طلال سلمان

من يوظف فضيحة صدام

لن تخفف الفضيحة المدوية في بيت صدام حسين من هموم العراقيين الثقيلة، بل لعلها ستكون مصدرù لمصائب مريعة جديدة تزهق المزيد من أرواحهم وتذهب بالمزيد من مقوّمات حياتهم.
لم تذهب الطعنة بالطاغية، ولا بد إذن من توقع انفجار انتقامه دمويù ورهيبù بذريعة الغضب على مروق ابنتيه والصهرين الشقيقين والمؤتمنين على »زينة الحياة الدنيا«.
السؤال البديهي الأول هو: مَن المستفيد مِن الفضيحة؟
الأجوبة المحتملة أسئلة تستولد بدورها تساؤلات تكاد لا تنتهي.
1 على الصعيد العراقي الوطني، لا يمكن للمعارضات المتعددة، الهشة التكوين والمفككة والمتناحرة قياداتها إلى حد الاقتتال، بعربها وكردها، أن تدعي العلم، مجرّد العلم، بأمر هذه الفضيحة قبل وقوعها كما واشنطن أو القدرة على توظيفها بعدما دوّت وقوعاتها مجلجلة في العالم كله،
ولعل الفضيحة التي أصابت من صدام حسين مقتلاً ستكشف هزال المعارضات وعجزها ليس فقط عن صنع التغيير، بل حتى عن استثمار عوامله التي هبطت عليها فجأة ففضحتها بقدر ما فضحت خصمها.
2 على صعيد الجزيرة والخليج، قد يشمت سلاطين تلك المنطقة بصدام الرهيب، وقد يفرحون بأنه لم يعد يستطيع أن يأخذ عليهم سلوكهم الذاتي ومباذلهم وحتى موبقاتهم العائلية، لكنهم أعظم بؤسù من أن يتحمّلوا مسؤولية المشاركة في أية خطوة للخلاص من صدام حسين ونظامه، بل لعلهم الآن أكثر تمسكù بصدام من صهريه اللذين غدرا به وخرجا على طاعته.
انهم اعجز من ان يقبلوا بتحمل مسؤولية التغيير، وهم قد ارتاحوا اصلا الى ان »عاصفة الصحراء« لم تكلفهم عبئا سياسيا خطيرا كإسقاط النظام العراقي وتلقي النتائج المحتملة لمثل هذا التطور الدراماتيكي الذي لا بد سيرتد عليهم: فصدام، الآن، هو بين اسباب وجودهم، فمن يقامر على رأسه؟!
حتى حكام الكويت، وهم بعد التحرير، أقل عافية مما كانوا خلال الاحتلال، مرتاحون الى استمرار الوضع الحالي لأن مجرد تصور عودة العراق الى الحياة يقض مضاجعهم اذ قد يحاسبهم بالشدة ذاتها التي يحاسب بها صدام حسين.
انهم يدعون، علنا، على صدام، ويدعون له سرا بطول العمر، خصوصا وانهم يستريبون بنوايا التحالف الدولي وقيادته الاميركية على وجه التحديد.
3 على صعيد الوضع العربي العام بهشاشته المريعة: من المستحيل تخيل القدرة على توظيف هذا الحريق في غرفة نوم صدام حسين لصالح تغيير يخدم استعادة العراق كطاقة عربية مميزة، ومن ثم استعادة التضامن العربي، على حساب احد ابرز الذين اجهزوا عليه وقد مزقه صدام اربا نثرها طعما لعاصفة الصحراء.
4 اما على الصعيد الدولي فان المستفيد من استمرار صدام حسين حاكما هو المستفيد من غياب العراق، بامكاناته المتميزة وطاقته المؤثرة ودوره الاساسي في صنع المستقبل العربي…
وليس واضحا بعد ان الحاجة الاميركية (والغربية) والاسرائيلية اليه قد استنفدت اغراضها، كما انه من غير المؤكد ان يستطيع تمرد الصهرين تعويض غياب »سيدهما« وولي نعمتهما في البيت والدولة، في السلطة والثروة وما بينهما!
***
ربما لهذا وللريبة العميقة في كل ما يتصل بدور صدام حسين وعلاقته بالغرب، استقبل المواطن العربي الفضيحة العائلية المجلجلة التي اصابت من صدام حسين مقتلاً، بكثير من الحذر السياسي.
ذلك ان دوي الاسئلة السياسية التي فجرتها هذه الفضيحة كاد يغطي على دوي دلالاتها الشخصية والعائلية وضمنها كل الشماتة بهذا المتجبر الذي لم يظهر للناس يومù في صورة الاب، او الانسان عمومù، وان كانوا يرون الان ان العناية الالهية قد انتقمت لهم منه فجرعته من الكأس المرة التي اجبرهم على تجرعها يوميù وطوال ربع قرن من الزمان!
ان الفضيحة لصدام والخوف على العراق،
والفضيحة في بيت ذلك الطاغية الذي جاء يتيمù من تكريت، لكن البيت الابيض في واشنطن هو الذي يثمرها الان لعمليات ابتزاز اضافية يأخذ فيها من العرب الاثرياء آخر قروشهم ومن العرب الاقوياء بارادتهم بعض اسباب صمودهم.
الفضيحة في بيت صدام، لكن الخطر ان يدفع الثمن كل بيت في العراق والى جواره.
هل هي فضيحة اميركية هاشمية في بيت صدام حسين؟!
أليس من المريب ان يتصرف »الدامادا« حسين كامل بمجرد ان حظي بحماية الملك حسين الاميركية وكأنه زعيم اصيل للمعارضة في العراق، تأخر لبعض الوقت عن موعده، وها هو يجيئ الان كبطل للانقاذ وركيزة للعهد الجديد… عهد ما بعد حميه صدام الرهيب؟!
حسين كامل يحاول ان يقول انه ليس مجرد هارب من ظالم يطلب الامن والامان عند ملك عادل؟! انه يحاول تقديم نفسه من عمان وكأنه مشروع سياسي. اذن فهو ليس صهر صدام حسين بل بديله. ليس ضيف الملك بل المتواطئ معه عبر واشنطن، أو المتواطئ مع واشنطن عبره. وهذا يحول الملك من مضيف الى شريك في مؤامرة على حليفه التاريخي »ابي عدي«، او على الاقل الى وسيط يتولى تزكية البديل عن صاحب المشروع الاصلي. البيت الابيض.
من دخل بيت من؟! ومن أمَّن من؟!
من دخل بيت ابي عبد ا” عبر البيت الابيض فهو آمن، وابو عبد ا” آمن ايضù، ولكن هل رفع غطاء الامن والامان ذاته عن صدام؟!
* * *
لكن »ابا عبد ا”« صاحب ارث، كهاشمي، في سدة السلطة في العراق..
فهل يتحول »الحامي« الى »وريث« خصوصù الان وهو يملك حصة الكريمتين؟!
واين عدي (ومن ثم قصي) من هذا كله؟!
لا مجال للعواطف في لحظة كهذه.. ليس فقط لان »الطاغية« بلا عواطف، او لان »العرش« عند السلطان اهم واقدس من امه وابيه ومن ابنه واخيه، بل لان »الهاربين« منه ملتصقون به بحيث يستحيل التمييز بينه وبينهم عند صدور الاحكام..
انهم »بعضه« و»شيء منه«، وصنيعته، سوَّاهم على صورته ومثاله بحيث يستحيلون رمادù اذا هم انكروه،
على هذا فلا بد من الانتظار حتى يهدأ الدوي وتخمد آثار الفضيحة العائلية ليمكن بالتالي حصر النتائج السياسية، وللتحديد بدقة: من بيت من خرج الخارجون والى اي بيت التجأوا، وفي اي بيت سينتهون..
ثم… اين العراق والعراقيون من كل هذه الفضيحة باطرافها جميعù؟!

Exit mobile version