طلال سلمان

مونديال لبناني

إنه المونديال … وهو واحد في العالم كله، أما في لبنان الذي يختصر العالم فهو مختلف فيه عنه في أي مكان وزمان!
إنه المونديال … وهو في العالم كله عابر للقوميات والأعراق والأديان والألوان، أما في لبنان فهو مشجع و راع للطوائف والمذاهب والعناصر، ينقسم خلاله اللبنانيون إلى ضد المع و مع الضد ، ويرفع كل منهم علم الدولة التي يكرهها جاره وليس بالضرورة علم الفريق الذي يفضله ويريد له أن ينتصر.
إنه المونديال … لكنه في لبنان يتجاوز الرياضة إلى السياسة، وهكذا ترى الحكم اللبناني منقسماً على نفسه موزعاً على فرق عديدة، يكاد يكون لكل فريق مرماه الخاص، بينما يتكدس اللاعبون على خط الهجوم، كل يهجم على الآخر، حتى تضيع مع الطاسة الكرة.
تخيّل جلسة لمجلس الوزراء: أين المرمى من خط الهجوم ومن خط الدفاع، وحارس المرمى هو الذي يسجل الأهداف!
فالرئيس في مجلس الوزراء هو رئيس الجمهورية، ولكنه متى همّ بالخروج وقبل أن يغلق خلفه الباب، أُسقطت عنه الفخامة وطورد بالمطالبات برحيله، فإذا جاءت الجلسة الثانية انقلب مهاجماً وصار خصومه مدافعين يتبرّع بعضهم برد الكرة عن مرماه!
في مجلس الوزراء متعدد الولاءات هو حارس الدستور فإذا غاب عن الجلسة صار المدان بخرق الدستور، وتبادلت الفرق المؤتلفة المختلفة رميه بالاتهامات التي تداني الخيانة العظمى.
… ثم ان الملعب في لبنان بلا حدود، فهو قد يتسع حتى يبلغ واشنطن غرباً والرياض شرقاً، وقد يضيق حتى تضطر مؤسسة مجلس الوزراء إلى التشرد في الشوارع بحثاً عن مأوى… ولو بلا حارس!
إنه المونديال … ولكنه في لبنان غير شكل : فالحكام فيه بعدد الدول الأعضاء في مجلس الأمن، بل قد يزيدون إذا ما انضمت إليهم دولة عظمى مثل رومانيا، التي بحركة بسيطة شقت الحكم فأعادته إلى خلقه الأول: طوائف متنابذة ومذاهب مقتتلة.. ولا من يجرؤ على الذهاب إلى مؤتمر الفرنكوفونية، لأن البطاقة الحمراء تهدده بالطرد..
أما البطاقات الأخرى التي ترفع في وجوه اللاعبين المحليين المخالفين فكثيرة متعددة الألوان: عندك المساحة الممتدة بين القرار 1559 والقرار 1680 وما بينهما من منتجات الفصل السادس الذي يكتفي بالإنذارات ولا يصل إلى حد استخدام القوة كما الفصل السابع..
إنه المونديال … والمباريات في لبنان مفتوحة على مدار الساعة، والزمن مفتوح، والساحات أو الميادين بلا حصر: من مجلس القضاء الأعلى الذي انتهى أمره بأن سجلت الأهداف ضده، إلى المجلس الدستوري الذي تحوّل إلى مرمى تتكدس فيه الأهداف في الذهاب والإياب.. وبالأمس، حين قصده فريق العماد بالاعتراض تعذر على من فيه أن يحددوا موقفهم وهل هم خط دفاع أم خط هجوم، ومع ذلك فقد تم تسجيل هدف ضد.. مجهول!
إنه المونديال … ولكنك في لبنان لا تعرف وظيفة الفرق المختلفة المؤتلفة، التي يلعب كل فرد فيها على هواه، وإن فضّل الجميع موقع الهجوم حتى على موقع مدير عام بالوكالة أو حارس بلدي!
هل رئيس الجمهورية هو حارس المرمى أم المرمى؟
وهل الحكومة هي خط الدفاع عنه أم خط الهجوم عليه، أم هي تنتشر على خطين متوازيين لا يلتقيان.. إلا بإذنه تعالى؟!
على أن المؤكد أن الشعب هو المرمى : كل يرميه بدائه وينسل..
إنه المونديال … وفي لبنان نفرح لانتصارات الآخرين نكاية بجيراننا، أو نغضب لهزيمة فرق أخرى لأنها تتيح لغيرنا أن يشمت بنا، مع أننا خارج الملعب.
إنه المونديال … ترى متى يصبح لبنان فريقاً لاعباً لا مجرد كرة تتقاذفها مصالح الآخرين؟!

Exit mobile version