طلال سلمان

مهمة اعلان استسلام

لولا التقيد بآداب الحديث عن القمة العربية لأمكن وصف الزيارة التي يقوم بها اليوم وزير الخارجية في كل من مصر والأردن إلى إسرائيل لتسويق مبادرة السلام العربية لدى سلطاتها، بأنها أقرب ما تكون إلى النخاسة !
وليس أبشع من هذه المهمة التي تجيء من خارج السياسة وليس فقط من خارج المشاعر الوطنية والقومية، إلا التبريرات التي قدمها الوزيران الشجاعان لتزيين دورهما النظيف وغير المسبوق في صراعات الأمم والدول، بل وغير المألوف حتى في فض النزاعات ومساعي المصالحات الثأرية بين القبائل والعشائر و الحامولات !
فالزيارة تهدف رسمياً!! إلى حشد التأييد للمبادرة العربية، والتأكيد على رغبة العرب في مد يد السلام في اتجاه إسرائيل … وللاستدراك فلا بد من التنويه بأن هذه الرغبة معلنة منذ ثلاثين عاماً على الأقل، وبلسان الرئيس المصري الراحل أنور السادات ومن على منبر الكنيست الإسرائيلي في القدس المحتلة… ثم باتفاقات مشهودة في البيت الأبيض وفي إخراج مصر من الصراع، بل من الدور..
أما أساس هذه المبادرة التي اكتشفت القمة أنها بحاجة إلى إعادة تأكيد فهو الحق والعدل الذي لا بديل منه للتوصل إلى الاستقرار المنشود في المنطقة !
لكن الوزيرين الخطيرين يذهبان إلى بيت السبع الإسرائيلي للتثبت من استعداد إسرائيل للقيام بوقف ممارساتها في الأراضي المحتلة، وعلى رأسها رفع الحصار ووقف بناء المستوطنات والجدار العازل وإجراء الحفريات في القدس، والعودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه قبل اندلاع انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر 2000 !!
أليس ذلك أقرب ما يكون إلى إلقاء السلاح العربي، رسمياً ونهائياً، وإعلان الاستسلام من دون قيد أو شرط؟!
فلنتجاهل ما أغفله الوزيران اللذان انتدبا نفسيهما لهذه المهمة المشرفة مثل حقوق الشعب الفلسطيني في دولة له فوق وطنه، ولو بحدود .1967
ولنتجاهل ما أسقطه الوزيران مما يتصل بالجولان السوري المحتل.
ولنتجاهل أولاً وأساساً أن الوزيرين الخطيرين لم ينتبها إلى أن زيارتهما الميمونة تقع في اليوم الرابع عشر من الحرب الإسرائيلية على لبنان في ذكراها الأولى، بما يمكن للمتصيدين في الماء العكر أن يعتبروها تحية للشهداء اللبنانيين، أطفالاً ونساءً وشيوخاً ورجالاً، زيتوناً وكروماً وأشجار برتقال وحقول قمح وتبغ… وهي حرب كان الوزيران الخطيران في عداد الوفد العربي اللجب الذي جاء في مثل هذه الأيام من العام الماضي للتضامن الأبتر مع الحكومة في بيروت، وبإذن إسرائيلي (لمن نسي هذه الواقعة)!..
لنتجاهل ذلك كله حتى لا نشاغب على مهمة وزيري المبادرة الصاعقة التي خلخلت الكيان الإسرائيلي مما استدعى إيفاد بعثة التطمين هذه، ولنسأل بعض الأسئلة البريئة من نوع:
هل انتبه الوفد، ومن أرسله، إلى ارتداد هذه المهمة على الفلسطينيين، لا سيما في لحظة الشقاق الذي يعيشونه كجماعة بشرية محاصرة ومجوعة ومهانة، قبل أن نتحدث عن سلطتيها المحتربتين؟!
وهل يرى الوفد في نفسه كفاءة عليا في التسويق بحيث يفترض أنه بالفصاحة وحدها سوف يستطيع أن يبيع بضاعته الفاسدة ل شيلوك ؟!
… وهل أعدت القمة، وليس الوفد، جوابها على الرفض الإسرائيلي البديهي، مهما حاول المسؤولون الإسرائيليون تجميله وتغليفه بالكلمات المنفوخة التي ستقول ما مفاده إن المطلوب من العرب أكثر مما يقدمه وفد البلدين اللذين استعادا أراضيهما !!!
لن نذكر بأن سيناء قد عادت مقابل احتلال مصر، أو بأن الأردن كان وما زال تحت الاحتلال ، ربما بالرغبة أو بالمصلحة أو بطبيعة الكيان..
إنها مهمة بائسة، في لحظة من الخنوع الذي يبدو أن القمة قد سلمت به قدراً، وأنها تسعى لإقناع إسرائيل بأن تحتل إرادة الأمة جميعاً مقابل السترة والسلامة ..

Exit mobile version