طلال سلمان

مهلاً يا فخامة الكاردينال

أكثرية اللبنانيين لا تعرف لبنان الحقيقي. لبنان الواقعي، لبنان ابن المئة عام. يرتكبون حماقة كبيرة، عندما يريدونه كما يتمنون. الوقائع اللبنانية مدرسة مثالية للتعرف على اثنين: لبنان الحقيقة التاريخية، ومستقبل لبنان سليل المئة عام. “لبنان الحقيقي جايي”، يشبه لبنان الماضي، إن لم يكن أكثر سوءاً.

يسقط كثيرون في امتحان السياسة، عندما يرسمون للبنان صورة مثالية، لشعب قابع في قعر الطائفية، قادةً وعامة. “حلكم تعرفوه”. رجاء لا تحلموا كثيراً. فقط توسلوا الحد الادنى، او ما دون ذلك. فلبنان دولة فاشلة بنسبة مئة في المئة. لا يصلح ليكون وطناً جامعاً. إنه “اوطان” على قياسات لا وطنية. لكل زاروب طائفي “وطن” يخصه. ولا يعقل أن لدينا هياكل دولة. رئاسة الجمهورية ليست: شُبِهَ لكم أن لديكم رئاسة. حكومة لبنانية: ليست. الحكومات في لبنان، حرب عصابات، الأقوى طائفيا يحوز على الحصة الكبرى. آخر بدعة، سيادة منطق القوة، بلا قوة فعلية. مسخرة: العهد القوي. أين وكيف؟ بلاها. الجمهورية القوية. أين ومتى؟ احذفها. لبنان القوي… رجاء بلا هذه المسخرة من التسميات. اللقب الوحيد الصادق واللائق للبنان: هو البلد المهلهل… شعبه مصاب بأنه يكذب ويصدق كذباته المتناسلة، أنه معطوب عطباً كيانياً. وجوده ناقص. لا مناعة له. بحاجة إلى دعامات خارجية. الدعائم الخارجية متعادية: شرق وغرب. اسلام ومسيحيي. عرب وعجم. الخ. لا طبعة منقحة للبنان سوي. لبنان الميثاق سقط مراراً إلى أن مات. لبنان الصيغة سقط ومات. لبنان التعايش لم يعش حتى قليلا. لبنان الطائف خان طائفه وطاف سقوطا… لبنان لا حظ له في أن يكون معافى. مكان اقامته في المنطقة غلط وارتكاب.

الفصل الراهن هو فصل البحث عن خلاص مزيف: اكتشفوا الحياد. بلا ولد في. الحياد اللبناني من المستحيلات. من يخوض معركة الحياد. سيحتاج إلى غير “التفاهم”. الحوار ينقطع من بدايته. نصف لبنان هنا ونصفه الآخر على الضفة الأخرى. نصفه كان مع سوريا الوحدة، ونصفه مع فرنسا الانتداب. نصفه مع الشرق ونصفه مع الغرب. نصفه مع عبد الناصر ونصفه ضده مع كل من هو ضد عبد الناصر. نصفه مع فلسطين والفلسطينيين، كيفما كانوا، والنصف الآخر ضد. نصفه مع اميركا ونصفه ضدها حتى النفس الأخير. نصفه مع الهيمنة السورية ونصفه ضدها حتما. نصفه مع إيران ونصفه مع السعودية. إلى آخر لبنان.

 لا هوية خصوصية للبنان. هذا هو. لا تحلموا كثيراً ابداً. ثم، ويا للخفة المدروسة. فُتحت معركة الحياد، في عز ازمة، سياسية، اجتماعية، مالية، اقتصادية، إفلاسيه، وانقسام سني / شيعي، لا مناخ صحياً لتبادل الآراء. هناك ملعب واسع للضربات الممنوعة في منازلة ليس هذا هو زمنها ولا هذا هو خطها من الفكر والتاريخ والعبر.

أي خفة مشبوهة، أن تفتح معركة “وجودية” طاحنة، بعيار طواحين الهواء، ودونكيشوتات السياسة، فيما اللبناني يتساقط على حافة البطالة والعوز والجوع والمجهول. أي خفة مشبوهة، أن يتم القفز عن المأساة اللبنانية الحية والمرعبة، والفشل المهول، الذي كان نتاج طبقة سياسية حاكمة ومتحكمة ولصوصية واغتيابية، مارست السرقة والعهر والفجور والنصب والاحتيال، وأودت بلبنان ليكون لعنة بكل معنى الكلمة.

فلبنان اليوم مصاب بلعنة، بل بلعنات. أبرزها لعنة طبقة فاسدة مُرضى عنها من المرجعيات الدينية، حيث كل مرجعية دينية، ترسم خطاً أحمر، دفاعاً عن فاسدين بحاجة إلى حماية الوصاية، او البطرشيل أو العباءة او العمامة الدينية. أليس حاكم مصرف لبنان محمياً من قبل “جمهورية”  البطريركية المارونية، في وجه جمهوريات شيعية ودرزية إلى آخرنا..؟

واقعياً، غطت لغة الحياد والزيارات المكثفة لفخامة بكركي على كل الازمات. هل هذا بريء؟ لا أظن أن احداً بريئاً. البراءة لا طريق لها في لبنان، فالكل متهمون بالكبائر، إلى أن يثبت العكس، ولن يثبت.

اذاً: خيطوا بغير هذه المسلة. نهاية مشوار الحياد، نكسة لجميع مهللي هذه البدعة. خلاص لبنان ليس بالحياد، بل، ونؤكد على ذلك، بطرد هذه الطغمة المتناسلة، والعمل على تحويل المقيمين في هذا البلد، من الولاء الطائفي للبنانات متعددة الوجوه إلى الولاء الوطني المدني العلماني، إلى لبنان الوطن الحقيقي، حيث يتساوى فيه اللبنانيون، مساواة تامة، لا سيادة لدولة شعبها مفتت ومنقسم. السيادة يصنعها شعب. نحن لسنا شعباً. نحن قبائل وعشائر وطوائف، وولاؤنا لسادتنا العريقين في تأمين السيادة للفساد والفاسدين. انه بلد يشبه سوق ماريكا سياسياً، واسوأ.

هناك لبنانيون مرشحون ليكونوا أخوة جان فالجان، في بؤساء فيكتور هوغو… لقد اصاب القادة أنفسهم بالعمى، كي لا يسألهم أحد، عن راتب آخر الشهر، عن الدخول إلى مشفى، عن التعلم، عن الحد الادنى… و”لك لبنان نحرتموه من الوريد إلى الوريد”، ومطلب الحياد يقوده الى النحر.

مهلاً يا اصحاب الرتب الدينية العالية.

مهلاً … يا فخامة الكاردينال. حيدوا الحياد. اجتنبوه انه باب من أبواب الانحياز للغرب واميركا التي تحاصرنا بحجة لا تخدم الا العدو الاسرائيلي.

Exit mobile version