طلال سلمان

موقع عرب مسلمين في كتاب ابيض لساركوزي

الانطباع الفوري الذي يتركه خطاب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في سفرائه المعتمدين لدى دول العالم هو أنه لم يخلع، بعدُ، ثوب المرشح للرئاسة ، ولم يغادر، بعد، لغة المنافس الذي يريد بأي ثمن أن يهزم منافسيه، فيندفع بعيداً إلى حيث لا يستطيعون الوصول.
ولسوف ينقسم الفرنسيون، كالعادة، حول خطاب رئيسهم ، الآن، نيكولا ساركوزي، فيراه البعض تاريخياً يليق بعظمة فرنسا، وينتقد بعض آخر قصوراً فيه أو نرجسية نافرة، أو نبرة إعجاب مبالغ فيه بالإدارة الأميركية وسياساتها الكونية المؤسسة للحضارة الجديدة.
أما بالنسبة للآخرين، من غير الفرنسيين خصوصاً والغربيين عموماً، فنفترض أن الاستقبال لن يكون حاراً… وستكون للعرب والمسلمين بشكل خاص انتقادات جدية وملاحظات جوهرية على النص الذي يعكس الأهداف المعلنة لسياساته التي يطلب إلى سفرائه أن يعتمدوها قاعدة لعملهم مع تلك الشعوب التي يشفق الرئيس الفرنسي الجديد من بقائها خارج العصر، ومن تعذر دخولها إليه إلا إذا أخذ بيدها ولي أمرها صانع الحضارة الإنسانية في الماضي والحاضر والمستقبل.
هنا لم تختلف لغة الرئيس عن لغة المرشح كثيراً، خصوصاً أن ساركوزي شمل بهذا التوصيف الجميع: تركيا وإيران وباكستان، وبالمقابل العراق وسوريا وفلسطين، مع استثناء عاطفي للبنان لأنه منذ قرون عزيز على قلوب الفرنسيين .
وتدليلاً على مكانة لبنان الخاصة فإن الرئيس الفرنسي يريد أن يبدأ الحوار فيه من الأعلى: رئيس ضمن المهل الدستورية، وبحسب الدستور، يعتبره جميع اللبنانيين ممثلاً لهم ويكون قادراً على العمل مع الجميع.. .
وبمعزل عن أن ساركوزي قد اشترط على سوريا أن تلتزم قواعده اللبنانية ليكون بينها وبين فرنسا حوار، فإن الرئيس الفرنسي قد جعل تاريخ لبنان محدداً ومحصوراً بين قراري مجلس الأمن الدولي 1559 و.1701
إذاً، فالحوار مع سوريا مشروط بحسن سلوك دمشق مع لبنان، ومن داخل القرارات الدولية التي استولدت بعملية قيصرية ومن خارج التاريخ والجغرافيا.
في العراق، تبنى ساركوزي لفظاً موقف سلفه جاك شيراك المعارض للحرب الأميركية… لكنه استخلص بالنتيجة أن المأساة العراقية تعني أمة تتخبط في حرب أهلية لا ترحم، ومواجهات بين الشيعة والسنة قادرة على إضرام النار في الشرق الأوسط بأسره، وإرهابيين ينزلون أينما شاءوا، واقتصاد عالمي تحت رحمة أصغر شرارة تصيب حقول البترول .
لا صلة، إذاً، بين السبب والنتيجة. والنفط أهم من بشر المنطقة التي تختزنه جميعاً.
أما فلسطين فالمدخل إلى الحديث عنها إسرائيلي … واستباقاً لأي تأويل فقد أعلن ساركوزي بوضوح قاطع: لديّ سمعة بأنني صديق لإسرائيل، وهذا صحيح ولن أساوم أبداً على أمنها …
ويعرف ساركوزي أن الحل المنشود للصراع في فلسطين هو: دولتان لأمتين.. لكنه يعرف أن هناك شعوراً محبطاً بأن السلام لا يتقدم، وينتهي بأن يتخوّف من خلق حماستان في غزة قبل أن يسيطر الإسلاميون الراديكاليون على كامل الأراضي الفلسطينية، وهو احتمال لن نقبل به ..
لا حل، إذاً، لقضية الشعب الفلسطيني وحقه في أرضه.. لكنه إذا ما قاوم الاحتلال، بما تبقى له، في الحصار المضروب عليه، فلن يقبل ساركوزي!
مع الإسلام تبدو المشكلة أكثر تعقيداً، لأن الرئيس الفرنسي يصعب عليه إيجاد مصدر غيره للإرهاب… والرد عليه يكون بالأمن، وعبر مساعدة قوى الاعتدال والحداثة في كل بلد مسلم (والنماذج معروفة)…
من هنا، ولأنه لا يريد أن يكون خبيثاً فهو يرفض منح تركيا شرف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي… ويعرض بالمقابل أن تبقى لهذه الدولة فسحة من الأمل في إنشاء اتحاد متوسطي جديد، يضم أنقرة !
وفي حين يدعو باكستان إلى دكتاتورية معلنة ولو تحت مسمى سياسة أكثر حزماً ، مع التعهد بمساعدتها!!، فإنه يؤكد أنه من واجبنا وواجب حلف شمال الأطلسي زيادة جهودنا (العسكرية) في أفغانستان ..
أما إيران فقد وعدها بحوار لا تنازلات فيه.. فإيران مسلحة بالقنبلة النووية أمر غير مقبول.. وهو يجر مباشرة إلى قصف إيران .. واستدرك فوصف هذه المعادلة البائسة بأنها من دون شك أسوأ ما يثقل على النظام الدولي .
[ [ [
هذه هي الأفكار الأساس التي سوف تحكم مسلك عهد ساركوزي كما قدمها في خطابه الذي أطلق عليه الكتاب الأبيض .
وفي ما خص قضايا العرب وأزماتهم، ولبنان بعض عناوينها في هذه اللحظة، فإن مقترحات الرئيس الفرنسي لا توفر حلولاً عملية، بل لعلها تزيد من تعقيدات الأوضاع المتفجرة في هذه المنطقة الضائعة أو المضيَّعة عن طريقها إلى غدها.
وإذا أضفنا إلى التزامه الثابت بأمن إسرائيل انبهاره بالولايات المتحدة الأميركية، كان علينا أن نتواضع في توقعات التحوّل في موقف فرنسا، اللهم إلا إذا اعتبرنا أن هذا التحوّل سيكون سلبياً… وهو ما تغري به الأوضاع العربية ذاتها.
والمشكلة، بداية وانتهاء، في العرب وليس في الآخرين ، وكيف يتعاملون مع قضاياهم المنسية أو المعلقة أو المتروكة للريح.

Exit mobile version