طلال سلمان

موفدون اميركيون لتسوية خلاف عقاري عربي اسرائيلي

أما وقد انفرجت الأزمة المصيرية في لبنان بالتوافق العربي ـ الإقليمي الدولي على حكومة وحدة وطنية ـ أممية، فقد بات بالإمكان أن نلتفت إلى ما حولنا، وأن نتبين من خلال الغبار الذي أثارته وتثيره حملة الموفدين الأميركيين على منطقتنا، ماذا ينتظرنا، أو بالدقة: إلى أين يُراد أخذنا كعرب بالجملة، وماذا يدبر لكل دولة من دولنا المهددة في كيانها أو في نظامها أو في «أمنها القومي» لحساب العدو الإسرائيلي تحديداً؟!
ولتعدد الموفدين منطق واضح: بعضهم يحمل جزرة وهمية، والبعض الآخر يحمل عصا غليظة. بعضهم يغري «المحاصرين» بالازدهار الاقتصادي، وبعضهم الآخر يطالب المزدهرين اقتصادياً بدفع «ضريبة الرفاه» للإسرائيلي، خطوط طيران في أجواء مفتوحة، ومكاتب تمثيل لتنشيط السياحة والعلاقات الإنسانية وكسر حدة العداء، ومعها «هبة» إسرائيلية في مجالات التقدم العلمي من تكنولوجيا المعلومات إلى الري بالتنقيط لصحارى العطش في دنيا العرب.
أما الإطار العام لمهمات الموفدين الكثر فهو، ببساطة: تحويل الصراع التاريخي بين الكيان الإسرائيلي الذي صار دولة اليهود في العالم وبين العرب إلى نزاع عقاري بين هذه الدولة ذات الامتداد الكوني وبين الفلسطينيين وحدهم، وبالتحديد… مع تسويات من طبيعة عقارية، أيضاً، مع الدول العربية المجاورة لإسرائيل.
لم يعد الاستيطان بالمستعمرين «احتلالاً مدنياً» معززاً بالقوة التي لا تقهر لأرض الفلسطينيين، وطرداً لهم من أملاكهم الموروثة كابراً عن كابر، والتي عمّروها وزرعوها ورعوها وسقوها بعرق الزنود جيلاً بعد جيل، وبنوا فيها بيوتهم التي تحمل أنفاس الأجداد، على امتداد ألفي سنة أو يزيد.
صار «الفلسطينيون» فائضاً يحتل الأرض التي سوف يبني عليها المستعمرون المستقدمون من أربع رياح الأرض مستعمراتهم المحصنة مثل قلاع حربية، أما أصحاب الأرض والبيوت فليذهبوا إلى حيث شاءوا من بلاد الله العربية الواسعة يعمرونها ويخضرون صحراءها.. فإن رفضوا فإلى الجحيم، هم ومن كان يدعي أخوتهم ومشاركتهم السراء والضراء!
الضفة الغربية هي ـ بمعظمها ـ «يهودا والسامرة»! والقدس هي «يوراشليم» والأغوار مصدر للمياه، والمساحة التي أخلاها البحر الميت بسبب من تناقص مياهه تعود حكماً إلى إسرائيل، والجليل الأعلى ضرورة استراتيجية لحماية إسرائيل، والجولان مساقط المياه التي لا تستغني عنها حياة الإسرائيليين، وتلال كفرشوبا قلعة حراسة للمستعمرات في الجليل، وحتى قرية «الغجر» ضرورة لأمن إسرائيل، وهي بالتالي خارج النقاش.
أما اللاجئون أي الفلسطينيون الذين شرّدهم الاحتلال الإسرائيلي بعدما انتزع منهم ـ بالقوة ـ ديارهم وأرضهم وقبور أجدادهم، فليذهبوا إلى أهلهم العرب لكي يعود اليهود في العالم إلى دولتهم: إسرائيل… وهذه قسمة ضيزى لا غابن فيها ولا مغبون!
ثم إن المياه العربية «دولية» بالضرورة، وبالتالي يجب أن تكون مفتوحة تماماً للغواصات والبوارج والمدمرات والزوارق الحربية الإسرائيلية، أو هذا ما بشرنا به وزير الخارجية المصري، وهو أكرم من حاتم الطائي بدليل أنه أعطى من قبل أن يطلب منه!
أما السماء فلله… والله لكل من آمن به، واليهود بين أوائل المؤمنين به، بل إنهم وحدهم ـ ومن دون الخلق ـ قد «وظفوه» جل جلاله، لخدمتهم في الحرب والسلم، وما كان في مقدوره يوماً أن يرفض لهم طلباً… فمن يجرؤ على إقفال سماء الله بوجه شعب الله المختار، وطيرانه عموماً، مدنياً كان أم حربياً، ذاهباً في رحلات تجارية سياحية أم لقصف بعض «المخربين» و«مهربي السلاح» في السودان، مثلاً، أم لتدمير السلاح النووي الإيراني… وصحيح أن هذا السلاح ما زال حتى اللحظة مجرد احتمال، ولكن بعض حكماء العرب قالوا «اعقلها وتوكل».
السماء لله، فبأي حق تغلقها هذه الدولة أو تلك على سلاح الجو الإسرائيلي الذي من ضمن مهامه حماية المفاعل النووي في ديمونا، وهو قائم فعلاً ومنتج لأسلحة الدمار الشامل وليس احتمالاً أو قيد البـــناء! فمن هدد ديمونا هدد الإنسانية جمعاء! وبعض الموفدين جاءوا لحمــاية الإنسانية، وليس هذا عليهم بكثير. ألا يحمل دولارهم شهادة إيمانهم؟
الخلاف إذاً عقاري بحت: بعضه على الأرض، وبعضه الآخر على البحر وسائر المياه، والبعض الأخير على كرسي الله في الأعالي..
وهكذا فإن مهمات الموفدين الأميركيين محددة بوضوح قاطع: أعطوا إسرائيل حق الملكية المطلق براً وبحراً وجواً، وخذوا منها السلام… الأبدي!
وللعروض الأميركية وجهها الآخر: من قبل فهو «الصديق»، ولسوف يكافأ بكرم استثنائي، سلاماً يدر خيراً وفيراً وازدهاراً عميماً وتقدماً غير مسبوق، بحيث تصير حياته رغداً وسؤدداً ورفعة غير مسبوقة… أما من يرفض فلن يواجه إسرائيل وحدها، بل أولاً وأساساً يعرّض نفسه للعقاب الأميركي الصارم الذي تهون أمامه نيران جهنم!
هي صفحة جديدة مقلوبة من التاريخ تخاطب العرب مباشرة بشعار طارق بن زياد محرفاً: إسرائيل من أمامكم وأميركا من خلفكم فأين المفر؟!
والنظام العربي تأخذه الحــيرة: لمن يعطي أولاً، هل لإسرائيل ومن بعدها الأميركان، أم للأميركان وعبرهم لإسرائيل!
وهذه مشكلة فكرية عويصة تشغل بال النظام العربي الخالد، فمن وجد لها الحل فله جائزة عظمى في الدنيا وأجر عظيم في الآخرة!
المهم أن حكومة جديدة في لبنان ستولد خلال ساعات، فلا تدع أحداً يفسد عليك الفرحة بهذا الإنجاز الخارق.

Exit mobile version