طلال سلمان

نتنياهو: أمرنا بتطهير المعاقل الأخيرة لحماس

في اليوم الخامس والعشرين بعد المئة على العدوان، يكبر الأمل بقرب الفرج برغم تهديد الغاصبين بتشديد الحصار وتكثيف القتال. فالتهديدات لا تضعف ثقتنا بالنصر ولا تمسّكنا بحقوقنا الأساسية في وطننا.

***

قبل أن يكمل أحد قراءة رد “حماس” على “مقترح باريس”، انطلقت “إسرائيل”، ومن خلفها الولايات المتّحدة، في حملة لإبطال أي مفاعيل إعلامية أو سياسية لهذا الرد.

وكان واضحا أن جانبا هاما من الحملة يرمي إلى تركيز الأنظار على ما زُعم أنّه “رفض” حماس للمقترح، للتغطية على رفض إسرائيل المطلق له.

وقد اعتبر قادة الكيان أن رد حماس يعني رفض المقترح، بالرغم من أن الوسطاء، وعددا كبيرا من دول العالم، قرأته على أنه يشكل “تقدما”، ولو طفيفا، في المواقف.

وكان جليا أن سبب الحملة الإسرائيلية هو تركيز رد “حماس” على الوقف التام للحرب، وعودة النازحين، وانسحاب القوات الغازية من القطاع، في حين أن إسرائيل لا تريد التركيز إلّا على تبادل الأسرى، ووفق اشتراطاتها هي فحسب.

وأعلن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو أمس، في سياق تعليقه على ردّ “حماس”، وفي مواجهة التحذيرات الدولية والأمريكية من مغبة مهاجمة رفح نظرا لأعداد النازحين الهائلة فيها، لقد “أصدرنا تعليمات للجيش الإسرائيلي بالعمل في رفح ـ والمعسكرات الوسطى، وهي المعاقل الأخيرة لحماس. وسيسمح الجيش الإسرائيلي للسكان بالمرور الآمن وفقا للقانون الدولي”.

وفي الواقع، وقبل الخوض في معنى الحملة الإسرائيلية ومغازيها على رد حماس، من المهم معرفة حقيقة موقف رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو وغالبية أعضاء حكومته من صفقة التبادل، ومكانتها في نظرهم.

وفي هذا السياق، ليس هناك أفضل من عرض رأي مذيع ومقدم برامج إسرائيلي مشهور هو غاي بيلغ، الذي اعتبر في برنامجه الإذاعي أن صفقة التبادل لن تتم لأن القائمين عليها، كما في إسرائيل، لا يريدونها، وأن إشغال الجمهور الإسرائيلي بها هو “إهانة للجمهور”.

واستهل بيلغ برنامجه أمس بالإعلان عن أن المفاوضات “المحمومة لتبادل الأسرى ربما تكون مفيدة لتبديد الضغط الشعبي”، مهاجما بشدة ما يُنشر عن اتصالات خاصة بالصفقة.

واعتبر بيليغ أنه لا يتوقع حدوث أي تقدم بسبب “الشروط المفرطة” التي تفرضها حماس، موضحا “أقول ذلك بألم وحذر – في رأيي، فإن شروط الصفقة النهائية مع حماس واضحة. الدراما، والترقب، والمفاوضات المحمومة، كل هذه الأمور هي أمور واضحة، إذ ربما يكون من الجيد تبديد الضغط الشعبي، وإعطاء الانطباع بأن كل شيء يبذل لإطلاق سراح المختطفين”.

إلّا أنّه أضاف: “إن الترقب والدراما هما بالتأكيد مفيدان لزيادة نسبة مشاهدة نشرات الأخبار، لكن في رأيي أن ذلك لن يغيّر النتيجة النهائية”، مشدّدا على أن “حماس لن تفرج عن جميع المختطفين، إلا مقابل إطلاق سراح العديد من القتلة، مئات أو آلاف، القتلة الحقيرين. وفوق كل شيء، وهذا هو التأكيد، مقابل وقف نهائي وكامل للأعمال العسكريّة”.

ومضى قائلا “إنهم لا يتوقفون عن بيع الوهم للجمهور. السنوار لن يتخلص من سلاحه الرئيسي، أي المختطفين، وإذا تخلى عنهم، فإنه يبقى مكشوفًا أمام آلة الحرب الهائلة للجيش الإسرائيلي… أنسوا الأمر. فالمعضلة واضحة ومعروفة منذ ليلة 7 أكتوبر. والباقي هو ما نراه.”

ثم وصل لبيت القصيد معربا عن رأيه بأنه “لسوء الحظ، لا أرى إمكانية التوصل إلى مثل هذه الصفقة مع هذه الحكومة، مع رئيس الوزراء هذا الذي لديه ترتيب واضح لأولوياته في رأيي. ولا يخطئن أحد، إن الإطاحة بحكم حماس ليست هدفه الرئيسي. الهدف هو: تعزيز حكمه بالهروب من المسؤولية، ولهذا لم أقضم أظافري في انتظار نشر رد حماس، وأنا لست متوترا الآن من الرد الإسرائيلي”.

وختم بيليغ قائلا “لقد أدركت أن النضال من أجل تحرير المختطفين من المتوقع أن يفشل، للأسف. سيتم إلقاء اللوم على الأطراف جميعها في النهاية: الجيش الذي لم يساعده الضغط العسكري، وحماس التي لم تكن مهتمة بالصفقة، وسيسعى نتنياهو للتحرر وحده من المسؤولية عن الكارثة الرهيبة التي حدثت خلال قيادته، الكارثة التي تستمر مع الموت البطيء”.

ويعرف الإسرائيليون أن نتنياهو وغالبية أعضاء حكومته بالإضافة إلى قادة الجيش، يناضلون طوال الوقت ضد صفقة التبادل، وضد الهدن الأولى حتّى. ولكن، ولأن الهدن الأولى كانت “إنسانية” الطابع، لم يتجرأوا على معاندة واشنطن في إنجازها، بل اكتفوا بمحاولة عرقلتها مرارا. هكذا يمكن فهم الموقف المعلن للقيادة الإسرائيلية من رد “حماس”.

ومن المهم التذكير بأن الموقف “الرسمي” لإسرائيل من رد “حماس” سيتقرر في جلسة تعقد مساء اليوم للمجلس الوزاري الأمني السياسي الذي يعتبر كل من سموتريتش وبن غفير قادة الرأي فيه.

ومع ذلك، عاجل وزير الحرب يؤآف غالانت إلى الإعلان عن موقفه خلال زيارة وزير الخارجية الأميركية اتوني بلينكن معلنا أن “صياغة رد حماس صيغت بحيث ترفضه إسرائيل. إن موقفهم سيؤدي إلى استمرار الحرب، وإرسال قواتنا إلى أماكن أخرى في غزة”.

أمّا نتنياهو، فلم يستطع بدوره تأجيل إعطاء رده يوما واحدا، وأصر على إطلاقه مساء الأمس في موعد النشرات الاخبارية الرئيسية في محطات التلفزة الإسرائيلية.

وقال نتنياهو “لقد بدأنا عملية تاريخية وعلينا أن ننهيها بانتصار ساحق”. مضيفا أنه التقى أفرادا من المنتدى البطولي لمنظمة العائلات، الذين أعطوه كتيبًا تذكاريًا بعنوان “في موتهم أمرنا بالنصر”، وقد توجه إليهم قائلا إن أبناءهم “لم يسقطوا عبثًا، جئت الليلة لأقول لكم شيئًا واحدًا – نحن في طريقنا إلى نصر مطلق، وهو في متناول اليد. ليست مسألة سنوات بل أشهر. الجيش الإسرائيلي يصنع العجائب.”

أضاف جيش الاحتلال “يتقدم بشكل منهجي لتحقيق الأهداف القتالية كلّها التي حددناها له. منذ البداية، قررت أن النصر الكامل هو هدفنا، ولن نقبل بأقل من ذلك. عندما كنت أخدم في سييرت متكال، كان هناك مثل يقول لا تعود حتى تنفذ حكم الإعدام. اليوم أسمع من المقاتلين أنهم لن يعودوا قبل أن ينتصروا. وهذا يتناقض بشكل صارخ مع ما أخبرنا به كثيرون في المجتمع الدولي من أن هذه الخطوة لن تنجح، وأنه سيكون من الخطأ الدخول إلى مدينة غزة لأننا لن نكون قادرين على تطهير مقر حماس دون قتل آلاف المدنيين. ”

ولا بد من الإشارة لحقيقة أن كلام نتنياهو في مؤتمره الصحافي كان بالغ القسوة تجاه ما يريده لغزة في “اليوم التالي”، وهو على النقيض التام مما يريده الوسطاء أو واشنطن، ويدل على أن الأميركيين سوف يواجهون عراقيل جمّة قبل أن يوصلوا الطرفين إلى نقطة التقاء.

Exit mobile version