طلال سلمان

من يضع حواجز في طريق عماد سليمان

لا تموّه الإدارة الأميركية موقفها من مسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان. إنها، ببساطة شديدة، لا تريد إنجاز هذه العملية الانتخابية. إنها لا تريد تغيير الوضع القائم. وهي قد عبّرت عن إرادتها هذه بكل اللغات الممكنة. إنه وضع نموذجي يناسبها تماماً، بل إنه يوفر لها أكثر مما كانت تطلب أو تتوقع من بلد صغير مثل لبنان.
ولقد افترضت الإدارة الأميركية أن أصدقاءها في بيروت قد وعوا حقيقة موقفها الذي رددته بألسنة العديد من مسؤوليها، أكثر من مرة، فلما انتبهت إلى أن بعض أولئك الأصدقاء في بيروت لم يصدقوا، أو أنهم افترضوا أن الأمر مناورة ليس إلا، تدخل الرئيس الأميركي شخصياً ووجّه الضربة القاضية إلى الانتخابات الرئاسية، وإلى المرشح الوحيد الذي كاد يفرضه الإجماع: قائد الجيش، العماد ميشال سليمان.
كانت الوقائع ناطقة: فإعلان الاتفاق على ترشيح العماد سليمان تم عشية انتهاء المهلة الدستورية لتعديل الدستور… ثم إنه تمّ بشكل منفرد، من دون تشاور أو محاولة للتنسيق بين الموالاة والمعارضة مع الوعي المسبق بأن الإجماع على هذا المرشح وهو سهل ومضمون قد يخلق مناخاً صحياً مؤاتياً للشروع بما يمكن اعتباره مصالحة وطنية شاملة تنهي مرحلة تصادم الإرادات، داخلياً، والتي عطلت التواصل، وسعّرت الحساسيات والغرائز الطائفية والمذهبية.
لكأنما لم يكن يُراد الوصول إلى ذلك الإجماع الوطني.
لكن انتخاب رئيس جديد للجمهورية في ظل مناخ سياسي مأزوم لا يمكن أن يتم بالتهريب … وخصوصاً أن المرشح المعني يضيف إلى رصيد من رشحه، فلماذا تمّ تعريض مرشح الإجماع بهذه التجربة التي ستسيء إليه وإلى مؤسسة الجيش أكثر مما تسيء إلى المعارضة المُراد إحراجها بإخراجها؟!
لقد أعلنت الإدارة الأميركية موقفها إزاء الوضع في لبنان، خلال الأسابيع القليلة الماضية، ثلاث مرات:
الأولى عبر موفدها الخاص مساعد وزيرة الخارجية ديفيد ولش، الذي أمضى أول مرة يومين في بيروت، يحاول طمأنة المسيحيين إلى مستقبلهم في لبنان، بحسب الجملة التي ذهب إلى بكركي خصيصاً ليكتبها في السجل الذهبي ثم ليعلنها على الهواء … مع أنه في كل ما فعله وكل ما قاله مع أصدقائه من أهل الموالاة كان يشدد على ضرورة دعم حكومة السنيورة (المنتخبة ديموقراطياً)!
والثانية عبر هذا الموفد نفسه، والذي عاد إلى بيروت ثانية، بعد أقل من ثمان وأربعين ساعة، وهذه المرة مصحوباً بمساعد المستشار في مجلس الأمن القومي إليوت أبرامز، فطافا معاً على أهل الموالاة، مع التركيز على المسيحيين منهم، لتدعيم صفوفهم وإعادة الانضباط إليها،
وفي المرتين لم يكن الهدف دعم ترشيح العماد سليمان، وإلا كان السلوك مختلفاً، ولا سيما أن فرنسا كانت على الخط، وكانت تسعى بتفويض من الإدارة الأميركية لتأمين سلامة العملية الانتخابية عبر التواصل مع دمشق التي لم تتورع عن إظهار حماستها في تأييد العماد سليمان والاستعداد للمساعدة مع المعارضة على تأمين وصوله بأكرم صيغة ممكنة.
أما المرة الثالثة فقد تولاها الرئيس الأميركي جورج بوش شخصياً حين قطع الشك باليقين وتعاطى مع مسألة ترشيح قائد الجيش على أنها جولة أخرى في الحرب ضد الإرهاب ممثلاً بالمعارضة (أي ضد سوريا وإيران… وأساساً ضد حزب الله )… وهكذا فإنه أمر أهل الموالاة بأن يقصدوا إلى المجلس النيابي لكي ينتخبوا العماد سليمان كمرشح مخاصم للمعارضة، بأكثرية النصف زائدا واحداً.. طالما أنهم يملكون هذا النصف!
ولأن الموقف الأميركي فاقع في اعتراضه على إجراء انتخابات رئاسية مع ضمان شروطها الصحية، كمدخل إلى مصالحة وطنية تسهم في إنهاء حالة التوتر، وتكشح مناخات الفتنة، عبر صياغة حكم جديد يرسخ الوحدة الوطنية، ويسحب من التداول حملة التحريض الطائفي، فمن الطبيعي أن ينسب إليه تراجع الموالاة عن مشروع ترئيس العماد سليمان…
ذلك أنه من الأكرم لقائد الجيش الذي يقدّره اللبنانيون عموماً، ويرون فيه أنه كان حكيماً وشجاعاً فحمى وحدة الجيش كصمام أمان للوحدة الوطنية، وكضمانة لاستمرارية الدولة ومؤسساتها، أن يطل بوصفه الجسر إلى المصالحة الوطنية بين الأطراف الذين كانوا مختصمين فتوافقوا عليه معلنين عبره نواياهم المشتركة على التلاقي على إعادة بناء الدولة بجهود الأطراف جميعاً، من أن يكون مرشح طرف، أي في موقع الخصم لأطراف أخرى لم يلمس منها إلا التأييد والمباركة.
أما صلب العماد سليمان على خشبة الترشيح دون الانتخاب فإنه نذير سوء، لأنه إذا ما تجاوزنا النوايا يتهدد المؤسسة العسكرية في دورها وفي كرامتها… وبالتالي فإنه يتهدد الوحدة الوطنية عبر حارسها الأقدر والأقوى، فضلاً عن الإساءة المباشرة إلى شخص هذا القائد الذي حاز إجماعاً كان في حكم الاستحالة، قبل طرح اسمه.
… ولو أن الإدارة الأميركية حريصة فعلاً على الدور المسيحي في لبنان، لكانت سهّلت انتخاب هذا الماروني الطبيعي الذي شكّل الإجماع عليه إعادة اعتبار للماروني في الرئاسة ولدور الموارنة والمسيحيين في لبنان عموماً.
إنها الإدارة الأميركية ذاتها التي تشرف على تمزيق العراق بالحرب الأهلية… وهي هي التي تعمل على توسيع الشرخ بين الفلسطينيين لإضعافهم في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
ملحوظة: تعرض شاشات التلفزة وبعض الصحف إعلانات متقنة لمؤسسة يو. اس. ايد U. S. AID ينتهي بعد عرض إنجازات هذه المؤسسة بجملة ذات رنين مطرب، تقول كلماتها: منذ 1951 ونحن حدك !!
ماذا لو ساعدنا الأصدقاء الأميركيون بأن يبتعدوا قليلاً ليكونوا حدنا لا فوقنا مع الوعي بأن دول المنطقة لن تبتعد عنهم كثيراً، ولأسباب مفهومة؟!

Exit mobile version