طلال سلمان

نجدة لانقاذ منقذ

هبّ الرئيسان الفرنسي والمصري لنجدة صديقهما الكبير الرئيس الأميركي والتخفيف من حرجه وهو يعجز عن ثني ذراع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بل وعن إقناعه بمجرد الاستماع إليه.
ليست الشهامة وحدها هي الدافع لمثل هذه النجدة: إنهما معاً يعانيان من حرج أشد، ثم ان الرئيس حسني مبارك يتحمّل إضافة إلى الحرج مسؤولية خاصة وثقيلة، وهي مسؤولية مباشرة ومادية وليست معنوية فقط كما هي الحال مع صديقه جاك شيراك.
كذلك فلا بدّ من مخرج يحفظ ماء الوجه للرئيس الأميركي بيل كلينتون الذي لم يكتفِ نتنياهو برفض »مبادرته«، ولو معدلة، ولم يمنعه حتى من إعلانها، بل لقد هدّده في قلب الولايات المتحدة بأنه قادر على »إحراق واشنطن«، وهو يعني موقعه في البيت الأبيض أساساً.
لا يحتاج المرء إلى تحليل دقيق للأوضاع الدولية لكي يستنتج أن أوروبا برمتها، وباتحادها الذي يقدمها كالقوة العظمى الكونية الثانية، غير قادرة وغير مستعدة لمواجهة إسرائيل،
إن بنيامين نتنياهو قد وجه إلى دول الاتحاد الأوروبي تهديدات أقسى بكثير من التي وجهها إلى إدارة كلينتون في واشنطن.
وأوروبا تسعى، بكل جهد، لتوفير مخرج لائق للولايات المتحدة الأميركية، أولاً، لكي تستطيع العودة إلى الساحة بعد كل ما نالها على يدي نتنياهو من تجريح وإهانات علنية.
فليس سهلاً على إدارة بيل كلينتون أن تقول: لقد منعني »بيبي« من المبادرة فامتنعت!
لكنها لا تستطيع في الوقت نفسه أن تقول: إلى جهنم نتنياهو، هذه هي إرادتي وعليه أن ينفذها وإلا!
من هنا الحاجة إلى »فدائي« أو »متطوع« أو »محلِّل« يوفر للولايات المتحدة »باب النجاة« وإخراجها من المأزق الراهن، بطرح مبادرة جديدة تساعدها على العودة إلى الساحة وقد »تحرّرت« من مبادرتها المضمرة، من دون أن يظهر ذلك وكأنه »هزيمة« ساحقة أمام نتنياهو، أو التزام حرفي بأمره الصارم بأن يترك له وحده أمر العرب الذين لا يؤخذون إلا غلابا ولا يفهمون إلا لغة القوة التي يعرفها معرفته بملامح وجهه.
ولعله كان ضروريا أن تجيء المبادرة أوروبية عربية، ومن الطرفين الأكثر »مشروعية« وربما الأكثر تضررا من الجمود الراهن، فرنسا على صعيد طموحها للعب دور كوني من داخل أوروبا كما بصفتها الذاتية، ومصر بحكم مسؤوليتها العربية عموما، ومسؤوليتها الفلسطينية خاصة، لا سيما وهي قد رعت ولو مضطرة وفي آخر لحظة اتفاقات أوسلو، ثم اتفاق الخليل قبل أن يحوّلها نتنياهو إلى مجرد وسيط غير ناجح وغير مؤثر بينه وبين الفلسطينيين، واثقاً من عدم قدرتها القفز الى الضفة الأخرى.
بطبيعة الحال ستؤدي المبادرة الجديدة إلى خفض السقف العربي الفلسطيني من جديد، فإذا كانت واشنطن قد بلعت مبادرتها واستنجدت بمن يوفر لها فرصة كريمة للعودة إلى المسرح، فلنا أن نتصوّر على أي حال سيكون الفلسطيني خاصة،
أما مؤتمر مدريد فأغلب الظن أنه ذكر في المبادرة الفرنسية المصرية من باب »السرد التاريخي« أكثر من التلويح بإعادة الروح إليه، فلو كان مؤتمر مدريد حياً لما كان ثمة حاجة إلى مبادرات ونجدات لإنقاذ الذين ارتضوا بأقل مما كان يمكن تحقيقه فيه، ثم ها هم يعجزون من الوصول إلى أقل من أوسلو الذي أكل الكثير من رصيد مدريد، وأقل من اتفاق الخليل الذي طمس أوسلو،
… وإذا ما نجحت المبادرة الجديدة وانعقد المؤتمر الجديد للإنقاذ فقد لا يجد المنجدون ما ينقذونه من براثن نتنياهو!

Exit mobile version