طلال سلمان

موتمر مهزومين

كلما اتسعت الدائرة هَزُلَ القرار!
وكلما تزايدت المؤتمرات الطارئة تناقصت العزائم وتكشّف العجز، واتسع هامش الحركة أمام إسرائيل بدل أن يضيق، وتعاظم الخوف العربي بالرعب الإسلامي، فإذا الختام مناشدة ركيكة للسيد الأميركي بأن يرحم »أصدقاءه« من العرب والمسلمين فيكفيهم شر القتال، وبأن يكون وسيطهم بل شفيعهم لدى »شريكه« الإسرائيلي فلا يحرجهم أكثر فيفضح هوانهم وقد يفتح أبواب جهنم التغيير عليهم وعليه وعلى العالم أجمعين!
لماذا المؤتمرات طالما أن نتائجها المفضوحة تتبدى جلية من قبل أن تنعقد؟
فجأة وبغير تبرير مقنع، غير احتدام الخلافات، ألغي اجتماع لجنة المتابعة العربية ليفسح في المجال لمؤتمر طارئ لوزراء خارجية الدول الإسلامية (52!!)، ثم انتهى المؤتمر اللجب ببيان أضعف مما سبقه، وبلجنة وزارية تطوف لشرح (؟) ما لا يحتاج إلى شرح عند من يعرفون أكثر مما تعرف اللجنة، ويملكون من سلطة القرار ما لا تملكه!
لعظيم احترام دول الاتحاد الأوروبي مثلاً لهذا المؤتمر الإسلامي »التاريخي« فقد طلبت بينما أعضاؤه في ذروة صراع الكلمات وضع نهاية للهجمات المسلحة على إسرائيل، كأنما جيوش فلسطين بطائراتها ودباباتها ومدافعها معززة بالإمكانات القتالية الهائلة للعرب والمسلمين هي التي تهاجم »شعب الله المختار« الأعزل، وتهدد رئيسه بالقتل وتدمر مقراته الرسمية على رؤوس رجال السلطة، والبيوت على سكانها!
ولعظيم احترام الصديق الأميركي الأعظم لهذه الدول الرافعة لرايات الإسلام فقد كانت إدارته، برجالاتها الأساسيين، تصدر »الفتاوى« المبررة »خلع« رئيس السلطة الفلسطينية، بعد اتهامه بالعجز عن »اعتقال« شعب فلسطين جميعا، ومنعه من الاحتجاج على الاحتلال بل من الاعتراض على اغتياله، فرديا وجماعيا!
مرة أخرى يفتضح أمر الهشاشة في هذا المؤتمر الذي أنشأته إرادة أجنبية مستغلة خروج بعض السلاطين العرب على العروبة، فضربت بالإسلام العروبة، وها هي الآن تلغي الإسلام بالمسلمين!
من يجرؤ على الجهر بإسلامه بينما الطائرات الأميركية العملاقة تمسح الجبال في أفغانستان في مطاردتها »لأمير المؤمنين« الملا محمد عمر، المتخلف والأمي، والقيم على فسطاط الدين الحنيف أسامة بن لادن، صاحب المؤلفات العظيمة في الفقه والاجتهاد وواضع النظريات الخطيرة في منع الشمس من الشروق؟!
… والحمد لله من قبل ومن بعد على أن المؤتمر قد نجح، بدليل أنه قد اختتم!! وان بيانا بلا معنى قد صدر عنه، فلم يُطمئن شعبا أسيرا ولم يزعج صديقا مهيبا، بدليل أن سفارات اسرائيل وبعثاتها الدبلوماسية والتجارية والمخابراتية في الدول الإسلامية لم يمسها سوء، بل ولم تذكر بسوء.
ومؤكد أن الإدارة الأميركية ستسامح أصدقاءها من واضعي البيان لارتكابهم جرم التلفظ ببعض الكلمات (المقاومة مثلا) نفاقا ورياء، أو إلحاحهم على بعض المطالب المستحيلة كإرسال قوة حماية دولية تشهد على إرهاب الدولة الاسرائيلية ضد شعب فلسطين، أو »تمنيهم« على واشنطن ترجمة أقوالها عن »فكرة« دولة في فلسطين على الأرض!
للمؤتمرين العذر، كالعادة: قررنا ما طلبه الفلسطينيون، فاعتبرنا حياة الرئيس الفلسطيني »خطا أحمر« وأكدنا على ضرورة حمايته…
أما عمرو موسى، الذي سُحب البساط من تحته بالدعوة الى مؤتمر خارج إطار الجامعة العربية، فيعترف بأن وسائل الضغط أصبحت قليلة، واننا الآن »داخل السيناريو الأسوأ«.
وأما وزير خارجية الفضائية التي أنبتت دولة عظمى فقد تمنى للمشاركين عودا حميدا الى بلادهم بعدما أنجزوا، وسخر من أي مطالبة بقطع العلاقات (العربية والاسلامية) مع اسرائيل باعتبارها »مزايدة« تنتمي الى عصر ما قبل 11 أيلول، .. بل والى ما قبل قيام »دولته العظمى« في تلك البلاد الصغيرة الطيب شعبها والذي لا يملك غير عروبته هوية!
وبينما كان البيان الختامي يعلن وسط جو احتفالي مهيب، كانت حوّامات الأباتشي الأميركية الصنع الاسرائيلية الاستخدام تغتال بالقصف عائلة كاملة في سيارة في الخليل فينهمك الناجون في الشارع في جمع أشلاء الضحايا وبينهم طفل رضيع لم يعرف له وجه!
لماذا المؤتمرات طالما أن اسرائيل تكاد تكون بعد الأميركي الحاضر الأكبر فيها، وطالما أنها بالعجز العربي المعزز بالعجز الاسلامي تملك حق النقض، فتفرغها سلفا من أي مضمون، وتجعل المؤتمر مهزلة والمؤتمرين مهرّجين يقولون فخم الكلام أمام المذياع (وضده في القاعة المغلقة)، فيثيرون سخرية السامعين من العرب والأعاجم، أميركيين وأوروبيين واسرائيليين؟!
لماذا لا يوفرون على الشعوب المستضعفة والمهيضة الجناح هذه الفضائح الجماعية الجديدة تضاف الى الفضيحة اليومية التي تستهلك الغد فضلا عن اليوم، ليس في فلسطين وحدها بل في دنيا المليار ومئتي مليون مسلم المهزومين حتى الانسحاق؟!
مؤتمر جديد. إنه فضيحة جديدة. إنه هزيمة جديدة.. وبجلاجل!

Exit mobile version