طلال سلمان

مهلة لوفاق وطني جائزتة رئيس حكومة

حسناً، ها هو المجلس النيابي يفتح أبوابه مجدداً، بعد طول انقطاع عن ممارسة دوره لأسباب كثيرة يختلط فيها السياسي والأمني وإن ظل عدم التوافق حتى على الأساسي من القضايا والمسائل الحيوية التي تتصل بحياة الناس هو القفل الذي استعصى على مختلف المفاتيح.
ها هو المجلس، الذي تحوّل محيطه إلى قلعة حصينة لا يرف في جنباتها طائر ولا يدخلها إلا أصحاب الحظوظ المذهبة، يفتح أبوابه على مصراعيها، لكن أياً من القوى السياسية، وبالذات تلك التي ملأت الدنيا صراخاً بالاعتراض على تغييب المجلس ودوره، لا يريد لهذه المؤسسة ذات الحصانات أن تقوم بواجبها الطبيعي، سواء في التشريع أو في انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، على وجه الخصوص.
وخلافاً لمناخ التحديات بالمزايدة أو المناقصة فإن الكتل النيابية المجمَّعة تحت لواء الأكثرية هي هي التي لا تريد أن تحسم معركة الرئاسة في المجلس، الآن، لأسباب متعددة أولها وأبسطها أن الاندفاع نحو انتخاب رئيس سيؤدي إلى شقها وتبعثر صفوفها وكتلها متعددة الأهداف مختلفة الأغراض.
فالأكثرية تجمّع ظَرْفي يبقى موحداً طالما لم يُفرض عليها أن تحسم قرارها باختيار مرشحها للرئاسة، فإن هي حسمت انقسمت، لأن في صفوفها بضعة مرشحين لا يرى أي منهم أن في الآخرين ما يزكيه فيفرضه على الآخرين… ولو كرهوا!
بالمقابل فإن المعارضة لن تكون قادرة على اقتناص هذه الفرصة للقفز بمرشحها (إذا ما كان لها مرشح أوحد) إلى سدة الرئاسة.
ثم أن الصوت المرجح ، وهو من أسف دولي، أي أميركي ذو وجه عربي ما زال قيد الدراسة، لا القرار فيه قد اتخذ، ولا الظروف المحيطة تبرّر الاستعجال بحسمه..
… علماً بأن هذا الصوت المرجح قد يتسبّب في شق الأكثرية، أو قد تكون له مصلحة على الأغلب في شقها ليكون حراً في المساومة ، طالما أن لبنان جزء من الصفقة وعنوان لها، وليس ختامها أو أهم حلقة فيها.
ومع الاحترام للقوى السياسية المحلية كافة، فإنها تعرف جميعاً أن شروط الصفقة لم تتوفر بعد، لا في الزمان ولا في المكان ولا بمدى اتساعها، وهل تشمل مختلف الموضوعات المفتوحة كالجراح أو بعضها، وهل يمكن حسم الأمر على البارد أو لا بد من تسخين الجو لتمرير ما ينبغي أن يكون، وأي بند تتوجب التضحية به لاستنقاذ البنود الأهم والأخطر؟!
وليس جديداً أن يقال إن رئيس الجمهورية لا يُصنع في لبنان… بل إنه قد صُنع دائماً بشراكة عربية دولية ثم تبلّغ اللبنانيون الاسم أو القرار به عبر وسائل اتصال غير مألوفة، في قرارات كهذه.
كذلك ليس جديداً أن يقال إن الدول ، حتى لو كانت بقوة الإدارة الأميركية، لم تستطع مرة أن تفرض رئيساً، بل كان عليها دائماً أن تراعي الحصة العربية فيه… ومَن اختير من دون رأي الطرف العربي أو خلافاً لمصالحه لم يستطع أن يحكم، أو أنه لم يستطع أن يكمل ولايته، وفي الحالين فإن خطر الحرب الأهلية هو الذي يهيمن فيكون التراجع عن القرار بتصحيحه أو … الانفجار!
والحكم في لبنان، لا سيما في هذه اللحظة، لا يتجسّد في رئاسة الجمهورية، بل أن الرئيس الذي يمثل طائفة كبرى في البلاد، هو حامي الدستور وبالتالي هو صاحب حق الفيتو على القرارات التي يراها تهدد الوحدة الوطنية أو يرى فيها خرقاً للدستور أو تجاوزاً للصلاحيات..
ولأن الحكم في لبنان ائتلافي أو توافقي ليكون معنى الشراكة الطائفية أكثر وضوحاً، فإن رئيساً تنفرد باختياره طائفة بعينها أو طائفتان، لا يستطيع أن يصل إلى قصر الرئاسة، ولا هو يستطيع أن يمارس مهامه، لأنه فاقد للشرط الحاسم: التوافق..
ولأن الأكثرية في لبنان ليست أكثرية حزبية، بل هي حاصل جمع ائتلاف طوائفي قام بالمصادفة الانتخابية، لا كان له برنامجه في البداية ولا استطاعت حكومته البتراء أن تصمد إلا بالدعم الخارجي الكثيف، الذي تجاهل رئيس الجمهورية بذريعة أن التمديد له غير شرعي، ثم تجاهل المعارضة بذريعة أن الحكومة منتخبة ديموقراطياً ، وهذا غير صحيح، حتى لو أنها استطاعت الصمود بفعل الغطاء الدولي والعربي الواسع الذي حظيت به لأسباب تتجاوز شرعيتها بل ولبنان جميعاً، وتتصل بطبيعة الصراع الدائر في المنطقة وعليها.
وللصراع محوران: الاحتلال الأميركي للعراق بكل النتائج الخطيرة التي ترتبت عليه في دول الجوار ، العربية منها أساساً، ثم إيران وتركيا، والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والانهيارات التي ضربت السلطة الفلسطينية فمزقتها وجعلتها رهينة الاحتلالين، أقله بشخص رئيسها محمود عباس ومن معه، بينما ضُرب حصار عربي دولي خانق على سلطة حماس الانقلابية في غزة.
كيف يتطور هذا الصراع بمحوريه؟!
هذا سؤال لبناني في جانب منه، خصوصاً وأن سوريا لم تعد خارجه، أو على هامشه، لا سيما بعد الغارة الإسرائيلية المؤيَّدة أميركياً، على هدف غامض في منطقة دير الزور، على الحدود العراقية، والذي سلكت الطائرات الحربية للوصول إليه طريقاً آمنة جعلتها تخرق حرمة الأجواء التركية.
[ [ [
لسنا في أوروبا حيث الأكثرية حزبية ، سواء أتمثلت بحزب واحد أم بمجموعة أحزاب، تصل إلى الحكم ببرنامج يأخذ بعين الاعتبار المصالح الاقتصادية والاجتماعية لجمهور يشكّل غالبية الناخبين، يُحاسب مَن يخرج عنه وعليه، ويُلزم مَن انتُخب على أساسه باحترامه وإلا تمّ… طرده أو إسقاطه!
إن الأكثرية التي تستشعر في ذاتها قوة ليست لها، مضطرة أمام واقعة انتخاب رئيس جديد للجمهورية لا تملك من الأصوات ما يكفل لها إنجاحه، مضطرة إلى أحد أمرين لا ثالث لهما: إما التوافق على الرئيس وحكومة ما بعد انتخابه، وإما التفرّد بانتخاب رئيس سيُطعن في شرعيته لحظة إعلان فوزه بأصوات أقل مما يجوز وبمشكلات تمنع العهد الجديد من أن يقوم أصلاً.
وليست مصالح القيادات المتعددة في الأكثرية واحدة إلا قبل أن تدق ساعة الحقيقة، أما متى دقت فلسوف تكون الصورة مختلفة جداً، فكيف إذا ما استذكرنا معها الحكومة الجديدة التي ستكون عنوان العهد الجديد ؟!
إن إرجاء جلسة اليوم فرصة نتمنى أن يفيد منها الجميع، في الموالاة والمعارضة، من أجل التفكير عميقاً بمصلحة البلاد والعباد، وأن يستذكروا أن طرفاً واحداً لا يستطيع أن يحكم لبنان، حتى لو أيّدته حتى لا نقول حرّضته أعتى دول العالم وأقلها اهتماماً بلبنان إلا كمنصة هجوم على المنطقة برمتها لاحتلالها عسكرياً أو الهيمنة على قرارها ونفطها وموقعها… ومستقبلها.
إن رئيساً مختلفاً عليه لا يحكم،
وإن رئيساً لا يجسّد التوافق لا يمكنه أن يصل إلى السدة،
وإن رئيساً لا يحظى بأصوات الأكثرية من النواب (أي ما يزيد على الثلثين) هو نذير بالانشطار أو التقسيم أو الحرب الأهلية..
وليس مثل هذا الوعد هو ما ينتظره اللبنانيون المعذبون في جحيم الخلافات السياسية التي التهمت شوقهم إلى الحياة وقدراتهم ومستقبل أجيالهم الطالعة وهددتهم في لقمة خبزهم، من الأكثرية النيابية أو الأقلية، على حد سواء.
يمكن إرجاء الانتخاب بأمل الوفاق،
ولكنها خطيئة مميتة أن نضحي بالوفاق من أجل انتخاب رئيس بالتحدي لا هو سيستطيع أن يمارس مسؤولياته ولا مَن أوصله سيكون قادراً على حماية عهده من خطر السقوط (وإسقاط البلاد) في هاوية الحرب الأهلية.
وثمة وقت كافٍ للتفكير واتخاذ الموقف الصح.

Exit mobile version