظام وجدية الحديث عن الإصلاح، خصوصاً أن «السادة النواب» قد تصرفوا بكثير من الخفة كادت تبلغ حدود التهريج بينما الدماء كانت لا تزال تسيل في درعا التي عوملت بقسوة غير مبرّرة وغير مقبولة ممّا فتح أبواب المخاطر على مصراعيها.
ومع أن بعض الإجراءات قد اتخذت، بعد ذلك (رفع الأحكام العرفية، والوعد بقوانين جديدة للأحزاب والإعلام والانتخابات) إلا أن الاستمرار في مواجهة تظاهرات الاحتجاج بالرصاص، قد رفع عدد الضحايا إلى مستوى غير مقبول، منذراً باحتمالات جد خطيرة على وحدة الشعب والدولة في سوريا… خصوصاً أن دوي الرصاص قد غطى على الصدى الذي كان يمكن أن تتركه تلك القرارات المستحيل تنفيذها في المناخ الدموي الذي كان سائداً.
اليوم يردّد الجميع المثل القائل: أن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي أبداً.
ثم إن الحديث يجري عن المباشرة بالحوار الوطني، وإن لجنة سباعية قد تشكّلت فعلاً برئاسة نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع وتضم في عضويتها اثنين من قيادة حزب البعث واثنين من الجبهة الوطنية ـ التقدمية وثلاثة من المستقلين للمؤتمر الوطني للحوار، الذي يعتقد أن الرئيس الأسد سيطلق الدعوة إليه في خطاب له خلال الأيام القليلة المقبلة.
وعلى أهمية قرار العفو عن جميع المعتقلين خلال فترة الاضطراب فإن الجديد والمثير فيه هو شمول الإخوان المسلمين به، بما يوحي بتجاوز فترة العداء التاريخي العميق بين النظام وهذا التنظيم، التي بلغت في أوائل الثمانينيات حد الاشتباك بالسلاح وسقوط آلاف الضحايا في المواجهات التي تمت في أنحاء كثيرة من سوريا وإن ظلت محطتها الدموية الأخطر: حماه.
إن شمول العفو هذا التنظيم العريق في سوريا، وإن أخذ عليه الناس التورّط في الصراع المسلح الذي هدر دماء غزيرة، يوحي بفتح صفحة جديدة مع المعارضات السياسية الموجودة بمختلف تنظيماتها وتوجهاتها.
وهذا يؤشر إلى أن الحوار العتيد سيكون جدياً، مع توقع أن يحفل بكثير من المواقف الحادة، لا سيما بما يتصل بالنص الدستوري الذي يجعل حزب البعث قائد الدولة والمجتمع… وهو نص أثبتت الأحداث الأخيرة في سوريا، ما كان معروفاً من قبلها، أنه غير عملي وغير واقعي، إذ لم يظهر لهذا «الحزب القائد» أي أثر لا في منع وقوع الأحداث الدموية ولا في معالجة أسبابها بما يوقف النزف الذي أساء إلى سمعة سوريا وكشف واقع استناد نظامها إلى القوات المسلحة وأجهزته الأمنية في حين غاب «الحزب القائد» تماماً عن مسرح الأحداث.
ولأن اللبنانيين معنيون جدياً بالتطورات الخطيرة التي تشهدها سوريا فهم قد استقبلوا قرار الرئيس بشار الأسد بارتياح ظاهر، متمنين أن يوفر المخرج السياسي المطلوب من المحنة التي ثبُت أن حلها لا يمكن أن يكون أمنياً، مهما بلغت أجهزة الأمن من القوة، والتي كان الجميع يتمنى لو أن الجيش ظل بعيداً عن ساحاتها حرصاً على صورته كبطل المواجهة مع العدو الإسرائيلي بشهادة حرب تشرين 1973.
من هنا فإن اللبنانيين يتمنون أن تتوالى الخطوات على طريق الحل السياسي الناجع للأزمة التي أوجعتهم كما أوجعت أشقاءهم السوريين، خصوصاً أنها أسهمت في نشر المخاوف من تفجر مسلسل من الحروب والفتن الطائفية على امتداد المشرق العربي.
والأمل أن تلي الخطوة الأولى خطوات جادة نحو تصفية ذيول الأزمة الخطيرة التي عصفت باستقرار سوريا، وأن تعود سوريا إلى موقعها وإلى دورها العربي الذي لا غنى عنه.

Exit mobile version