طلال سلمان

نتنياهو وحرب الإختراق..

قبل أن يكمل بنيامين نتنياهو شهره الثالث في الحكم، انطفأ الحديث عن »العملية السلمية« والمفاوضات والرعاية الأميركية والضمانات، ودوّت أصداء قرع طبول الحرب في تل أبيب كأعنف ما عرفته المنطقة في حقبة ما قبل مدريد.
اكتمل »الانقلاب«، وعلى العرب الضعفاء أن يأتوا إلى »سلام الأمن الإسرائيلي« صاغرين والعصا لمن عصى:
} لا انسحاب من بعض أنحاء مدينة الخليل، ولا استئناف للمفاوضات مع الفلسطينيين استكمالاً لتنفيذ اتفاق أوسلو البائس، ولا سماح بأي مكتب يشير إلى علاقة للفلسطينيين بالقدس، ولا لقاء مع رئيس سلطة الحكم الذاتي، ولا رفع لحصار الإذلال والتجويع المفروض على غزة والضفة الغربية الخ..
} لا تفاوض ولا اعتراف بالدولة في لبنان، بل تعزيز للعلاقة بالعميل لحد ورعاية للميليشيا التي تذود عن الاحتلال الإسرائيلي وتفتديه بالدم، وتهديد للصامدين في جنوب لبنان بالتهجير والموت إذا ما استمرت عمليات المقاومة.
} مبادرة سريعة إلى محاولة توظيف »لجنة المراقبة لتفاهم نيسان« إطاراً بديلاً للمفاوضات (الأصلية) التي يقول الجنرال إيتان إنها قد »تفجرت«، واستثمارها في غفلة من الطرف اللبناني لسرقة دور »المعتدى عليه« منه.
} لا عودة إلى طاولة المفاوضات مع سوريا، وإغلاق كلي لملف حقوقها في أرضها، وإرسال مذكرة إحضار إليها لتأتي مخفورة فتفاوض عن لبنان وعليه، وإلا شملت الغارات الإسرائيلية مراكز قواتها في الأراضي اللبنانية.
شرط مسبق يُفرض تحت عنوان إرهابي: التفاوض من دون شروط مسبقة!
* * *
الوجه الآخر للصورة يفضح حجم العجز عن الاختراق السياسي الذي تعاني منه حكومة نتنياهو عربياً، وإسلامياً إلى حد كبير، كما يفضح حجم الانزعاج الأوروبي من تظاهرة القوة التي قدم نفسه بها زعيم الليكود الجديد، خصوصاً بعدما عززها النفاق الأميركي غير المسبوق، والذي طاول أعلى مستويات السلطة وشمل الحزبين المتنافسين تقليدياً، فنصب نتنياهو فوق أبطال الوطنية الأميركية التاريخيين!
لقد سقطت الأوهام عن شراكة الازدهار والرخاء مع إسرائيل مع سقوط بائع الأوهام شيمون بيريز.
وخلافاً للادعاءات، فإن بنيامين نتنياهو لم يحقق أي اختراق جديد، عربياً، بل انه عجز عن الاحتفاظ بالمكاسب والاختراقات التي كان حققها الثنائي رابين بيريز.
وإذا كان قد سُجِّل على القاهرة أنها استقبلت نتنياهو »بأكرم« مما يجوز، وتساهلت معه (أقله في الشكل) بأكثر مما يجب، وربما لدواعي تأمين النجاح لزيارة الرئيس مبارك إلى واشنطن، فإن الموقف المصري في جوهره يحتفظ بالقدر الكافي من الصلابة والقدرة على الصد.
لقد استرد النظام المصري، سريعاً، الكثير مما كان قدمه كبادرة حسن نية، لأنه لم يلق من جانب نتنياهو ما يقابلها. وهكذا عاد الرئيس حسني مبارك يؤكد التزامه الكامل بمقررات القمة في القمة، ويخطو إلى أبعد منها: فيعلّق مصير مؤتمر القاهرة الاقتصادي على مدى تقدم إسرائيل نحو السلام، ويربط الحديث عن الصواريخ المصرية والتسلح إجمالاً، بفتح ملف السلاح النووي الإسرائيلي، ويحدد موقفاً قاطعاً برفض مشروع »لبنان أولاً« متبنياً مقولة الرئيس السوري حافظ الأسد المضادة: »سوريا ولبنان أولاً«.
في غفلة من الزمن سقطت اجتماعات اللجان المتعددة وكأنها لم تكن.
بات من الصعب على أي عربي أن يلتقي بذريعة »السلام« مع مَن يمثل هذا الآتي إلى الحكم في إسرائيل بثياب الحرب ولغتها.
حتى سلطان عُمان بات يعاني من حرج الاستمرار في العلاقة برغم خروجه الدائم عن الحد الأدنى الذي يلتقي عليه العرب.
أما المغرب فقد وجد نفسه مضطراً الى تجميد ما كان متحمساً ومندفعاً لإنجازه على صعيد المزاوجة بين العبقرية اليهودية والمال العربي، والذي بدا كأن شيمون بيريز حوّله إلى نظرية رائجة عبر مشروعه الوهمي »الشرق الأوسط الجديد«.
ولم يكتفِ ملك المغرب بالاعتذار عن عدم استقبال نتنياهو فحسب، بل إنه دعا شيمون بيريز الى الإعلان عن اعتراضه على المنهج المتطرف الحاكم الآن في تل أبيب.
على أن أكمل تجليات الرفض العربي للعلاقة مع نتنياهو قد تبدت حيث لم يكن يتوقع الكثيرون: في الأردن. فقد ثبت لفقراء المملكة أن الأوهام التي باعها لهم مليكهم حول الرخاء الآتي عبر العلاقة مع إسرائيل لا تطعم خبزاً، إضافة إلى أنها تذهب بالكرامة الوطنية، فكان الانفجار سياسياً وإن اتخذ من الضائقة الاقتصادية عنواناً.
على الضفة الأخرى، الإسلامية، فإن التحول التركي أوضح من أن يحتاج إلى تفسير: وأنقرة في ظل أربكان محكومة بأن تستعيد توازنها في العلاقات مع العرب، وأن تخفف اندفاعها الاستفزازي (عربياً) في اتجاه تل أبيب التي ثبت أنها تأخذ منها أكثر مما تعطيها.
هل تفسّر هذه المعطيات لجوء نتنياهو إلى هذه الحرب الإعلامية المدوية التي تندرج في سياقها التصريحات والأحاديث عن الصاروخ السوري للتغطية على تجارب الصواريخ الإسرائيلية، وزيارة لحد وتقبّل هدية السيف، وتحليلات الخبراء الاستراتيجيين المتجددة عن ميزان القوى على الجبهتين السورية والإسرائيلية؟!
في أي حال، فإن هذه الوقائع قد تبرّر الجولة الجديدة للمبعوث الأميركي دنيس روس في المنطقة، التي تستهدف فقط الاعلان بأن واشنطن المشغولة بانتخاباتها (كما بيروت)، معنية باستمرار الكلام، مجرد الكلام، عن »السلام«، حتى لا يكون دوي طبول الحرب الصوت الوحيد الذي يغطي المنطقة.. وقد يستنفرها.

Exit mobile version