طلال سلمان

ميشال سليمان عند بوش وصايا ما قبل رحيل

لن يجد الرئيس ميشال سليمان آذاناً صاغية لمطالبه وشكاويه خلال رحلته الأميركية، وإن كان سيلمس تعاطفاً طيباً من قبل أقرانه ممثلي الشعوب المقهورة إما بالاحتلال المباشر وإما بالهيمنة الأميركية التي تصادر القرار الوطني في مشارق الأرض ومغاربها، وتحديداً في المنطقة العربية… ودائماً بالشراكة مع حليفها الاستراتيجي: إسرائيل.
إن إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش تمضي أيامها الأخيرة في البيت الأبيض وهي غارقة حتى أذنيها في تداعيات الأزمة المالية العاصفة التي ضربت الاقتصاد الأميركي.
ثم إن هذه الإدارة التي كانت ترى في نفسها رسول العناية الإلهية لإنقاذ الكون من الشرور قد أغرقت بلاداً كثيرة، بعيدة جداً عن حدودها وحتى عن مداها الحيوي، في دماء شعوبها… وهي الآن رهينة القرارات الخاطئة التي اتخذتها ثم نفذتها بوحشية غير مسبوقة تارة بذريعة »مكافحة الإرهاب«، كما الحال مع أفغانستان، التي حوّلتها ـ من جديد ـ إلى مستنقع دموي، أو بذريعة فاقعة في كذبها كمثل تلك التي استخدمتها في حرب احتلالها العراق وتدميره وتمزيق وحدة أرضه وشعبه.. في حاضره ومستقبله القريب.
لن يسمع الرئيس ميشال سليمان جديداً من رجال الإدارة الأميركية التي تحزم حقائبها استعداداً للخروج من البيت الأبيض مطاردة بسخط شعبها: سيحاضر فيه الرئيس الأميركي عن »ثورة الأرز« وإنجازاتها وعن »الديموقراطية« التي هبّت لنصرتها وتوطيد أركانها »الطوائف«، وعن التزام إسرائيل بموجبات »السلام« والاستقرار في المنطقة، بشهادة حرب تموز ،2006 ضد لبنان، وكذلك بشهادة ما قدمته وتقدمه للفلسطينيين، شعباً وسلطة من مجازر ومن مستعمرات لوحوش المستوطنين، وكل ذلك من أجل تمكينهم من إقامة »دولتهم« مباشرة بعد توطيد أركان »دولة اليهود« فوق تلك الأرض المقدسة..
ولسوف يحرّضه الرئيس بوش ومعه أركان إدارته، على »حزب الله« باعتباره تنظيماً إرهابياً، وعلى سوريا وإيران باعتبارهما »محور الشر«، وسيحيي شجاعة الأطراف اللبنانيين الذين تصدوا ويتصدون لمواجهة »التدخل الخارجي« ولو بالفتنة الداخلية واقتتال الإخوة في البيت الواحد.
أما المساعدات، مالية أو عسكرية، فليس الوقت مناسباً لبحثها، وإن كانت الإدارة الأميركية سوف تطلب من أهل النفط العربي أن يكونوا أكثر سخاءً مع لبنان، مع تعهد بأن تواصل القيادة العسكرية الأميركية إمداد لبنان بسيارات »الهمفي« بحيث يكون لكل جندي في الجيش اللبناني سيارة واحدة على الأقل، وكذلك ببنادق أم ـ 16 وبالمسدسات اللازمة بحيث لا يظل لبناني واحد بغير سلاح، مما يوطد أركان الوحدة الوطنية و»التلاحم« بين اللبنانيين ويعزز قدرات »الدولة«، بحيث ترفرف أعلام الديموقراطية في سماء بلاد الأرز.
على أن رحلة رئيس الجمهورية ستكون مفيدة في عصر باتت »العلاقات العامة« فيه من أركان السياسة، بل والاقتصاد أيضاً.
وبالتأكيد فإن لقاءاته ببعض المسؤولين العرب قد توفر فرصاً أفضل لنجاح جولته العربية القريبة، إن على مستوى المساعدات الاقتصادية أو على المستوى السياسي، لا سيما إذا نجح في إقناعهم بأن لبنان ليس طرفاً في الصراعات بل إأن الاستقرار فيه مصلحة عربية مشتركة، خصوصاً وقد جرّب كل طرف فيه قدراته فحسمت »الأرض« النتائج.
كذلك فلسوف يتمكّن الرئيس سليمان من أن يهمس في أذن الأمين العام للأمم المتحدة أن بعض مساعديه قد أساءوا إليه شخصياً وإلى المنظمة الدولية ودورها، فضلاً عن إساءتهم إلى لبنان، بانحيازاتهم المشبوهة إلى إسرائيل وتصرفهم وكأنهم »طرف سياسي داخلي«.
على أن أهم الاستنتاجات التي سوف يعود بها رئيس الجمهورية هي أن العالم يعيش مرحلة انتقالية، فالهزة الخطيرة التي تعصف بالامبراطورية الأميركية ستحدث تحولات مهمة سواء على المستوى الأميركي الداخلي أم على مستوى الدول الكبرى التي تصاغرت في فترة سابقة، ولأسباب اقتصادية أساساً، ومن ثم سياسية، بكل انعكاسات هذه التحولات المرتقبة على العلاقات الدولية عموماً، وفي منطقتنا المهمة لغناها ولموقعها الاستراتيجي خصوصاً.
وبالتأكيد فإن الرئيس ميشال سليمان سيرفض في البيت الأبيض ما كان رفضه في بيروت من أن يتحول جيش لبنان إلى حارس حدود لإسرائيل التي تخرق حرمة سمائه كل يوم مرات ومرات، والتي تصوّر مسارات النمل في جروده، ثم تدعي بعد ذلك ـ وتتبنى الإدارة الأميركية دعواها ـ أن قوافل السلاح الإيراني عبر سوريا تمتد ما بين طهران وبنت جبيل، على مدار الساعة!
على أن أهم ما سيعود به الرئيس من رحلته الأميركية أن الحوار في لبنان، والتوافق عبره، هما شرط حياة لهذا الوطن الصغير ولدولته التي كانت وهي لا تزال قيد التأسيس، في انتظار توطيد أركان الوحدة الوطنية.
وليس بالمناخ الطوائفي السائد تتوطد تلك الوحدة المنشودة.

Exit mobile version