طلال سلمان

موسم فضائح كبار

انتهى »العهد«، رسمياً، ولما ينتهِ التمديد وتمدّداته،
أكمل الياس الهراوي ولايته الأولى، وها هو يهم بالثانية، واستهلك نبيه بري مجلساً نيابياً كامل الأوصاف وها هو يقبض على رئاسة المجلس الجديد من قبل أن يلتئم في جلسته الافتتاحية، بينما يستعد رفيق الحريري لإصدار الطبعة الثالثة من »حكومته« الدائمة، منقحة ومزيدة.
لا تغيير فوق.
الاستقرار مشخصن في الترويكا والترويكيين،
أما التغيير تحت فبطيء جداً، ومحدود جداً، ورموز الدعوة إليه ثابتون كما الحكام، حتى ليمكن القول بالتكامل!
الاستقرار مؤمّن تحت أيضاً، لانعدام التجدّد،
ولأن التغيير حلم بعيد المنال، تلعلع أخبار الفضائح لعل »التشهير« ينفع حيث لم تصمد الأعراف وأصول اللعبة ونصوص الدساتير!
ولكل من الفضيحة »نصيب«،
أليس لكل من الكبار »صندوقه« السحري: تصب فيه الموازنة والقروض أنهاراً، فلا تلبث فيه إلا ساعات ثم تتبخر نثاراً ويضيع أثرها في الصحراء فلا هي تنبت زرعاً ولا إعماراً!
فضائح، فضائح، فضائح: سرقات واختلاسات وهدر بالمليارات، والدعوى دائماً ضد »مجهول«، وليس في القفص »موقوفون«، بل يبقى الاتهام في خانة الظنون ويضيع الشاهد والدليل، ثم تكون الذريعة في الإدارة التي ازدادت فساداً بعدما استحال التطهير أو ارتد على المطهرين!
تشتد الضائقة المعيشية فتتكاثر الفضائح الحكومية في إداراتها أو في الصناديق الإقطاعيات،
تتزايد حدة الركود الاقتصادي، وتتطاير حكايات النهب المنظّم كالشهب، ويتداول »العامة« الأسماء بلا ألقاب، وبلا حصانة، وبلا تفريق بين الذكر والأنثى، وبين »الحرامي« و»العسكر« الذي يحميه،
يضج الناس بالشكوى من ارتفاع تكاليف الحياة، وتقفل أبواب المدارس الرسمية التي كانت مهجورة في وجه التلامذة الآتين إليها الآن اضطراراً وبعدما ضاق باب الرزق أمام ذويهم، أو في وجوه أولئك الذين يعجز أهاليهم عن تأمين رسوم التسجيل،
ومن فوق رؤوسهم يتراشق »كبارهم« بالاتهامات الخطيرة،
ولو جمعت أرقام المبالغ المهدورة أو المنهوبة أو المختلسة من صناديق المال العام وإداراته لكانت تكفي لإيفاد أولئك التلامذة الى هارفرد وأوكسفورد لكي يكملوا الدراسة فيها ومعهم أهلهم!
ولأن الموسم موسم تعديل حكومي فقد اتسعت رحى الحرب لتشمل الزملاء الشركاء أنفسهم: الرئيس يتهم الرئيس، والوزير يتهم الوزير، والمدير يشير من طرف خفي إلى المدير الآخر، ولا بريء حتى يقطع الشك باليقين، والله أعلم بالسرائر!
لم يقل الخصوم في هذا العهد، برموزه كافة، ما يقوله أهله فيه!
ولم توجه إلى أي عهد، في عصور الفساد وسوء استخدام السلطة واستغلال النفوذ والإثراء غير المشروع، اتهامات قاسية كالتي يوجهها أهل العهد إليه وإلى أنفسهم (على اختلاف الأسماء).
مَن لم يكن سارقاً فهو حامي الحرامية،
ومَن لم يكن شريكاً للسارقين فهو متستر عليهم،
ومَن لم ينله نصيب من المال المسروق ناله نصيبه من المنافع التي ما كانت لتتأمّن لولا صمود »التحالف المقدس« !! بين المرتكبين!
ما كان موضع شك أكدته صفقة تقاسم محطات الإعلام المرئي والمسموع،
والأرقام التي كان يتداولها الناس حول الاختلاسات والهدر تأكدت بفضيحة الطوابع التي جاءت لتزكي فضائح المجالس والصناديق والقوانين المفصّلة على مقاس الفضائح اللاحقة.
وماذا بعد؟!
وإلى أين من هنا؟!
عند رحيل كل حكومة يزدهر موسم الفضائح!
فجأة يزاح الستار عن هذا الموقع أو ذاك فتظهر آثار الجريمة التي ستقيّد، بالنتيجة، ضد »مجهول«،
مع الاستشارات النيابية يبلع العديد من »مروجي الشائعات« ألسنتهم، في انتظار التشكيل،
وتكون الذريعة المنطقية: بات لدينا الآن مجلس نيابي جديد، وقد جاء بأكثرية شعبية محترمة، فلماذا الثرثرة حيث لا تنفع بينما الإطار الشرعي للمحاسبة بات موجوداً!؟ غداً نحاسب الحكومة في المجلس توكيداً لقيام دولة المؤسسات!!
وفي انتظار الغد الذي لا يجيء تحال الفواتير دائماً على الجهة الوحيدة المطالبة بتسديد كل حساب: المواطن!
تحضّروا، إذن، للضرائب الجديدة.
تحضّروا لملء »الصناديق« وتشغيل »المجالس« من جديد!
أليس الشعب اللبناني أكرم من حاتم الطائي وأكثر حلماً من معن بن زائدة؟!
عاش حاتم. عاش معن!

Exit mobile version